الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الفنان فتاح النكَادي.. سيرة قاهر للظلام بنبراس الحس الإبداعي

الفنان فتاح النكَادي.. سيرة قاهر للظلام بنبراس الحس الإبداعي الفنان فتاح النكَادي

هي سيرة فتى فقير من مدينة مكناس، حرمته لحظة لعب طفولي نور البصر، لكنه عرف كيف يتجاوز محنة ما فقد، واستعاض عن ذلك بالذكاء السمعي والحس الذوقي. فتفوق في الكُتاب والمدرسة وأيضا على مقاعد المعاهد الموسيقية. أما اليوم، فإسمه يغني عن مزيد الاستغراق في التعريف به، فقط لأنه الفنان المتعدد المواهب فتاح النكَادي. الذي كان لكلية بنمسيك في مدينة الدار البيضاء، يوم الخميس 22 فبراير 2018، حسنة دعوته كشخصية رئيسية للقائها الشهري المعنون بشعار "الفن والجامعة".

وكعادة المناسبات التي تؤطرها كلية بنمسيك في مثل هذه اللقاءات، فرغت مجالسة فتاح النكَادي للطلبة من أي تكلف أو تعيين خطوط محددة، مما فتح المجال أمام طرق نقاط جوهرية وبعضها محرج وإن لم يحسبه الضيف كذلك بفعل رحابة تلقائيته. وتأسيسا على هذه الأخيرة، انطلق وبدون مقدمات من أيام الطفولة التي لم يقض منها سوى نحو خمس سنوات مبصرا، أي تلك التي سبقت لحظة تلقيه ضربة "جبّاد" في عينيه من صبي بالحي وهما في نشوة اللعب. ساعتها حلت وبلا استئذان المرحلة الفاصلة في حياة فناننا، وإصرار والده المتشدد نوعا ما على أن الحل النسبي لن يكون إلا من داخل الكُتاب. وذلك ما حصل لفترة من الزمن حاول خلالها النكَادي وبكل ما أوتي من مناعة فطرية التأقلم ووضعه الجديد.

من منح هبة إسعاد الناس لا يكون حتما مشوار حياته سعيدا

وهو يكابد ما لم يكن في حسبانه، لم يكن أيضا يدري ما ينسجه له القدر من ترتيبات كان بطلها هذه المرة خاله الكفيف والأستاذ بأحد المدارس المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة، الذي عمل على تحويل وجهته من عند الفقيه إلى المؤسسة. وهناك أقبل على ظروف كان أرحمها قاس حتى أنه وبعد مرور كل هذه المدة لم ينس يومها الأول، وكيف تسلم قطعة خبز من غير أن يعلموه أنه وعقب ساعات سيأتونه بالطعام، لذلك التهم ذلك "الخبر الحافي"، وحين ناولوه الوجبة احتار في كيفية التعامل معها منفردة. لكن، ومن حسن الحظ كانت النهاية لتلك المصاعب بالانتقال إلى مدينة الدار البيضاء، حيث الوضع أفضل من سابقه، خاصة مع وجود معشوقته "الآلة الموسيقية"، وبها تسلح لمواصلة تحصيله العلمي، فتقوت شخصيته أكثر باقتناع كون من منح هبة إسعاد الناس لا تكون حتما بداية مشواره سعيدة.

روعة الصمود حين ينتظر منك المتربصون الإنهيار

صمود الفنان فتاح النكَادي وقهره لمعيقات خطوات البداية، شهدت عليها ملامح وجهه الواثقة من إمكانياته وهو يروض آلة "الأورغ" من حين لآخر أمام الحضور. ولو أن ليس في الموضوع غرابة من منطلق تدرجه بمختلف مراحل التكوين الموسيقى إلى أن صار أستاذا يتتلمذ على يده الآلاف من الطلبة سواء بمعهد سيدي بليوط أو المركب الثقافي الوطني مولاي رشيد أو المعهد الموسيقي "كمال الزبدي"، وقبل ذلك قضائه لست سنوات في ضيافة ساكنة مدينة بني ملال وأبنائها الطلبة.

ولأن عطاء التعليم لا يوازيه سوى ملكة القدرة على ترك إرث شخصي وبصمة بأثر، اقتحم هذا الفنان عالم التأليف الموسيقي، بل أبحر في مكنوناته إلى أن تفجرت معها الكثير من إبداعاته، وإن كانت الموسيقى التصويرية لمسلسل "وجع التراب" المُوقع باسم المخرج شفيق السحيمي، الأشهر لدى الجمهور المغربي، والواجهة التي عرفت أكثر بفتاح. هذا طبعا إلى جانب أدائه لدور الملحن الراحل عبد السلام عامر في شريط "القمر الأحمر" للمخرج حسن بنجلون. وهو التشخيص الذي سارع، كما يقول النكَادي، إلى محاكاة واقعه نظرا لتشابه مسار الفنانين، وتحديدا على مستوى المعارك التي خاضاها في مواجهة العديد من الصعاب ومقاومة من حاربوا كفاحهما الإبداعي بشتى وسائل الفرملة. إنما طاش سهمهم.

انتِ عكازي.. انتِ ضوء عيني.. كنبغيك أبشرى مراتي

لم يكن لأركان حديث الفنان فتاح النكَادي عن أبرز محطاته مسيرته أن تكتمل دون التعريج على ذكر اسم زوجته بشرى مستقيم. هذه المرأة التي تنهد تنهيدة "وحشني وانت قصاد عيني" قبل أن يقول في حقها: "هي عكازي، هي ضوئي. كنموت عليك أ بشرى..". عبارة، ولو أن كلماتها مختصرة ومعدودة، إلا أنها تحمل ما لا نهاية من التفاسير التي لا تخرج عن نطاق قدسية الحب الذي يكنه لشريكة حياته، وفضيلة الإعتراف بقيمة وجودها في الركن الفوار من عشق قلبه.