أثارت ،مؤخرا، دعوة أمين عام حزب العدالة و التنمية لمقر حزب الاتحاد الاشتراكي بالرباط من طرف مؤسسة "المشروع" ، ومنعه من طرف مجموعة من منخرطي الحزب من الدخول إلى المقر ، وما تلاها من مناوشات متبادلة بين أعضاء الحزب من جهة، ومن طرف المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب من جهة ثانية..، أثارت هذه الحادثة الكثير من الأسئلة المرتبطة بالممارسة السياسية و ديناميتها و سيرورتها . وهي أسئلة أعتقد أنها لا زالت مؤجلة أغلبها. وإن كان من الصعب الوقوف على كل الأسئلة و الحيثيات المؤطرة لها ، فلا بأس من الوقوف على سؤال جوهري في القضية ، وأعني الحوار بين المكونات السياسية ، سواء الحوار الداخلي بين أعضاء الحزب ، أو الحوار بين المكونات السياسية الأخرى المختلفة و المتعارضة من حيث الموقع و المرجعية .
رغم الإكراه المنهجي ، فلن أخوض كثيرا في شأن الحوار الأول أي الداخلي بين أعضاء الحزب ، سأكتفي بالقول أن جل المعطيات و الوقائع و المحطات تنبث أن هذا الحوار فاشل أو عقيم ، و يشبه حوار الطرشان ، ونتيجته المباشرة الانقسامات التي تعرفها الأحزاب ، و تراجع المناضلين إلى مناطق الظل ، و تآكل وهشاشة الأداء الحزبي ...
أما الحوار بين المكونات السياسية و الهيئات و الأحزاب المختلفة من حيث الموقع و المرجعية ، فلا بد من الاعتراف أنه سؤال مؤجل رغم أنه أساسي في المرحلة التي يجتازها المغرب . كما يجب الاعتراف أيضا أن الأحزاب لا زالت عاجزة على تبني هذا السؤال ، ولا تمتلك الأدوات الكافية لمعالجته رغم أهميته الاستراتيجية .و للتعليل على ذلك ، لا بد من إثارة الملاحظات الأولية التالية:
- كون جل الأحزاب بالمغرب حاليا لا تجعل من الحوار أولوية لها ، حتى الحليفة و المتحالفة منها – مع استثناء نسبي خلال فترة الكثلة الديمقراطية - وكل ما يتم هو عبارة عن تنسيقات لحظية تحكمها مصلحة ضاغطة ، كما حدث إبان تشكيل النسخة 2 من الحكومة الحالية بين حزب العدالة و حزب الأحرار بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة . و الأنكى من ذلك هو أن أحزاب الأغلبية في الكثير من المحطات و القرارات تشتكي و تلوم بعضها و تتبادل الشكاوى بسبب غياب الحوار المفضي للتوافق اللازم في تدبير الشأن العام . وهذا أمر طبيعي بحكم هجانة التحالفات القائمة داخل أحزاب الأغلبية ، إذ أنها تحالفات ضد منطق المرجعيات و الأيديولوجية الخاصة بكل حزب ، وهي تحالفات انتهازية للوصول إلى مناصب في الحكومة و المؤسسة التنفيذية، و تحقيق أهداف أخرى تمليها البراغماتية السياسية بإكراهكما المركبة بالمغرب ،وهي أهداف قد لا تكون مسطرة حتى في أدبياتها و مرجعياتها ، أو قد تكون مخالفة لها . مع الإشارة إلى شكل التحالفات الأخيرة في المجالس الجماعية و الجهوية التي أبانت على انتهازية ووصولية مغلفة بدعوى مصلحة الناخب و مصلحة الحزب .
- كون أحزاب المعارضة حاليا لا تجد وقتا للحوار والتنسيق و التحالف ، أمام سرعة المشهد السياسي و تشابك خيوط المؤثرين الفعليين فيه ، وغياب تجانس مكوناتها ، و تأثرها بنفس المنهجية التي تحكم الأغلبية ، واستعداد أغلبها لاقتناص الفرصة و الدخول إلى الحكومة في أي لحظة أو محطة قد يسوقها الحظ أو مزاج القيادات .و كأن الكل قابل بوضعية العجلة الاحتياطية .
- إشكالية وحدة اليسار التي أصبحت شبه أوتوبيا أو شعارا لتغذية الأماني و الأحلام السياسية، وهي الإشكالية التي تعيق أداء كل أحزاب اليسار، بل أدخلتها في مرحلة انشقاقات متتالية ، وجعلتها تمارس السياسة في شكل خطابات منفعلة لا تضع في اعتباراتها الفعل السياسي الحقيقي المرتبط بالشعب و بالواقع و بالتحولات .
- عدم قدرة الأحزاب المغربية على التشكل في إطار أقطاب متجانسة من حيث المرجعيات و الأهداف و الانتماء.. ، فلا المحافظين ينسقون مع المحافظين – حزب العدالة و التمنية مع حزب الاستقلال مثلا – و لا اليسار ينسق مع اليسار- الاتحاد الاشتراكي و حزب التقدم و الاشتراكية مثلا آخر ، ولا الليبراليين مع الليبراليين – الاتحاد الدستوري و الأحرار . هذا مع الإشارة أن هناك أحزاب لم تحدد بعد وجهتها الاديولوجية ، فلا هي بيمين و لا بيسار و لا بوسط و لا بمحافظة .
هذا ورغم ما وقع أمام مقر حزب الاتحاد الاشتراكي مؤخرا ، من منع، و كلام ، و مواقف مع أو ضد دخول رئيس حزب يقود الحكومة إلى مقر حزب في المعارضة ، ورغم دفوعات الرافضين التي قد نجد لها مبررا عاطفيا ، فإن الأمر يعد إيجابيا من حيث إثارته لمستقبل التحالفات خصوصا بعد نتائج الانتخابات المقبلة ، وكيفية تدبير هذه التحالفات . و التي قد تتم مرة أخرى في غياب حوار مسبق بين المكونات الحزبية، والمؤشرات تقول أنها قد تكون هشة مرة أخرى ، و ضد تيار طبيعة الأحزاب و مرجعياتها .
فالواقعة الأخيرة أكدت أن الأمر يتطلب أكثر من مواقف انفعالية ،إذ يتطلب الحكمة في التدبير و النقاش و الصراحة بين كل المكونات المتدخلة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي و خارجه ، مع الإشارة أن الحوار بين الأحزاب و المتدخلين في الشأن السياسي يبقى مشروعا حتى و إن تم من خلال أو عبر مؤسسات ثقافية ، و حول تيمات بعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة ، كالبحث عن أغلبيات هشة في مجالس جماعية و جهوية - وما أكثرها - ولا أحد يتجند لرفضها أو التنديد بها ، و بمسارات نتائجها .