الجمعة 18 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

ليلى بارع: لا شيء يعجبني

ليلى بارع: لا شيء يعجبني

لا شيء يعجبني، حتى وأنا أستعير هذه العبارة الدرويشية لكي أحاول فهم ما يحدث من حولي، كنت أتمنى لو لم يستعملها الشاعر محولا إياها إلى ماركة مسجلة باسمه، وهذا شأن الشعراء كلما استعملوا كلمة أفسدوها على من سواهم، ومع ذلك فهي عبارة لا يمكن التخلي عنها... للأسف.

لا شيء يعجبني، لا البرامج الرمضانية الفكاهية ولا الدرامية التي تجبرنا قنواتنا على مشاهدتها قبل الآذان وبعده، البرامج التي نصبح ملزمين بمشاهدتها بفعل خاصية التجمع العائلي، والتي تجعلنا لا نفكر كثيرا قبل أن نهرب بأنفسنا وببقايا إفطارنا نحو غرف منفردة لمشاهدة برامج غير مغربية، حتى لا نصاب بعسر الهضم والفهم معا.

لا شيء يعجبني، خاصة عبارات من قبيل: الجمهور عايز كدة، نسبة المشاهدة هي كذا وكذا..، المغاربة يحبون كبور والشعيبية والدوار والعروبية... ماذا لو قمنا بتحويل ذوق الجمهور، عبر البرامج الهادفة والجيدة، أفكر في خطط إعلامية خاصة بالذوق الجيد، تمتد لخمس سنوات، أين يا ترى درسنا شيئا عن المخططات الخماسية، بإمكاننا دوما تغيير مجرى النهر، إنهم يفعلون ذلك يوميا في  إطار اللعبة الإعلامية...

لا شيء يعجبني، وكأننا أمام تلك الحالة التي يطلقون عليها déjà vu نفس الوجوه، نفس الحكايات، نفس الممثلين يمثلون مع نفس المخرجين يشتغلون مع نفس المنتجين، يقدمون نفس البرامج مع تغيير العناوين... تكاد الحياة التلفزيونية بالمغرب، خلال هذا الشهر، تكرر نفسها مثل طاولة رمضانية والقالب غالب كما يقول إخوتنا في الشرق.... طبعا القالب المغربي ...

لا شيء يعجبني، وخاصة برمجة المواعيد الثقافية التي تبدأ في العاشرة ليلا، يعني بعد صلاة التراويح، أعتقد أنه موعد لا يتلاءم مع نظرية التمكين للنساء في حدها الأدنى، لا أعتقد أن النساء ينظرن إلى هذا التوقيت بشكل جيد، إنه توقيت "ذكوري"، ورغم أنني سأبدو متعصبة ونسوية حين أكتبها، لكن هذا التوقيت لا يناسب النساء اللواتي لا يمتلكن القدرة على الخروج والعودة في وقت متأخر... منتصف الليل لا يبدو وقتا جيدا للعودة إلى المنزل في رمضان أو غير رمضان، لو يفكرون في مواعيد نهارية  مناسبة، ما الذي سيحدث؟ سيبقى العالم يدور ويدور ولن يتوقف لينزل أحدهم، حتى لو صرخ فيه...

لا شيء يعجبني، لا الحرب الذي تتعالى نيرانها كل يوم في نشرات الأخبار، ولا زيارة مدام أوباما للمغرب، لا أفهم السياسة كثيرا.. يحاربوننا في قضية مصيرية مثل قضية الصحراء المغربية ويصدرون تقارير تحاول زرع الفتنة بين المغاربة، باستخدام القضية الأمازيغية، ثم يدعمون تمدرس الفتيات بهذا البلد السعيد... عفوا هناك أمر لا يعجبني في هذا..

لا شيء يعجبني، لا الصفحات الأولى للجرائد، التي تتقاسمها الجرائم والسياسة وتغيب عنها الثقافة، ولا صفحاتها الأخيرة التي تتشابه والتي تتقاسمها وكالات الأنباء وصورة امرأة جميلة تكشف عن نهديها وتبرز مؤخرتها مع خبر صغير عن آخر عمل "فني" لها...

لا شيء يعجبني، خاصة حين يمرر قانون التقاعد الذي سيستنزف أرواح الموظفين حتى سن 63 بسبب الغياب والانسحاب، كيف يمكن أن يتغيب المستشارون المغاربة عن حضور جلسة ستحدد قرارات مصيرية تخص آلاف الموظفين المغاربة.!! أفكر في المجالس البرلمانية الأوروبية، وأفكر في مئات السنوات التي تفصل العقليات وطريقة التفكير في المسؤولية...

لا شيء يعجبني خاصة حين تنطلق حملة حكومية لـ "زيرو ميكة" وتستقبل الموانئ المغربية أطنانا من النفاية الإيطالية لحرقها على الأراضي المغربية... حين أقرأ مثل هذا الخبر أردد مع مراهقي هذه الأيام "فهم تسطا"...

لا شيء يعجبني، ورغم ذلك تستمر الحياة وينبت الأمل من كل الأماكن، ويولد الأطفال، أطفال نحضنهم وننظر إلى المستقبل بعين لا ترمش، ننظر للمستقبل رغم أننا مستمرون في تكسير الحاضر وعدم أخذ العبر من الماضي....