الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالله جبار:الاسلام في الغرب...أية أفاق ؟

عبدالله جبار:الاسلام في الغرب...أية أفاق ؟ عبدالله جبار، باحث في قضايا الهجرة،ايطاليا
ننطلق في مقالنا هذا من تساؤلات مبدئية تلامس واقعا أصبح واضحا دون زعمنا طرح إجابات صريحة، بقدرما نريد إثارة وتحريك العقل الاسلامي في الغرب وغيره بضرورة تحقيق طفرة اجتهادية بخصوص صورة الاسلام في هذه البلدان وفق مقاربة جديدة تقطع مع الحقل التقليدي وفق سنة التطور التي تقوم عليها الحياة دونما المساس بثوابة الدين وانجازاته الحضارية.لكن كيف ؟
هذا السياق نجد أنفسنا ملزمين بحكم معايشتنا اليومية لواقع الاسلام في الغرب ان نخرج من النقاشات المبنية على التأصيل التاريخي -وان كان هذا العنصر له أهميته- وان نحصر حديثنا عن اليومي المباشر الذي نصطدم به سواء كبارا أم صغارا، وهنا فالأمر يخص أصحاب التأثيرالمباشر، ونقصد أئمة المساجد وعلماء الدين المتواجدين بيننا، فهؤلاء وبمجرد التحاقهم بالغرب لا يطورون أنفسهم بالشكل الذي يساعد على فهم الواقع واستيعاب اشكالاته وتناقضاته وبالتالي امكانية تكييفها وفق أحكام الشرع الاسلامي. حيث يحصر عدد من الأئمة أوقاتهم في إلقاء خطب الجمعة، وإمامة المصلين، في صلواتهم ثم بعدها الانصراف إلى حالهم دون اقامة حلقات العلم الشرعي التنويري أو أن بعضهم يضطر إلى القيام بهذا عمل طلبا للرزق فتجده يطوف بين البلدان الأوروبية.
ان عدم إجادة الغالبية العظمي من أئمة المساجد في بلاد المهجر للغة البلد المستضيف، وعدم سعيهم في تعلمها ، والاكتفاء بلغة البلد الأصلية يعد إحدى العوائق التي تجعل فقهاء الدين غير قادرين على إيصال الرسالة سيما لأبناء الجالية من الجيل الثاني والثالث بخطاب ولغة يعرفونها وبالتالي فالهوة تتسع وتصبح معه السيطرة على الأمور أكثر تعقيدا في ظل عالم تتقاذفه أمواج فكرية مختلفة أصبح تاثيرها بينا ونتائجها كارثية , وما حدث في بعض البلدان الأوروبية من أعمال متطرفة اودت بحياة أبرياء لدليل على فشل دريع في مجال التاطير الديني الذي يتحمل مسؤوليتة الجميع .
ان السياسات المتبعة من طرف الحكومات الاسلامية والجمعيات ذات الصلة أبانت عن قصور في معالجة هذا الملف وأصبحت عاجزة عن التأثير في أوساط الجالية وما تقوم به سيظل مجرد عنصر غير منتج ومحكوم بردود أفعال تحركها الرغبة المتزايدة من طرف بعض الدول للسيطرة على الحقل الديني في المجتمعات الغربية مما يشجع عدم التنسيق بين مختلف البلدان، حيث تتعدد المنظمات والجهات المسؤولة عن الدعوة والعمل الإسلامي في أوروبا دون تعاون يذكر بل قد تتحول بعض بلدان الاستقبال الى ساحة للصراع المرئي منه والمخفي يخدم اجندات، وجهات محددة وبتوجيهات دول بعينها ,وقود هذا الخلاف المال المتدفق السخي الذي يغدي النزاعات ويشجع الولاءات مستغلين في ذالك مناخ الحرية المتاحة في المجتمعات الأوروبية، مما يضر بسماحة ونقاوة الدين الإسلامي الداعي إلى الأخوة والوحدة، ىويرسمون بتصرفاتهم هذه صورة يتحجج بها الحاقدون على الدين الاسلامي.
إن مثل هذا السلوك في التعاطي يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية في تهييج الأصوات المضادة للعمل الإسلامي، حيث برزت إلى الوجود قنوات، و صحف متخصصة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلال إبراز عناوين تثير الرأي العام وتنبهه إلى ما يسمونه بالخطر الأخضر على المجتمعات الغربية في ظل ازدياد عدد المهاجرين وفي انتشار أماكن لممارسة الشعائر الدينية خاصة الإسلامية منها، حيث يعتبرون أن الاسلام غير متسامح مع الديانات والثقافات الأخرى وأن المسلمين ضد الحداثة ومكتسبات العصر، ويميلون إلى الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام من الغربيين مستشهدين بتكرار عملية الخطف والقتل التي تعرض لها كثير من السياح الغربيين عند نزولهم ببلدان يسمونها متطرفة وهذا حسب زعمهم هو نتاج للشعور بالدونية، وبأن هذه المجتمعات أقل تحضرا وان أبناءهم غير قادرين علي التكيف والاندماج داخل المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها.والحال ان هذا التوجه أصبح ورقة رابحة في يد أحزاب متطرفة تستعملها ابان حملاتها الانتخابية لمحاباة وكسب عطف الناخبين ومجالا للمزايدة السياسية ومقياسا في نظر البعض للدفاع عن قيم وأصول مجتمعاتهم. فالغرب اليوم يسعى جاهدا إلى كبح صعود وتوسع الاسلام في بلاده من خلال سن قوانين تحد من ممارسة المسلمين شعائرهم الدينية رغم اقراره بحرية التعبد، ناهيك عن ميوله إلى تشجيع الهجرة من دول يعتقد أنها اقرب إلى ثقافته وتقاليده وديانته.بعدما جرب سياسية الاحتواء والتذويب التي سلكها كنهج لفترة من الوقت والتي لم تجدي نفعا وباءت جهوده للتغريب بالفشل.
ان السؤال الأهم اليوم هو:كيف يمكن للجالية الإسلامية ان تتخلص من تأثير الآخرين ؟ وكيف يمكنها أن تقدم صورة أفضل لدينها في بلاد الغرب؟
هنا تبرز بالضرورة أهمية تصحيح الصورة العالقة بذهنية الانسان الغربي عن الإسلام.وان هذا التصحيح لن يتم إلا إذا استطاع الفرد المسلم أولا، تغيير نظرته وتعاطيه مع القضايا الواقعية التي يعيشها يوميا والتي تستفزه والاتجاه إلى التعامل معها وفق مبدأ الوسطية والاعتدال وهذا يتطلب إعداد الداعية المناسب لهذه المجتمعات، كما أنه لابد من إعداد داعية لغير المسلمين، وأن يأخذوا بما يسمى فقه الواقع، فالقضية الفقهية تحتاج إلى دراية وفهم لطبيعة وتاريخ مجتمع الاغتراب وثانيا وجب على الغرب من جهة أخرى، تصحيح تلك القناعة التي تتملكه والتي تعود أساسا إلى اعتقاده أن قيمه ومعاييره هي المرجع الوحيد في أي تحليل أو حكم على الأشياء، وفق مبدأ ومفهوم الكونية ,مما يحول دون إمكانية اطلاعه على حقائق وتعاليم الدين الإسلامي واكتفائه بما يروجه الأعداء او ما ينقل من ممارسات مشينة بعيدة عن سماحة الدين الاسلامي من أتباع الغلو والتطرف، وان مثل هذه المقاربة تعود بنا إلى نظريات متجاوزة تاريخيا كنظرية برجنسكي ونظرية برنارد لويس التي تعتبر الإسلام تحديا خطيرا للحضارة الغربية.
ومع الإقرار بأن تصحيح أو تغيير صورتنا في الغرب مهمة ليست بالسهلة بسبب الصورة النمطية والتراث الغربي المتراكم عبر القرون من العداء الديني والسياسي والصراع الحضاري والتحولات الجديدة المتسارعة حولنا فانه من الواجب أن نتحرك فرادى , جماعات وحكومات عبر كل وسائل التأثير المتعددة والمتاحة في المجتمعات الغربية لنتواصل مع الناس ونمدهم بكل التفاصيل التي يجهلونها عن الإسلام وفق إستراتجية مضبوطة تكون أسسها قائمة على قناعة مبدئية راسخة قوامها نصرة الدين الإسلامي وفق منطق العقل لا منطق الهوى والطبع واخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة لا مجرد حسابات الهواجس السياسوية المتزايدة.