الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: هل يلعب بالنار؟!.. "مسيرة" جمهوريي الحراك ببروكسيل تسائل  ناصر الزفزافي!

محمد المرابط: هل يلعب بالنار؟!.. "مسيرة" جمهوريي الحراك ببروكسيل تسائل  ناصر الزفزافي! محمد المرابط

استوقفني في تغطية أحد المواقع الالكترونية لجلسة فاتح مارس 2018 لمحاكمة ناصر الزفزافي، أنه "وجه التحية للمحتجين الذين خرجوا في مسيرة يوم الأربعاء في بروكسيل ،معتبرا أنها جاءت كرد على الآذان الصماء للحكومة، التي لم تستطع الاستجابة لمطالب الحراك". ولا شك أن هذه "التحية" بتبريراتها ومضمراتها تستدعي وقفة خاصة. وهنا لا بد من التذكير بما يلي:

نظمت البرلمانية عن حزب العمل الهولندي، كاتي بيري من أصل كردي، ندوة حول حراك الريف بالبرلمان الأوروبي  في بروكسيل 28 فبراير 2018، وفرت لحضورها وسائل النقل (وسط أنباء لم يتم تمحيصها ،عن يد لسعيد شعو في ذلك). وبالفعل كانت مواكبة الندوة بشكل غير مسبوق.

وتأتي هذه الندوة في دلالة السياق، كتسوية مع جمهوريي الحراك، حيث كان يعتزم هؤلاء تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان الأوروبي في 10 فبراير 2018 بدعوى تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع المغرب، في حين رفضها ديموقراطيو الحراك لاعتبارات منهحية وسياسية، فطلبت كاتي بيري من الجمهوريين التأجيل/الإلغاء، وأخبرتهم بهذه الندوة، مع تأكيد الحضور بكثافة .

بعدها سيختلف حراكيو أوروبا، في شأن الشكل النضالي لتخليد هذا الحدث خارج مقر الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي دعا فيه الجمهوريون إلى تنظيم مسيرة تنتهي عند هذا المقر، دعا الديموقراطيون الى تنظيم وقفة أمامه. وبعد لقاءات ومناشدات، تم الاتفاق على أن تسبق "المسيرة"، "الوقفة" زمانيا، لتنتهي عند نقطة الوقفة. وعند هذه النقطة كانت الكلمات، ومنها كلمة الزفزافي الأب (اعزي أحمد)، والأستاذ عبد الصادق البوشتاوي.

قد تظهر  من خلال هذا السرد، ملامح المعنى لتحية ناصر الزفزافي للذين خرجوا في "مسيرة" بروكسيل على وجه التعيين. وما أظن أن ناصر تشابه عليه الفرق بين المسيرة والوقفة هناك والخلفيات الناظمة لذلك. ولإدراك المعنى أكثر سأقف على جوهر تدخل كل من اعزي أحمد باسم المعتقلين وعائلاتهم، والأستاذ البوشتاوي.

لقد نقل اعزي أحمد في كلمته رسالة المعتقلين لريفيي المهجر، بالوحدة والالتزام بمرجعية مطالب الحراك وقيادته، و"أن جميع من لا ينضبط لقرارات وضوابط وثوابت الحراك الشعبي بالريف، فهو لا ينتمي إليه (..) الذين ينضبطون لقرارات الحراك الشعبي المنبثق عن الريف، فهؤلاء إخواننا. أما إذا كانت هناك مسألة أخرى يريدون الوصول إليها، فمرحبا بهم، لكن بلا ادعاء الانتماء لحراك الريف". وأضاف وهو يبلغ هذه الرسالة الواضحة، التي تستجيب لما سبق أن طالبت به ناصر من ضرورة التبرؤ من عدميي الحراك بأوروبا: "ومن أراد أن يخونني فله ذلك (..) أنتم ما تبقى من رأس المال، أما رأسمالنا في الريف فقد أكلناه (..) الحل يجب أن يكون سياسيا، ولكي يكون كذلك، يجب أن نكون في المستوى".

 الأستاذ البوشتاوي أكد من جهته، على ما قاله اعزي أحمد، والمعتقلون من أنه "يجب عليكم المحافظة على الوحدة، يجب أن تتوحدوا، يجب أن تقفوا عند سقف الحراك (..) للإفراج عن المعتقلين وتحقيق المطالب".

 إن قوة إشارات الكلمتين، كانت لها تداعيات لصالح أفق ترشيد الحراك بأوروبا. وهذا التوجه أربك قطعا حسابات الجمهوريين. فهل يمكن اعتبار تحية ناصر الزفزافي لمسيرة بروكسيل رسالة مرموزة لجمهوريي أوروبا الذين لم يرقهم كلام الزفزافي الأب والبوشتاوي؟. وإذا صح نقل خبر تحية الزفزافي لـ "مسيرة" بروكسيل على وجه التحديد، فإن تلك "التحية" لن تأخذ إلا دلالة السياق الذي بسطناه. وبهذا يكون ناصر يلعب بالنار من عدة وجوه؛ أولها أن الحراك بأوروبا من الموقع الجمهوري، له خريطته لتجاوز الحراك بالداخل بمطالبه وقيادته. لذلك اعتبر أن رهان الزفزافي الابن على الخارج -وهو ينطوي على العديد من المخاطر- قد يكون مفيدا لإنجاز صفقة مع المخزن، ولكن ليس لإنجاز تعاقدات مع الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وجبر الضرر بالريف. وأربأ بناصر -وقد سرنا سابقا تأكيده على مفهوم الوطن، وتعاطفه الإنساني مع الوضع الصحي لعاهل البلاد- أن يكون في موقع ابتزاز الدولة. وبهذا الاعتبار فهو مطالب بتوضيح طبيعة تحيته، من منطلق مسؤولية الالتزام، حتى لا يجد نفسه في موقع اللعب على الحبال، وهذا حفاظا على مصداقيته، وإلا ستكون الرسالة التي حملها اعزي أحمد ،هي رسالة المعتقلين باستثناء ناصر.

لا شك أن مسيرة بروكسيل تعبر بخلفيتها عن منعطف في أوروبا لصالح الجمهوريين، قد يأخذ مع الوقت زخمه التنظيمي بالشكل الذي يخطط له هؤلاء، بصرف النظر عن قناعات من حضرها. لكن الفيزياء السياسية تجعل بناء مركز ثقل الحراك في الداخل أولوية. لذلك فالرهان على الخارج في ظل تغييب كل إمكانية لنحت جبهة داخلية لإيجاد مخرج متوافق عليه لمدخلات الحراك ومخرجاته، لن يزيد إلا في تعقيد ملف الحراك. من هنا فتركيز اعزي أحمد على الخارج -باعتباره الرأسمال المتبقى، وغيابه عن حضور ندوة "الحراك وسؤال الديموقراطية وحقوق الانسان"، التي نظمها منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بطنجة- غير مستساغ في تقديري، بالنظر إلى أن مفردات الحل يجب أن نتهجاها ونخطها بشكل جماعي هنا في الداخل، من منطلق تكامل المجتمع والدولة.