Wednesday 30 April 2025
سياسة

ردا على اتهام المغرب بـ "نهب الثروات" بالأقاليم الجنوبية..هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء

ردا على اتهام المغرب بـ "نهب الثروات" بالأقاليم الجنوبية..هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء

ما هي فاتورة استرجاع المغرب للمنطقة الجنوبية؟ ما هو الثمن الذي أداه المغرب منذ استرجاعه لمنطقة الصحراء؟ وهل هناك بالفعل استغلال لثروات هذه المنطقة دون أن ينتفع بذلك سكانها؟
هذه الأسئلة قد تبدو مستفزة، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان أن توحيد الأرض واسترجاع أجزاء من الوطن من أيدي الاستعمار لا يناقش بحساب الربح والخسارة كأي صفقة تجارية. ولكن الحقيقة هي أن إعادة إدماج أطراف من البلاد تم استرجاعها بعد فترة من الاستقلال الرسمي هي عملية لها ثمن. وهذا الأمر لا يخص المغرب لوحده. بل وقعت تأدية ثمن هذه العملية في عدد من البلدان التي اضطرتها الظروف التاريخية للقيام بنفس ما قام به المغرب لإعادة تجميع أطراف كانت خارجة الوحدة الوطنية من قبل.
فألمانيا، أو بشكل أدق قسمها الغربي (ألمانيا الفيدرالية سابقا)، قد أدت ثمنا باهظا لإعادة لم شمل الألمانيتين الشرقية والغربية. وهذا الثمن كان هو 2000 مليار أورو، دون احتساب نتائج الوحدة الألمانية على الأوضاع الاقتصادية في أوربا. هذا الثمن يمثل في جزئه الأكبر، أي % 65 المساعدات التي تم منحها لجهات ألمانيا الشرقية سابقا.
عندما استرجع المغرب منطقة الصحراء في سنة 1975، كانت الأوضاع الاقتصادية والتجهيزات التحتية والخدمات في هذه المنطقة في مستوى متدن، وكان من الضروري بذل جهد مالي كبير لتحسين الأوضاع حتى تلتحق الساقية الحمراء وواد الذهب بمستوى التطور الذي عرفته باقي مناطق المغرب وحتى يتحقق لهذه الجهة شرط الإندماج في النسيج الوطني.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى حدود نهاية العشرية الأولى من سنوات 2000 وصل المجهود المالي المقدم إلى 1200 مليار درهم و%3 من الناتج الداخلي الخام السنوي للمغرب.
الفرق بين الحالة الألمانية والمغربية وبين ما صرفته كل دولة لإعادة إدماج جزئها المسترجع يتلخص في ملاحظتين اثنتين:
1 - على عكس شرق ألمانيا الذي كان يتوفر على مقومات اقتصادية وبنية تحتية وفيرة، منطقة الصحراء حين سلمها الاستعمار للمغرب كانت ضعيفة البنية التحتية، بل في معظم مناطقها، كانت هذه البنية منعدمة تماما. فالطرق التي هي شريان الحياة لم يكن يتجاوز طول شبكتها 70 كلم في 1975. وهي الآن تتعدى 9457 كلم، وتغطي الجهات الثلاث التي تكون هذه المنطقة.
والتعليم الذي هو عصب بناء الإنسان كان محدودا جدا. فمثلا بالنسبة لشهادة الباكلوريا، عرفت الفترة السابقة (ما بين 1960 و1975) تخرج 3 أشخاص هم الحاصلون على شهادة الباكلوريا في كل هذه الفترة على مستوى الصحراء. وهؤلاء حصلوا على شهادة الباكلوريا، بعد ذهابهم لإتمام دراستهم الثانوية بإسبانيا.
بعد 1975، كان من الضروري بناء المؤسسات التعليمية غير المتوفرة، وتغطية كل أقاليم المنطقة في هذا المجال.
ولهذا لم تتخرج أول دفعة من خريجي شهادة الباكلوريا بالمنطقة إلا في سنة 1987.
2 - ألمانيا الدولة الصناعية المتقدمة لم تكن في حاجة إلا إلى تقديم مجهود على مستوى تطوير المقومات الاقتصادية لألمانيا الشرقية وتحسين ظروف العيش والوضعية الاجتماعية للسكان في جو من السلم والأمان. بينما المغرب دولة العالم الثالث كان في حاجة إلى تقديم جهد حربي بالإضافة إلى مجهود بناء البنيات التحتية والمقومات الاقتصادية والإنسانية للمنطقة المسترجعة. وهذا زاد من عبء وحجم الفاتورة.
وقد وضع المغرب هذا التحدي بالتضحية التي قبل المغاربة القيام بها على حساب قدراتهم الشرائية ومستوى عيشهم للسماح بتنمية منطقة الصحراء وحماية الوحدة الوطنية والترابية. هل مكنت هذه التضحية من الوصول إلى الأهداف المسطرة؟ كيف تم تصريف الجهد المالي الذي تم رصده لمنطقة الصحراء؟
التقرير الذي قدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أمام جلالة الملك في أكتوبر 2013 يقول إن مفعول الإطار التحفيزي والنفقات العمومية على القطاع الخاص في هذه المنطقة بقي محدودا ولم يسمح بتحقيق إقلاع اقتصادي في الجهات الجنوبية. وبسبب هذه المحدودية بقي مستوى البطالة مرتفعا بالمقارنة مع المعدل الوطني (15 %من منطقة الصحراء مقابل 9%على المستوى الوطني).
لكن هذا التوصيف الذي يحلل الأوضاع في أفق وضع النموذج التنموي المستقبلي لمنطقة الصحراء: يجب أن لا ينسينا أن الهدف الأول للمجهود المبذول على مدى أربعين سنة. هذا الهدف كان هو محو آثار مخلفات الاستعمار وقد تحقق هذا الهدف.
فقد أصبحت المؤشرات المتعلقة بالتربية والصحة وتراجع الفقر وتحسين الخدمات والبنيات التحتية في منطقة الصحراء هي الأعلى على المستوى الوطني.
السياسة الإنمائية قد اعتراها الكثير المشاكل ومردودية ما تم صرفه من استثمار قد تكون أقل من حجم الأموال التي صرفت، ولكن الأكيد هو أن المجهود المبذول قد سمح بتغيير وضعية الضعف والتهميش التي كانت تعرفها ظروف العيش في منطقة الصحراء.
فهذه المنطقة تبوأت المركز الأول وطنيا على مستوى مؤشرات الصحة وإنجاز البنيات التحتية كإنجاز موانئ ذات مستوى رفيع ومطارات بمدن الصحراء الرئيسية، وقد عرفت المنطقة أيضا تمدنا هو الأعلى وطنيا، فنسبة السكان الحضريين في المنطقة تبلغ 74% مقابل 60 % في باقي جهات المغرب. الطفرة المنشودة قد تحققت بالنسبة لشروط الحياة في هذه المنطقة التي كان معظم سكانها قبل 1975 يعيشون في البادية.
ولكن لماذا نواجه وضعية متوترة برغم حصول هذه الطفرة على الخصوص على المستوى الاجتماعي الذي يشكل المجال الذي حصلت فيه منطقة الصحراء على امتيازات لا توجد في المناطق الأخرى؟
الجواب على هذا السؤال هو بالضبط ما يقدمه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. حين يلاحظ أن الشروط التي أسست للنموذج الذي تم نهجه خلال الأربعين سنة السابقة لم تعد قائمة. بل إن إعمال هذا النموذج السابق بماله وما عليه هو بالضرورة الذي غير سواء بما أنجز أو بالأهداف التي حققها معالم الظروف التي كانت قائم ووصل إلى نهاية صلاحيته وبالتلي أنتج شروط ومطلب استنباط نموذج جديد يتجاوز التأثيرات المعاكسة لما سبقه ويجيب على الاشكالات الجديدة المطروحة ويكون مرافقا للدينامية التي أطلقها اقتراح المغرب في سنة 2007 للحل السياسي، أي مشروع الحكم الذاتي.
فالمغرب وبشكل عام، وساكنة الصحراء بشكل خاص، يرفضون مواصلة حالة الجمود التي يريد الطرف الآخر الجزائر والبوليساريو بأي صمن المحافظة عليها. فحالة الجمود هي في الحقيقة كل ما تبقى لاستراتيجية لهذا الطرف الذي أفلست كل خططه السابقة بفعل التحولات التي عرفتها المنطقة والعالم، إذن فاستراتيجية الحركة والالتصاق بواقع التحولات التي يعرفها العالم التي يطبقها المغرب لم يعد بالإمكان مواجهتها بالنسبة للطرف الآخر إلا باستراتيجية الجمود (Statut quo) ولكن يجب أن لا نسمح لهذه استراتيجية بالنجاح لأنها في نهاية المطاف لن تنتج إلا تأزيم أكبر للوضع في كل المنطقة المغاربية وفي الساحل ومزيد من المعاناة لشعوب المنطقة كلها.