الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

سعيد الشفاج: "عشق الأميرات" انتصار للمرأة المغربية خارج الصالونات المخملية..

سعيد الشفاج: "عشق الأميرات" انتصار للمرأة المغربية خارج الصالونات المخملية.. سعيد الشفاج وغلاف روايته "عشق الأميرات"

من يعرف الكاتب سعيد الشفاج عن قرب، يعلم أنه مهووس بالكتابة، يتنفس الحروف ويقرأ ويكتب بشغف.. متتبع وفي للأنشطة الفنية والثقافية، يُشارك وينخرطُ فيها بتطوع ودون الرغبة في الظهور من أجل الظهور، أو السعي نحو (الاسترزاق).. محاور لبق، يجيد التواصل.. قد يظن بعض المتعاملين معه، أن صمته خجل أو احتراز، لكنه صمت مقصود، غايته رصد ما يقع من حوله، والتمعن في طباع ومواقف الناس وتجميع المعلومات والتأكد منها وتحليلها قبل الحديث أو الكتابة. بعد عدة مساهمات وكتابات في النقد الفني والأدبي والتربوي بمجموعة من المجلات والصحف المغربية والعربية. وبعد تأليفه لـ "ديوان مقامات" وأول رواية له "درب المعاكَيز"، يعود هذه السنة لإصدار روايته الثانية "عشق الأميرات"..

"أنفاس بريس" التقت بالكاتب سعيد الشفاج، وكان معه هذا الحوار:

+ بعد روايتك "درب لمعاكيز"، أصدرت هذه السنة رواية "عشق الأميرات".. هل تجارة الكتب مربحة لدرجة أنك أصدرت رواية ثانية في مدة قصيرة!؟

- لا توجد أصلا تجارة كتب في المغرب، لأنه بلد ضعيف على مستوى تداول الكتاب ونشره مقارنة مع بعض الدول العربية. ربما ينتفع الناشر من عائدات الكتاب إلى حد ما، أما الكاتب فسيموت جوعا لو فكر في جعل الكتابة حرفة له. من جهة أخرى جل إصداراتنا بائسة ولا تغري بالقراءة وتبقى مهملة في الخزانات والمكاتب والأكشاك والجامعات، ومن يشتري لك هم بعض الأصدقاء والمثقفين القلائل جدا. الكاتب المغربي يستغرق جهدا كبيرا في تجريب اللغة، بعيدا عن تطلعات القراء، والإعلام يوسع الهوة. حتى الأساتذة الجامعيون جل مؤلفاتهم لا يقرأها إلا الطلبة تحت الطلب. شخصيا لا أهتم بالجانب المادي أكثر، لأن هذا الأمر يجب أن يكون خاضعا لقوانين وشروط معينة توفرها الدولة وتحرص على تطبيقها وزارة الثقافة. ما يهمني أكثر هو أن أكتب لا غير، ولا أنتظر مزايدة أحد.

خلال صدور رواية "درب المعاكيز" قالت لي امرأة أربعينية: لقد أعدتني للقراءة من جديد. هذا ما أراهن عليه..

+ روايتك الأولى "درب لمعاكيز" عبارة عن سيرة ذاتية .. حدثنا عن نوعية وتيمات "عشق الأميرات"؟

- "عشق الأميرات" عمل حكائي يعتبر تحديا لي، وأعتبر هذه الرواية مفاجأة للقارئ المغربي والعربي. حاولت أن أجمع بين الحكاية والتجريب اللغوي.. لقد تطرقت في صفحاتها لمواضيع حساسة ذات طابع مصيري، كمفهوم الإرهاب والسلطة والخرافات والتحولات الكبرى في الحياة، داخل الأحياء الشعبية التي فقدت فيها مفهوم التضامن، والذي كانت تعول عليه وتبني من خلاله توازناتها. "عشق الأميرات" هي انتصار للمرأة المغربية خارج الصالونات المخملية. هي ترتيب جديد لمفهوم التحقيق المخابراتي والتغيير الذي شمل الجهاز. باختصار رواية تعيد القارئ إلى فضاء القراءة، وهذا دور الجهات الإعلامية للتعريف بالعمل..

+ من يضطلع على صفحات رواية "عشق الأميرات" يجد أنك تعتني بالأسلوب والقاموس.. هل أنت ضد دمقرطة الرواية والكتابة بأسلوب متوسط غير شاق على الفهم والاستيعاب؟

- أصعب اختيار يقع فيه الكاتب دائما هو أسلوب الكتابة. وقبل الكتابة يطرح على نفسه سؤالا مؤرقا: كيف يكتب؟ ولمن يكتب؟ ولماذا يكتب؟ بالنسبة لي أكتب انطلاقا مما راكمته من تجربة لغوية ومعرفية، وأحاول أن أمزج بين الاقتراب من الموضوع بحذر، لكن دون مركبات نقص. شخوص روايتي ومواضيعها هي من تفرض علي شكل اللغة. بالنسبة لي أرى أنه من الضروري الاهتمام باللغة لأن القارئ مهما كان مستوى ثقافته سيحترم عملا غنيا وذا حمولة حتى، وإن لم يكمل قراءته. ما أسعى إليه هو أن أتميز عن جيلي من الكتاب بشد انتباه القارئ دون إعطائه فرصة عدم إتمام الحكاية مهما كان مستواه الثقافي. الأسلوب إذن يتراوح بين مستويات عدة حسب المواقف والأحداث و الحالات النفسية.

+ في روايتك "عشق الأميرات" يمتزج الخيال بالواقع، لكن في الخيال استثمار لبعض الظواهر والاعتقادات التي تصب في خانة الخرافة، التي يربطها الدارسون والباحثون في مجال علم الاجتماع وعلم النفس بالتخلف.. ألا ترى أنك بهذه الطريقة تضفي المصداقية على الخرافات؟

- أنا ابن بيئة تشبعت بالخرافة، إذ كنت أرافق أبي رحمه الله في زيارة الأولياء الصالحين، وكنت أحضر لطقوس عديدة كالجذبة وعيساوة. الخرافة هي جزء من تركيبة المجتمع، ليس بالمغرب فقط، بل في نفسية ونمط عيش الجنس البشري بشكل عام، وهي نمط عيش البدو، وهذا حاضر بعشق الأميرات. أما مسألة التقدم والتخلف فهي قضية نسبية..

+ لكن بالرجوع لـ "عشق الأميرات" نجد أن "وسيلة" بطلة الرواية، لم تستطع تغيير عقليات البدو رغم أنها غيرت قبر والديها من مزار إلى قبرين عاديين..  أليس كذلك؟

- نعم بطلة الرواية (وسيلة)، ورغم أنها غيرت قبر والديها من كونهما مزارا إلى قبرين عادين، لم تستطع تغيير عقليات البدو، وهذا هو المقصود، فهي قضية متراكبة يدخل فيها السيكولوجي بالاجتماعي بالتاريخي بالسياسي. أنا ضد شعوذة المجتمع واستغلال فقراء البوادي وضواحي المدن، باسم الأولياء والأضرحة. للأسف هناك تيار شمولي في المجتمع العربي بشكل عام، يسعى إلى توطيد هاته العلاقة الربحية بين الضريح والتابع، الذي يكون في الغالب محتاجا إلى الوهم، فتقوم جهات معينة أشرت لها في روايتي، بتغذية هذا الوهم حتى يبقى نمط عيش الإنسان البدوي، منحصرا في القوت اليومي، بعيدا عن تنمية بشرية حقيقية. فالأموال التي يحصل عليها العديد من المشعوذين تحت غطاء "الطرق الصوفية" والمواسم وطقوس تقديم القرابين، تتحصل على إيرادات ضخمة، لا تعود بالنفع على ساكنة البوادي، في حين تم تزييف التاريخ المجيد لهاته الطرق الصوفية والزوايا التي كانت منارة علم وجهاد.

+ القارئ لروايتك يجد أنك تكتب بطريقة تصويرية دقيقة، ويمكن أن نتخيل المشاهد وحركيتها وشكل وسحنة وقسمات الشخوص من خلال طريقة الحكي. هل فكرت يوما في تحويل روايتك لفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني؟

- هوسي الأول كان بالسينما، وكنت حريصا على مشاهدة الأفلام، بل وتحليلها ومناقشتها في فترة دراستي الثانوية، وبقي عشقي للمشهد السينمائي ساكنا في وجداني، لذا عندما أكتب أتخيل نفسي جزءا من المشهد وناقلا لكل تفاصيله. أظن أن الرواية هي كتابة فيلمية باللغة، وهذا جعل أغلب الروايات في العالم أيقونات سينمائية، لا يملُّ الإنسان من مشاهدتها. في رأيي الخاص الكاتب الوحيد في المغرب الذي استطاع فعل ذلك، هو يوسف فاضل، في "حلاق درب الفقراء"، رغم أن النص كان مسرحيا.

وبالرجوع للجواب عن سؤالك بشكل مباشر.. أقول: لا أحد يرفض أن يتحول متنه الروائي إلى فيلم، وإن عرض علي مخرج الفكرة، سأقبل، إن توافرت الشروط المتعارف عليها في هذا المجال.. لكن لا أظن أن أحدا سيقترب من "عشق الأميرات"، لأن المشهد الإعلامي في المغرب، مازال لا يمتلك الجرأة الكافية لمناقشة قضايا ذات أهمية..

+ كيف ترى واقع التعاون بين المخرجين السينمائيين والروائيين المغاربة، مقارنة بمصر مثلا التي اشتغل فيها العديد من المنتجين والمخرجين على روايات لمؤلفين كبار أمثال نجيب محفوظ؟

- وجه المقارنة بين مصر والمغرب بعيد إلى حد ما. السينما لها لغتها وخصائصها، والكتابة الروائية بالمغرب لم تنضج بما فيه الكفاية على مستوى تحويلها إلى عمل سينمائي، باستثناء بعض المتون الروائية الرائعة، وهي قليلة جدا. لكن أظن أن بعض المخرجين، للأسف، يتخوفون من النفس الروائي وعلاقته بالفرجة السينمائية. ولا ننسى أن الكثير من الأعمال الحكائية مجرد هرطقات لغوية يبحث أصحابها فقط عن الاسم، ومخرجون ومنتجون كثر دخلوا الميدان لمراكمة المال على حساب الذوق العام والتوثيق والفرجة الجادة والإمتاع.