كنت حريصا منذ مدة على متابعة تدبير الشأن الديني في الدنمارك لاعتبارات عديدة ،منها تخصصي في هذا المجال لسنوات على مستوى الجامعة المغربية ،ثم حرصي المستمر على ترك بصمات ولو من خلال مقالات تحليلية، أجسد فيها مواقفي من سوء تدبير جهات عدة والناتجة في غالب الأحيان من صراع على الكراسي في غياب ديمقراطية داخلية، لم تسلم ولا مؤسسة، من انتقادات منخرطيها، واشتدت الصراعات في غالبية المؤسسات مما كان له انعكاس خطير على برامج ومخططات هذه المؤسسات في محاربة ظاهرة التطرّف والغلو.
الصراع الذي تعرفه هذه المؤسسات غذاه كذلك حملة إعلامية دانماركية تسيء إلى الإسلام، وازدات حدتها بعد التصريحات التي أدلى بها بعض الأئمة وغطتها وسائل الإعلام الدنماركية فأثارت ضجة سياسية ونقاشا بلغ مداه بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في فرنسا وبلجيكا.
الجالية التركية تشكل استثناءا نظرا لتمسكها بالسياسة التي اختارتها الحكومة التركية في تدبير وتسيير المؤسسات الدينية التركية على التراب الدنماركي، فهي المسؤولة على تعيين الأئمة وصرف رواتبهم، وهي التي تتحكم في برامج المساجد التركية، وبالتالي نجحت إلى حد بعيد في محاربة التطرّف وحدت من الصراع في تدبير هذه المؤسسات، من خلال إشرافها على انتخاب واختيار النخبة المؤهلة للتسيير، واستطاعت بفضل ذلك القضاء على كل صور الإنحراف والتطرف.
في المقابل الجالية المغربية المرتبطة بدينها وبالمساجد ساهمت في شراء غالبية المؤسسات الدينية وكانت دائما خارج تدبيرها وتسييرها ،لكنها فطنت في السنوات الأخيرة لخطورة الدور الذي أصبح يلعبه حزب التحرير في استقطاب الشباب المغربي المزداد في الدنمارك، وكذا الجماعات المتطرفة فسارع مجموعة من الفعاليات من تشكيل لجنة لجمع التبرعات لشراء مكان كان سيكون منارة حقيقية لأول مسجد مغربي، تبخر الحلم وحصل الإنشقاق، وخرجت مجموعة أخرى ليس ببعيد عن العاصمة كوبنهاكن، حيث استطاعوا شراء مكان جعلوه مسجدا للعبادة.
ولممارسة السياسة، وعندما تسييس المساجد، يشتد الصراع والانتقادات وتفشل كل البرامج والمخططات، كنّا نأمل أن نقتدي بالنموذج التركي في تدبير الشأن الديني، وأن يكون الإسلام الوسطي هو سبيلنا لمواجهة التطرّف والغُلو... وجلالة الملك كان واضحا عندما منع السياسة في المساجد ومنع العلماء والأئمة والخطباء أن يخوضوا في السياسة وفي إذكاء نار الفرقة والقبلية العصبية، نأسف لما وصلت إليه مؤسسة الإمام مالك من صراعات سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الأجيال المزدادة في الدنمارك والتي تركت المؤسسة في اتجاه مؤسسات أخرى، نخشى أن تتعرض لغسيل الدماغ، وتنحرف انحرافا خطير قد يسيء لصورة الإنسان المغربي التي تلطخت في دول أخرى بسبب تورطها في الإرهاب..
لم تنج المؤسسات الإسلامية الأخرى التي ظهرت في السنوات الأخيرة من صراعات، على المناصب من أجل فرض وجهة نظرها ولعل الإسلام السياسي هو المتحكم في هذه الصراعات مادام أنه صورة لواقع ما تعرفه الفصائل المتصارعة على سبيل المثال لا الحصر في فلسطين وسوريا والعراق، والحروب الأهلية التي تعرفها هذه الدول كان لها انعكاس على واقع تسيير هذه المؤسسات.
أئمة المساجد هم المسؤولون في الكثير من الأحيان في إشعال نار الفتنة وفي تأجيج الصراع القائم، فعوض أن يركزوا في خطب الجمعة وفي الندوات التي ينظمونها على واقع المسلمين في الدنمارك ويحرصوا على مواكبة القوانين واحترام سيادة الدولة التي نعيش فيها، ويبتعدوا على الخوض في مأساة والصراعات التي تعرفها العديد من المناطق وبالخصوص منطقة الشرق الأوسط فإنهم يخوضون في أمور تزيد الفرقة والعزلة في المجتمع.
هذا الواقع يدعو لوقفة تأمل، و يفرض تجديد خطابنا الديني، وإعادة النظر في تدبير هذه المؤسسات وسنكون كمغاربة سعداء إذا حكم المغاربة عقولهم ووضعوا الثقة في بلادهم من أجل تدبير هذه المؤسسات، ونستفيد من التجربة التركية في تدبير الشأن الديني لأنها استطاعت أن تتفادى الصراعات والتطرف والغُلو.
جالية