الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

أديب السلاوي:ما زالت ثقافة المخزن جاثمة على واقعنا الفكري والسياسي والاجتماعي..!!

أديب السلاوي:ما زالت ثقافة المخزن جاثمة على واقعنا الفكري والسياسي والاجتماعي..!! الباحث محمد أديب السلاوي

في هذا الحوار، يقدم الباحث المعروف، محمد أديب السلاوي، رؤيته لثقافة المخزن وأشكال تمظهراتها في الواقع. كما يعبر عن رأيه بخصوص التداخل الحاصل بين المثقف والسياسي وتجليات الخطاب الثقافي السائد الآن.
- ماهي قراءتك النقدية لشكل ومضمون الخطاب الثقافي السائد في المغرب ؟ وهل هو خطاب ينتصر لتحول مستقبلي،أم يتمترس خلف ما هو ثابت ومعمم ؟
- عندما نسعى إلى قراءة الخطاب الثقافي في المغرب الراهن، تذهب بنا هذه القراءة إلى قضايا الديمقراطية، والحداثة وحقوق الإنسان، ومن ثمة نجد أنفسنا أمام أسئلة في منتهى العصيان.
إن قراءتنا لشكل ومضمون الخطاب الثقافي، تضعنا أمام إشكال العلاقة بين الثقافة والسياسة، من حيث أنها علاقة بين نمطين متقاربين ومتباعدين من ممارسة الوجود الاجتماعي / يتقاطعان ويتمايزان عن بعضهما في نفس الآن.
من هذه الزاوية، نجد الخطاب الثقافي يركز نفسه على المجتمع الديمقراطي الممكن، الذي يتأسس على الثقة في قدرات المواطن على إحراز المزيد من التقدم والتطور / الذي يتأسس على الفصل بين الدين والسياسة، والذي يرى الدين شأنا شخصيا لا شأن له مع الدولة الديمقراطية التي تقوم على الحق في حرية الرأي وحرية المعتقد.
إن المجتمع الديمقراطي الذي نتطلع إليه، هو مجتمع يقوم على مركزية دور المثقف، وما يتميز به الخطاب الثقافي من صراحة وصرامة وعقلانية وتقديس للحرية، تلك هي مفاتيح وقيم التحول المستقبلي الذي نطمح إليه.
ولا بد من الإشارة هنا إلى إشكالية تتعلق بقدرة المثقفين المغاربة على البوح بالخطاب النقدي المطلوب للأوضاع الثقافية / الاجتماعية / السياسية الراهنة.
هل نستطيع مراقبة مكوناتنا الثقافية بفكر نقدي / هل نستطيع مواجهة هذه المكونات بوضوح وصراحة وحرية.
إن الأمر في نظري يتطلب جيلا جديدا، قادرا على البوح والمواجهة والمصارحة، لا يخاف الحقيقة كما لا يخاف التصادم معها.

- ثمة علائق وطيدة بين الثقافي والسياسي تتراوح بين الالتباس والوضوح، في رأيك هل تمكن المثقف المغربي من ربح رهان جعل هذه العلائق في إطار التفاعل لا في مدار التبعية ؟
- لا بأس هنا، أن نتساءل بداية، عن علاقة الثقافة بالسياسة.
ماهي علاقة شجرة القيم و"الثقافة" بالشجرة الملعونة "السياسة" ؟
في نظر العديد من المفكرين " أن الثقافة السياسية كانت وما تزال هي نتاج فشل الخبرة التاريخية، وأن الإصلاح الثقافي يرتبط دائما وباستمرار بنجاح التجربة السياسية ".
من هنا، تبدو العلائق بين الثقافي والسياسي وطيدة، تتراوح كما جاء في سؤالكم بين الالتباس والوضوح.
وبالنظر إلى واقعنا المغربي، يجب التأكيد أننا لا نعاني أية مشكلة في الثقافة، لنا تراثنا العتيق، ولنا نظرتنا إلى الحداثة والحضارة والمستقبلية،ولكننا نعاني من غياب سياسة ثقافية، توظف التراث ونظرتنا إلى الحداثة، وهو ما يشكل العائق الأول في التنمية والإصلاح السياسي وما يرتبط بهما.
إن غياب سياسة ثقافية، يعني غياب إنتاج حالة ثقافية صحية قادرة على مواجهة الأمراض السياسية المهيمنة على الساحة / بعد غياب ثقافة قوية قادرة على مواجهة استبداد السلطة.
إن القطاع الحكومي، لا يعطي الاهتمام الأكيد للثقافة / لا يعطيها ما تستحقه من فاعلية / لا يوظفها في بناء التنمية المستدامة / لا يوظفها في بناء الإنسان وعقله الحضاري.
هنا تتجسد ظاهرة الخلاف في المواقف على حساب المبادئ، إذ يعمل القطاع الثقافي الحكومي، على إعدام أي تقاطع بين الثقافة والواقع / بين المثقف ومجتمعه / بين المثقف والسياسي، وهو ما يبعدنا عن المعايشة مع هذا القطاع الذي يسير بعيدا عن السياسة وعن المنهج المطلوب.
من هنا يكون النظر إلى المثقف بعين السياسي في كونه مشاغبا، فوضويا، يختزل الأزمات، ويزيح الغطاء عن المشاريع التي تسعى السياسة إلى تمريرها باسم السلطة أحيانا، وباسم الإصلاح أحيانا أخرى.. ومن هنا أيضا تبدأ القطيعة الفعلية بين المثقف والسياسي، تلك القطيعة التي ما زالت حية، فاعلة ومفتعلة على مرأى ومسمع من وزارة الثقافة.

- باستثناءات قليلة، يتبدى المشهد الثقافي المغربي الراهن مفتقرا إلى السؤال النقدي العميق، ومجترا لمقولات جاهزة لا تساهم في تأسيس وعي فكري ثري.
إلى أي حد يبدو لك هذا الطرح صحيحا ؟

- الحقيقة التي تبدو واضحة للعيان، أن المشهد الثقافي في المغرب الراهن، لا يبدو مفتقرا إلى السؤال النقدي المساهم في تأسيس وعي فكري.
إن المشهد الثقافي اليوم، عن طريق المسرح والتشكيل والموسيقى وعن طريق الآداب والعلوم الإنسانية، يطرح الأسئلة الجديدة، بتقنيات جديدة، بالأدوات التي يفرضها الزمن الراهن / زمن الألفية الثالثة، وبالمفاهيم الثقافية / الفكرية / الإبداعية، التي تتلاقى وتترابط مع الزمن المغربي الراهن واشكالياته المختلفة.
وقد استدعت هذه الحالة من الفاعلين / المثقفين والمبدعين، إعادة النظر في الأساليب والمصطلحات المتصلة بالمثقف وبالثقافة، وهو ما أعطى السؤال النقدي صيغا جديدة، جعل خطاب المثقف المغربي يمتلك سلطة الحقيقة بارتكازه على الأفكار والمعلومات والقيم والمواقف / وأحيانا بارتكازه على الايدولوجيا، وهو ما أعطى السؤال النقدي موقعه وحضوره الدائم بالمشهد الثقافي.

- كيف تقيم التحولات السياسية التي طالت أنساق الوضع الاجتماعي المغربي، خلال العشرية الأخيرة، انطلاقا من تفاعلك الثقافي والفكري مع معالمها الكبرى ؟
- بعد " رجة الربيع العربي" برزت أسئلة عديدة، في المشهد الإعلامي / السياسي / الثقافي، حول تحقيق حلم الحرية والديمقراطية ودولة المؤسسات / دولة الحق والقانون...
في ذات الوقت برزت على هذا المشهد أسئلة أخرى حول الإصلاح والقضاء على مبدأ الفردية في الحكم / القضاء على نهب المال العام الذي يقدر بعشرات الملايير على حساب فقر الغالبية العظمى من المواطنين، وارتفاع وتيرة البؤس والتهميش.
وليس بعيدا عن "رجة الربيع العربي" شهد الفضاء السياسي تحولات هامة، بشرت بالإصلاح، منها تشكيل حكومة التناوب / تغيير الدستور / إشراك أحزاب المعارضة في دفة السلطة.
وقد شكلت هذه الأحداث قبل مولد الربيع العربي نقاشات سياسية وأكاديمية عميقة، وهو ما جعل المواطن العادي يعلق آمالا عريضة على الأحزاب لتحقيق أحلامه في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
ولابد من الاعتراف هنا أن المغرب حقق العديد من المكاسب خلال هذه الفترة، في مجالات الحريات العامة وحقوق الإنسان، وهو ما أثر على المشهد السياسي العام رغم الأمراض التي ظلت الأحزاب تعاني منها بسبب ضعف الديمقراطية الداخلية للاحزاب السياسية، واستبداد الزعامات التقليدية والغموض الإيديولوجي، وضعف البرامج السياسية، وهو ما أدى إلى انتكاسة كل الإصلاحات التي جاءت بعد حكومة التناوب، وأحكام العهد الجديد / عهد محمد السادس.
مع الأسف الشديد، بعد فترة وجيزة من "الرجة"، اتضح أن كل شيء ما زال في موقعه، ولاشيء تغير في الممارسة السياسية، الفساد يمتد على الرقعتين الإدارية والاقتصادية / الانتخابات تغرق في صناديق الفساد / الفقر يزداد توسعا على الرقعة الاجتماعية / التعليم والصحة والشغل ما زالت هي المشاكل القاتلة لأحلام الشعب.../ والنخبة السياسية لم تستطع الدفع في اتجاه أي تغيير للمشهد الاجتماعي، وهو ما أدى إلى ضعف العمل المؤسساتي الذي كان يشكل لبنة أساسية لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود.
إن أوضاع المغرب الراهن، بكل التراكمات التي حملتها الأحداث السياسية خلال العشرية الأخيرة، تؤكد أن التحول الديمقراطي والإصلاحات السياسية / الاقتصادية / الاجتماعية المنشودة، ما زالت تتطلب ثقافة ديمقراطية، تكون متجلية في ممارسة السلطة، كما في الممارسة اليومية للمواطن.الديمقراطية لا يمكن أن تكون في مجتمع تسود فيه الأمية والفساد والفوضى.
والديمقراطية قبل أن تكون قناعات، هي مبادئ وأفكار علينا مجتمع وسلطة، الاقتناع بها قبل تطبيقها، وهو شيء لا يمكن تحقيقه إلا بالتعليم والممارسة اليومية داخل هياكل الأحزاب وهياكل الحكومة، وهياكل المجتمع.

- كتبت كثيرا عن "ثقافة المخزن" في شتى تمظهراتها داخل النسق الاجتماعي والسياسي المغربي .
هل ما زالت "ثقافة المخزن" تطال الوعي المغربي، وتلقي بكل ظلالها على واقعنا الفكري ؟

- السلطة في المغرب، استمدت وجودها منذ قرون طويلة من "المخزن" أي من دولة السلطان / من سلطاته الممنوحة ومن نفوذه وتراثه، إذ تخضع كل السلطات والقوانين إلى نفوذ المخزن المباشر.
هكذا أصبحت السلطة في المغرب، تنطبع منذ زمن طويل بثقافة دولة المخزن ومفاهيمها، وحتى في الزمن الذي تصادمت فيه هذه الثقافة مع الضغوطات الدولية من أجل تحديث السلطة وتحقيق حد ادني من الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات خاصة بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، واجهت سلطة المخزن / ثقافة المخزن الأمر بحدة من اجل بقائها على السيادة، وصنعت ديمقراطية على المقاس، وصممت حكومات وبرلمانات تستجيب لهذه الثقافة وتخضع لأنظمتها بدقة.
بعد إعلان الملك محمد السادس سنة 1999 عن ضرورة إعطاء مف

هوم جديد للسلطة وفق ما تقتضيه دولة الحق والقانون، ظهرت جملة من المؤثرات تدفع في اتجاه الاعتقاد بأن البناء التقليدي للمخزن سيخضع لعملية إعادة هيكلة تحديثية في مغرب العهد الجديد، وخاصة بعدما برزت لغة سياسية حداثية على مستوى الخطاب الملكي الجديد، وطهرت معه مفاهيم جديدة للتداول على السلطة وفصل السلط على محاور هذا الخطاب.
ولكن هل اختفت ثقافة المخزن...؟
مع شديد الأسف، كل الإشارات التي جاءت لتلميع المفهوم الجديد للسلطة، أو لتحديث ثقافة المخزن، لم تؤدي النتيجة المرجوة، وهو ما يعني بقاء هذه الثقافة / ثقافة المخزن، جاثمة على واقعنا الفكري / واقعنا السياسي / واقعنا الاجتماعي.
أفلا تنظرون...؟

- كيف قرأت حالة صعود التيار الإسلامي إلى سدة الحكم في المغرب ؟
ما هو رأيك كمثقف فاعل في المجتمع، في أداء وحصيلة هذا التيار على مختلف الأصعدة ؟

- عندما أعلن عن صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وتعيين عبد الالاه بنكيران على رأس الحكومة، كان السؤال الذي يسيطر على العقل السياسي المغربي هو : هل يستطيع هذا الحزب الذي رفع شعارات إسلامية ساخنة في حملته الانتخابية، التعبير عن جوهر الإسلام الذي جاء به القرآن الكريم...؟ وهل يستطيع تحقيق أحلام الجماهير في الديمقراطية بعد نتائج صناديق الاقتراع، أصبحت الفرصة متاحة لهذا الحزب لاختيار برامجه ولبناء مشروعه المتكامل وفق المقام الإسلامي ورؤاه، كما أصبحت الأبواب مفتوحة أمامه للتصالح مع التيارات العلمانية، والفكر الحداثي وأسلمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنتاج المفاهيم الفكرية القائمة على مبادئ الإسلام، كما أصبحت الفرصة سانحة له لتنفيذ ما واعد به في حملته الانتخابية، وخاصة في مجالات الإصلاح والبناء الديمقراطي.
ولكن أداء هذا الحزب كان مخيبا للآمال، إذ سرعان ما تحول من حزب في المعارضة إلى سلطة حاكمة / مهيمنة، تعمل على مواجهة المعارضة والمعارضين، وتضرب عرض الحائط بمفاهيم الحرية والمواطنة والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات التي استعملتها للصعود إلى السلطة.
يعني ذلك باختصار، أن وصوله إلى السلطة، لم يؤهله لا لوضع المجتمع على سكة السلامة، أو تنفيذ تعاليم الإسلام على قيم السلطة.
يعني ذلك أيضا، أن الإسلام السياسي الذي يمثله هذا الحزب قام رغما عنه وهو في السلطة الحكومية بالخلط بين الإسلام الذي هو منزل من عند الله وبين السلطة المخزنية التي هي إنتاجا بشريا واضحا في شكله ومضمونه.
ولأنه كان يسعى منذ البداية إلى حرق المراحل، تخلى بسرعة عن مطالب كثيرة، كانت تمثل حجر الزاوية في مشروعه السياسي، وهو ما ألحق به أضرارا فادحة، ستظهر نتائجها خلال السنوات القليلة القادمة.
في واقع الأمر، أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، قد وضعه أمام امتحان صعب، لاختيار مدى أهليته للحكم وللسلطة، وقدرته على إدارة شؤون الدولة والمجتمع.
لذلك، يمكن للباحث في هذا الشأن، أن يخرج بنتيجة واحدة، وهي أن العلاقة بين الدين والسياسة التي حاول حزب العدالة والتنمية بلورتها على أرض هي علاقة قد تكون مستحيلة، سواء كان هذا الحزب صادقا في نضاله وإيديولوجيته، أو فاعلا سياسيا من أجل وصوله إلى السلطة تحت مظلة الإسلام السياسي، لا غير.
وتلك هي الإشكالية التي يغمض عيونه عنها.