الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

مصطفى أيت علال: محمد بوسعيد وزير المالية لا يتحكم في تحسين مؤشر الإنفاق على التعليم

مصطفى أيت علال:  محمد بوسعيد وزير المالية  لا يتحكم في تحسين مؤشر الإنفاق على التعليم أيت علال، و الوزير محمد بوسعيد ( يسارا)
خلفت المقارنة التي قدمها يوم الثلاثاء الماضي، وزير المالية والاقتصاد محمد بوسعيد، حول نفقات التعليم بين فرنسا والمغرب خلال الندوة التي عقدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، خلفت العديد من الردود الرافضة لهذه المقارنة تارة أوالمكذبة لها تارة أخرى. وهو شبيه بالموقف الذي حدث لوزيرة الأسرة والتضامن بسيمة الحقاوي مؤخرا حول مؤشر الفقر. وهذا ما يعني أن لغة المؤشرات المتداولة على المستوى الرسمي غير مهضومة من طرف فئة عريضة من المتتبعين ومنهم إعلاميين وسياسيين.
فقد كشف وزير المالية عن نسبة 6.5% كإنفاق على التعليم بالمغرب من الناتج الوطني الاجمالي وهي نسبة تفوق فرنسا (5.5%) و المعدل العالمي (4.8%). وقد اعتقد أصحاب ردود الفعل أن الوزير قصد في مقارنته الغلاف المالي المخصص لميزانية التعليم ، والحال أن الوزير أقام مقارنته حول نفقات التعليم في علاقتها بالناتج الإجمالي الخام للبلد.
مبعث ردود الفعل هذه بالاضافة إلى سوء فهم المؤشر، تعود إلى عدم الارتياح لواقع المدرسة العمومية التي تحتل مراتب متأخرة في التصنيف العالمي في العديد من المؤشرات، وإلى تلويح المسؤولين الحكوميين بإلغاء مجانية التعليم في المستقبل . كما يعود أيضا إلى تمثلات المغاربة لوزير المالية الذي يعتبر بالنسبة إليهم رمزا للتقشف . وأن لجوءه للمقارنة إنما الهدف منه هو إظهار الحجم الكبير للنفقات المخصصة للتعليم تمهيدا للتقليص منها بشكل كبير.
لقد كانت مناسبة تدخل وزير الاقتصاد والمالية هو حضوره مشروع التوأمة المؤسساتية بين الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وبين المركز الدولي للدراسات البيداغوجية بباريس، ومن موقعه كمسؤول عن المالية العمومية،فتدخله اكتفى بتقدير حجم نفقات التعليم والاشارة إلى عدم كفايتها،وليبعث رسالة مفادها أن الأمر غير طبيعي أن تبقى هذه النفقات من حيث معدلها أكثر من فرنسا والعالم.
قلق وزير المالية يبدو منسجما مع ما تنطق به لغة الأرقام ، لكن هذه الأرقام رغم علميتها فهي لا تعبر عن العديد من الحقائق التي لا يمكن القفز عنها ومنها:
ـ إن الناتج الوطني الإجمالي لفرنسا يفوق 25 مرة نظيره المغربي بينما عدد سكانها أكثر من المغرب فقط بمرتين. وهذا ما يعني أن المغرب يواجه احتياجات كثيرة بامكانيات ضئيلة. لا تقارن باحتياجات وامكانات فرنسا.
ـ إن نسبة المواليد بفرنسا تصل الى 1.2% بينما ما تزال مرتفعة بالمغرب وتتجاوز 2% وهي أكثر مما كانت عليه فرنسا بداية السبعينات من القرن الماضي أي قبل أكثر من 40 سنة . وهذا مايرفع من نسبة الأطفال من مجموع الساكنة المتمدرسين أو المقبلين على التمدرس بالمغرب مقارنة بفرنسا.
ولذلك وصلت نسبة الاطفال مادون 15 سنة من مجموع الساكنة بالمغرب 28 %سنة 2014 ، بينما وصلت بفرنسا 18% فقط .أي بفارق 10 نقط .
ـ إن فرنسا لها السبق التاريخي في التعليم العمومي ولذلك فقد كسبت العديد من البنايات التي خففت من الميزانية الموجهة للتجهيزفي الوقت الراهن ، بينما المغرب ما زال يسابق الزمن من أجل سد الخصاص الحاصل في الحجرات والمؤسسات والادارات .
لكل هذه الاعتبارات فإن أي تراجع لنسبة الانفاق في التعليم من الناتج الداخلي الخام لن يكون طبيعيا إلا إذا تأثر بشكل أوتوماتيكي بتراجع المواليد وتزايد النتاج الوطني الاجمالي، وأن أي إجراء حكومي يتعامل بالمقاربة المحاسباتية للتقليص من النفقات في الحدود التي تتجاوز ترشيدها والاتجاه نحو التقشف، سيعطي أرقاما مصطنعة تمس في الصميم جودة التعليم. ومعنى ذلك أن تحسين مؤشر الانفاق على التعليم لا يتم بإجراءات في قطاع المالية بل باجراءات في مختلف القطاعات الاقتصادية للزيادة في الثروة وفي المجال السكاني للتقليص من النمو الطبيعي ،ويبقى ذلك رهين بالنموذج التنموي الذي تتبناه السياسات العمومية.
إن مؤشر الانفاق على التعليم في علاقته بالناتج الوطني الاجمالي مرتفع بالدول النامية كالمغرب ومنخفض بالدول المتقدمة كفرنسا. وهو يفيد في تمكين كل دولة في معرفة موقعها،ويعتبر مرشدا ضروريا لها لتحديد طموحاتها في إعداد برامجها التنموية للحاق بهذه الدول المتقدمة وخاصة في مجال التربية والتعليم .لكن من الصعب تحسينه بشكل أسرع من الزمن التنموي للحاق بهذه الدول .