الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الله الفرياضي: قمة نواكشوط ومستقبل المغرب داخل جامعة العرب !

عبد الله الفرياضي: قمة نواكشوط ومستقبل المغرب داخل جامعة العرب !

خلال حديث دار بيني وبين الأخ والصديق معالي رئيس حزب "الصواب" الموريتاني الدكتور عبد السلام ولد حرمة قبيل أيام قليلة عن انعقاد القمة العربية بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أجابني عن سؤال وجهته له حول ما إذا كان متفائلا بمخرجات هذه القمة فقال لي "على العرب أن يستعدوا لقمة قادمة في إحدى عواصمهم الحزينة".

الآن، وبعد أن أسدل الأشقاء الموريتانيون الستار عن فعاليات القمة العربية السابعة والعشرين، التي أطلقوا عليها قمة الأمل، أجدني مضطرا للعودة إلى جواب صديقي ولد حرمة، لغايتين أساسيتين: أولهما تتجلى في مساءلة رؤيته الاستشرافية لمخرجات هذه القمة، وثانيهما تكمن في محاولة القيام بقراءة استشرافية شخصية لمستقبل هذا التنظيم العربي عموما، ومستقبل المغرب داخله على الخصوص.

أولا: هل صدقت نبوءة ولد حرمة؟

تتبعت مجريات هذه القمة العربية الاستثنائية، بدءا بالزمن العربي المأزوم الذي أتت فيه، مرورا باعتذار المغرب عن استضافتها وما أعقبه من تحمل موريتاني لهذه المهمة، وصولا إلى وقائع انعقادها أخيرا على أرض شنقيط وما تمخضت عنه من مخرجات. وكانت نتيجة هذا التتبع تأبى إلا أن تنتصب لتزكي رجاحة الرؤية القبلية التي قدمها ولد حرمة، وذلك بناء على جملة من القرائن يمكن إجمالها في ما يلي:

إجابة الرجل بالقول أن "على العرب أن يستعدوا لقمة قادمة في إحدى عواصمهم الحزينة" تنطوي على حمولة دلالية قوية وتنفتح على أكثر من تأويل. لكن المفارقة الغريبة أنها تطابقت مع ما قرره وزراء الخارجية العرب من إسناد رئاسة القمة العربية القادمة وفقا للمادة 4/أ من الملحق الخاص بدورية القمة لدولة وردت بشأنها فقرة في البلاغ الختامي لقمة نواكشوط تقول أن القادة العرب يناشدون "الفرقاء في اليمن تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية تعيد لليمن أمنه واستقراره ووحدة أراضيه في أقرب وقت".

قمة نواكشوط، التي كان الأشقاء الموريتانيون يعقدون عليها آمالا عريضة - حد تسميتها "قمة الأمل"- لم تأت بجديد يذكر. بل أكثر من ذلك إن لم نقل، أنها زادت من تعميق الإحساس العربي بفقدان الأمل في هذا التنظيم المترهل. والدليل على ما ندعي ينتصب معلنا عن نفسه من خلال توصيات "إعلان نواكشوط" الذي لم يكلف مدبجوه أنفسهم ولو عناء تغيير العبارات والمفردات المحنطة لبيانات القمم العربية السابقة.

مصير قمة نواكشوط المشؤوم، كما تنبأ به ولد حرمة، كانت ملامحه مرسومة بشكل قبلي وكان مطار "أم التونسي" بعاصمة شنقيط شاهدا عليها. على اعتبار أن هذه القمة، أقول القمة، لم يشارك فيها سوى قادة سبع دول من أصل إثنين وعشرين دولة، وهي السودان والكويت واليمن وجيبوتي وجزر القمر و قطر (التي غادر أميرها نحو أمريكا اللاتينية ساعات قليلة على حلوله بمطار انواكشوط)، إضافة بالطبع إلى موريتانيا المضيفة. فيما اكتفت ست دول بإرسال رؤساء حكوماتها وشاركت الدول التسعة المتبقية بوزراء خارجية أو مسؤولين آخرين                                                                                                                                                    ثانيا: ما مستقبل المغرب داخل الجامعة العربية؟

إن السعي إلى الإجابة عن هذا السؤال في الواقع يحمل مجازفة كبيرة إن كانت غايته تروم تقديم إجابة وثوقية. غير أن ذلك لا يجب أن يثنينا عن محاولة استقراء المؤشرات المتوفرة قصد تكوين صورة تقريبية عن ملامح السياسة المغربية، الماضية والحاضرة والمستقبلية، تجاه المنتظم العربي. وكلها مؤشرات تصب في اتجاه فرضيتين لا ثالث لهما في نظرنا. فإما أن يعلن المغرب عن انسحابه من هذا التنظيم العربي واستبداله بتنظيمات إقليمية أخرى قيد التبلور (وهذا ما أراه شخصيا الأنسب والأنجع)، أو أن يبقى مستمرا في عضويته داخل الجامعة، لكن بصورة شكلية فحسب. وهاتين الفرضيتين يمكن الخلوص إليهما بناء على عملية استقراء بسيطة لمجموعة من المؤشرات، نطر منها ما يلي:

قرار المغرب عدم استضافة القمة العربية الحالية قرار غير مسبوق، يحمل في طياته إشارات سلبية في نظرة مغرب "محمد السادس" للجامعة العربية. إذ لم يتوانى بلاغ الخارجية المغربية المعلن لخبر اعتذار المغرب عن الاستضافة في قول كلام دال وقوي من قبيل أن "هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي".

السياسة الخارجية لمحمد السادس، خلافا لوالده الحسن الثاني، لا تنظر باهتمام كبير إلى جامعة الدول العربية. بدليل حرصه على عدم حضور القمم العربية. إذ لم يحضر منذ توليه العرش سنة 1999 ما مجموعه عشر قمم عربية هي: (قمة عمان-الأردن سنة 2001/ قمة الخرطوم-السودان سنة 2006  /قمة الرياض-السعودية سنة 2007/ قمة دمشق-سوريا سنة 2008 / قمة الدوحة-قطر سنة 2009 / قمة سرت-ليبيا سنة 2010 / قمة بغداد-العراق سنة 2012 / قمة الدوحة-قطر سنة 2013 / قمة الكويت-الكويت سنة 2014 / قمة شرم الشيخ-مصر سنة 2015). فيما حضر ما مجموعه خمسة قمم فقط هي (قمة القاهرة-مصر سنة 2000 / قمة بيروت-لبنان  سنة 2002  /قمة شرم الشيخ-مصر سنة 2003  /قمة تونس-تونس  سنة 2004  /قمة الجزائر-الجزائر 2005).

أما بالنسبة للمؤتمرات الثلاثة اليتيمة للقمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية المنعقدة بكل من الكويت ومصر والسعودية سنوات 2009 و2011 و2013 على التوالي. فلم يحضر الملك محمد السادس أيا منها أيضا.

تزايد الأصوات الداعية إلى "انفصال المغرب عن المنظومة العربية" وضرورة تصالحه مع "هويته الأمازيغية المغاربية" ومدى التأثير الذي أصبح يملكه هذا التيار داخل الأوساط المغربية. مما فرض على المغرب التنصيص دستوريا على رسمية اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية في التعديل الدستوري لفاتح يوليوز سنة 2011. إضافة إلى التنصيص أيضا على تعدد الروافد الثقافية للهوية المغربية من خلال الاعتراف بالمكون العبري والإفريقي والحساني. وهي مؤشرات قوية يمكنها أن تلعب دورا في رسم صورة مستقبلية لعلاقة المغرب بمحيطه العربي.

امتعاض المغرب - الذي يعتبر عضوا كامل العضوية داخل الجامعة العربية منذ انضمامه إليها في ثالث توسيع لها يوم فاتح أكتوبر سنة 1958 مع ما تكلفه هذه العضوية من ملايين الدولارات كاشتراك سنوي- من عدم قدرة هذه الجامعة على اتخاذ أية إجراءات لصالحه بشأن قضية الصحراء، منذ انسحابها من مسار التسوية لهذه القضية على إثر فشل مهمة الوساطة التي قام بها أمينها العام محمود رياض سنة 1976 بعد 12 يوما فقط من مساعي التوفيق بين الجزائر والمغرب وموريتانيا.

توجه المغرب خلال الآونة الأخيرة، خصوصا بعد ما بات يعرف بالربيع أو الخريف العربي، نحو الانخراط ضمن تنظيمات إقليمية بديلة قيد التشكل. وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي الذي تجمع بين طبيعة نظامه السياسي وطبيعة أنظمة الدول الخليجية خاصية مشتركة هي خاصية وحدة النظم الملكية. بل الأكثر من ذلك أن المبادرة بطلب الانضمام كانت من المنتظم الخليجي الذي ما يزال مصرا على ضم المغرب والأردن إلى عضويته.