الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:مواجهة بين رئيس فرنسا ورئيس المجلس الفرنسي لديانة الاسلامية

يوسف لهلالي:مواجهة بين رئيس فرنسا ورئيس المجلس الفرنسي لديانة الاسلامية يوسف لهلالي
"إعادة العلاقات بين الإسلام والدولة."هذه هي الرغبة التي عبر عنها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون عدة مرات،لكن هذه الرغبة لا ينظر لها بعين الرضا رئيس المجلس الفرنسي لديانة الإسلامية احمد اوغراس الذي ناشد الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون "بعدم التدخل في شؤون تسيير هذا المجلس"وعدم التدخل في قضايا تنظيم الإسلام،وأضاف رئيس هذه الهيئة لتنظيم الإسلام بفرنسا الى رويتر "على كل شخص الالتزام بدوره"هذه التصريحات هي "رفض لكل وصاية " من رئيس الجمهورية على ثاني اكبر ديانة ببلد فولتير.وقوة هذا التصريحات هي انها جاءت كرد على رغبات الرئيس الفرنسي في إعادة تنظيم هذه الديانة من جديد.
رؤساء هذه الهيئة لم نعتد منهم مثل هذا الرد على اكبر سلطة بفرنسا وهو قصر الاليزي، خاصة ان هذا المجلس نشأ في أحضان السلطة الفرنسية ومن خلال المشاورات التي نظمتها وزارة الداخلية المسؤولة عن هذا الملف. منذ اكثر من 15 سنة وذلك من اجل الدفع إلى نشأة اسلام فرنسي ،يتوافق مع النظام العلماني لفرنسا الذي يفصل بين الدين الدولة التي تلتزم الحياد في علاقتها بالديانات التي يمارسها الفرنسيون.لكن ماذا حدث حتى يتمرد هذا المجلس على الدولة الفرنسية ويختار رئيسه احمد أوغراس (وهو فرنسي من أصول تركية) ان يرد على رئيس فرنسا عبر الصحافة ليقول له أن تنظيم الإسلام ليس من صلاحياته وليذكر الرئيس بالفصل بين الدولة والدين كما ينص على ذلك قانون1905 الذي يجعل من الدولة محايدة في تعاملها مع المعتقدات وصحابها.
رد الفعل هذا يمكن تفسيره بالمشاورات المكثفة لرئيس الفرنسي هذه الأيام مع كل الفئات التي تشتغل حول الدين من باحثيين ومؤسسات البحث وفعاليات دينية حول إعادة تنظيم الإسلام دون أن يتحدث مع المعنيين أي مع مجلس الفرنسي لديانة الإسلامية وهو ما اثار تخوفات هذه المؤسسة والمشرفين عليها والتي ينتقدها الجميع اليوم وهم من يعتبرها انها لا تمثل أحدا بفرنسا.
الرئيس الفرنسي قال لصحافة في منتصف هذا الشهر،انه "يريد إعادة النظر في الأسلوب الذي تنهجه الدولة فيما يتعلق بالأمور التي تمس تنظيم الإسلام بفرنسا.وهو ما أثار حفيظة المسؤولين على هذا المجلس الإسلامي الذين لا يرغبون في تدخل الدولة في شؤون عقيدتهم.
الصحافة الفرنسية بمختلف توجهاتها شنت حملة على المجلس الفرنسي لديانة الإسلامية، واعتبرت انه لا يمثل الاسلام الفرنسي بل هو مجلس يمثل الدول الأجنبية التي لها جالية مسلمة بفرنسا،وأضافت لوموند ان هذا المجلس يضم جيل الهجرة المرتبط بالبلد الأصلي ويغيب عنه هؤلاء الشباب.بعض هذا الصحف أضاف ان هذا المجلس ليس له أي تأثير على مسلمي فرنسا خاصة الشباب. وان ظواهر التطرف والالتحاق ببؤر التوتر بالعراق،سوريا تتم من خلال الاستقطاب عبر الشبكات الانترنيت وان المساجد ليس لها أي تأثير سواء في استقطاب الشباب أو نصحهم بعدم الالتحاق بهذه الجماعات المسلحة.
استقطاب الشباب الفرنسي سواء من أصول مسلمة او الفرنسيون الذي التحقوا بالإسلام والهجومات التي تعرضت لها فرنسا وأودت بحياة العشرات سواء بباريس او نيس هو الذي جعل الحكومة الفرنسية تهتم عن قرب بهذا الملف أي تنظيم الإسلام بفرنسا وإعادة فتح هذا الورش من جديد..
وهو ما جعل الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون يصرح ان تنظيم الإسلام بفرنسا سيكون هذه السنة احد الاوراش الأساسية وهو احد أهم وأقدم القضايا العالقة بفرنسا بما يطرحه ذلك من تعقيدات، مرتبطة بهذه الديانة وكذلك لانتماء مسلمي فرنسا الى أصول وبلدان مختلفة،و أحيانا متنافسة تضاف اليها بلدان خليجية وإسلامية ليست لها جالية بفرنسا لكنها تريد التأثير على الإسلام بهذا البلد من خلال التمويل بالأساس.و التعقيدات الجيو استراتيجية المرتبطة بهذه الديانة وذلك جراء الحرب الأهلية بسوريا ووضع أللاستقرار بالعراق ولبنان والحرب ياليمن والتجاذب السعودي الايراني من اجل التأثير في منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد نفوذ طهران بالمنطقة من خلال التأثير في القرار سواء ببغداد،دمشق،بيروت والحرب ياليمن وإذكاء التوتر بالبحرين.والوضع اللاستقرار بمنطقة الساحل الافريقي كلها عوامل تجعل الاهتمام بالإسلام بفرنسا يتم على أعلى مستوى لما اصبح للإسلام من تأثير كبير على الوضع الداخلي بباريس بفعل هذا التشابك مع باقي بلدان العالم الإسلامي.
.من اجل تنظيم فعال هناك عدد من الاقتراحات قدمت لرئيس الفرنسي منها مثلا مراجعة قانون 1905 في الفصل بين الدين والدولة الذي لا يسمح بتدخل الدولة كما هو الوضع اليوم، من اجل المساهمة في تنظيم الدولة للحقل الديني، وهو اصلاح ليس سهلا وربما يجد الرئيس صعوبة في الحصول على اغلبية لتحقيق ذلك.
وفي تصريحاته للاعلام قال ايمانييل ماكرون انه سوف يقوم باستشارات كبرى في هذا المجال وذلك في افق تنظيم هذه الديانة في الجزء الأول من سنة 2018.ويبدو ان رغبة الرئيس الجديدة هي تنظيم الاسلام بطريقة جديدة على خلاف ما كان سابقا، هذا التجديد الذي يرغب فيه الرئيس الفرنسي برز من خلال عدم استدعائه لدليل بوبكر عميد مسجد باريس بمناسبة تقديم تهاني نهاي السنة الى ممثلي الديانات بفرنسا، وهو ما دفع جمعية مسجد باريس الى مقاطعة كل أنشطة المجلس الفرنسي لديانة إسلامية كرد فعل على قرار الاليزيه، وهي إشارة رغبة من الاليزيه أيضا الى الدفع بجيل جديد من مسلمي فرنسا خاصة لدى الشباب الذين ازدادوا ودرسوا بفرنسا.
وبقدر ما يحرص ماكرون على تنظيم اسلام الفرنسي بوجوه جديدة فهو في نفس الوقت يهاجم ايضا اللائكية المتطرفة التي جعلت من الإسلام والمسلمين هدفها الأول من خلال الخلط بين الإسلام والأيديولوجية السياسية للحركات الاسلاموية.
الإسلام بفرنسا اليوم له وضع جديد اذا لم يعد ديانة اجنبية، او الإسلام في فرنسا بل اصبح ديانة محلية نظرا للحجم الذي اصبح يشكله المسلمون بهذا البلد.حسب الاحصائيات المتوفرة اليوم 51 في المائة من المسلمين ازدادوا بفرنسا وثلاثة الأرباع منهم لهم الجنسية.
الهجوم الذي يتعرض له الإسلام بفرنسا سواء من طرف مثقفي اليمين المحافظين مثل فنكيل كروت واريك زمور او من اقصى اليسار المتطرف مثل ما تقوم به كارولين فوريست. هو ما يطرح صعوبة في النقاش الذي يقسم الساحة الثقافية والفكرية الى طرفين دون غيرهما حسب حكيم الكروي،" هناك من جهة الذين يسمون "الإسلاميين اليساريين" الذي يعتبرون ان المسلمين ضحايا يجب حمايتهم ومن جهة أخرى اللائكية المتطرفين والذي يلعبون لعبة الراديكالية." في اقصى حدودها ويساهمون في اذكاء التوتر.
حكيم القروي احد المشتغلين على قضايا الإسلام يرى ان " النموذج الفرنسي في الاندماج هو نموذج عنيف لقمع الأغلبية للأقلية وينتج كراهية كبيرة ومستوى من الميز جد مرتفع ولكنه في نفس الوقت النموذج الذي يوجد به اكبر عدد من الزواج المختلط بالغرب الأوربي ودينامية قوية للاختلاط في السكان،". لكن هذا النموذج الفرنسي بدأ يصل الى الباب المسدود، ويبز عجزه عن تقبل الأقلية المسلمة بثقافتها المختلفة. رغم ان مسلمي هذا البلد مندمجون في مؤسساته وفي المجتمع .
تنظيم الإسلام الذي عرف عددا من الصعوبات مند انطلاقه مع وزير الداخلية في حكومة جوسبان جون بيير شوفينمان مازال يعيش عددا من الصعوبات، أهمها اعتماده الكامل على التمويل الخارجي مما يجعل منه اسلاما في فرنسا بدل اسلام فرنسي. التنظيم بشكل الحالي لا يضع مكانا لنساء و الشباب الذين ازدادوا ودرسوا بفرنسا. لهذا لا بد من مؤسسات تنظيم الإسلام تهتم بالوضع الداخلي وتدمج اكبر عدد في تمثيلية هذا الإسلام، لكن في نفس الوقت لا يمكن لهذا اسلام الفرنسي ان ينقطع عن اصله ومحيطه، أي عدم القطيعة مع بلدان ينتمي لها اغلب هؤلاء المهاجرين خاصة التي لها تقاليد وخبرة طويلة في مجال التنظيم الديني وفي نشر اسلام وسيطي بالمنطقة وبالعالم .
عزل الإسلام الفرنسي عن محيطه الجغرافي القريب وعن انتماءاته يمكن ان يؤدي الى افشال التجربة الجديدة التي يريدها الرئيس الفرنسي مند وصوله إلى قصر الاليزي.التراشق الكلامي عبر الاعلام الذي تم بين قصر الاليزي وبين رئيس المجلس الفرنسي لديانة الإسلامية هو اصطدام لا يبشر بخير، ويمكن ان يدخل تنظيم الإسلام من جديد في أزمة طويلة اذا تجاهلت السلطات الفرنسية الاعتبارات المحلية والخارجية في تنظم هذه الديانة بفرنسا بل الاعتبارات التاريخية منذ ان تم افتتاح مسجد باريس سنة 1926 من طرف رئيس الجمهورية غاسطون دومارغ وسلطان المغرب مولاي يوسف ابن الحسن اعترافا من الجمهورية ومن جيوشها بسقوط دماء مسلمة بعشرات الآلاف من اجل الدفاع عن فرنسا أمام الزحف الألماني الكاسح أثناء الحرب العالمية الأولى... وهو ما يعكس العلاقة المعقدة والطويلة بين فرنسا والإسلام.