من يصر على "تسمين" عمر القزابري، خطيب مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وتحويله إلى مدفع رشاش يسترشد بالرادار الأصولي لضرب الخصوم الحداثيين؟
هذا سؤال على مقاس المقرئ والخطيب الذي أتى به القائمون على الشأن الديني لتشجيع التدين المغربي القائم بالأساس على "الوسطية والاعتدال"، حيث تم تحويله تدريجيا إلى نموذج يقتدى، خاصة أن آلاف المصلين يؤدون خلفه صلاة التراويح خلال شهر رمضان الأبرك. غير أن ما لا يقع الانتباه إليه، تجاوزا أو سهوا أو تواطؤا، هو أن "التدين المغربي" يقع خارج اهتمام هذا الخطيب القادم إلينا من "المعهد الإسلامي" بالسعودية، موطن الوهابيين الذين غزوا البلاد العربية فأنتجوا لنا، في نهاية المطاف، فكر الخوارج من "القاعدة" إلى "داعش".
وإذا كان إمام مسجد الحسن الثاني قد استطاع أن يشد إليه قلوب بعض البيضاويين المتخشعة إلى الله، فإنه استطاع بكل "اقتدار" أن يقفز على ما دأب عليه المغاربة لحماية إجماعهم على طريقة أداء الصلاة، وعلى طريقة القراءة، وعلى وقوف الخطباء على الحياد كلما تعلق الأمر بخلاف سياسي أو إيديولوجي بين الأحزاب. وهو الأمر الذي اجتهد في إخفائه على خلفية تداعيات أحداث الدار البيضاء الإرهابية التي أتت به إلى المسجد، أما الآن وقد اشتد عوده، فإنه بدأ يهفو إلى معمعان السياسة على هدي ما قام به "الإخوان المسلمون المغاربة".
ويسجل الملاحظون أن القزابري يصلي بقبض اليدين بخلاف ما يعرف عن المالكية من إسبالهما، ذلك أنه رُوي عن مالك أن القبض في الفريضة مكروه، بل قال "لا أعرف ذلك في الفريضة". وهذا يدل على أن المذهب المالكي الذي يتبعه المغاربة أمر ثانوي لخريج المذهب الحنبلي، علما أن رئيس الدولة وأمير المؤمنين يلزم الخطباء والأئمة والوعاظ بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة، وأي لعب خارج مدار المذهب المالكي الذي تتبناه الدولة يعتبر خروجا عن الجماعة، وعما يوحد المغاربة.
وإذا كان تسميع القرآن هدي نبوي يحسن الاقتداء به في صلاة التراويح وغيرها، غير أن القزابري "زاد في العلم"، فمن قراءة شجية في مرحلة البدايات، إلى قراءة متكلفة أشبه بالغناء منها بالتجويد، على العكس طريقة القراء المغاربة الأفذاذ، مثل أحمد بن محمد الزواوي، الذي كان مرجعا في القراءات لا يجارى. فالقراءة المغربية، عكس المشرقية التي يتبناها القزابري، "لا تحيد في الغالب عن النهج المعتدل ولا تغرق في تصيد الألحان المنغمة المطربة، وإن تكن في الواقع قراءات شجية حسنة المساق متناسقة النغمات"، كما يرى ابن خلدون.
ولم يتوقف القزابري عند هذا "الاستشراق" المفضوح، بل تجاوزه، في فبراير الماضي، إلى الخوض في الجدل السياسي، ضدا عن القانون، حيث يمنع القيميون الدينيون، من أئمة وخطباء ووعاظ، منعا صريحا من "ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية". والحال أن صاحبنا أخرج في حق الناشط الأمازيغي أحمد عصيد أقبح النعوت وأشنع الأوصاف، فتوجه إليه بهذا الأقوال: "هل أتاكم حديث إنسان تجبر. فَكّرَ وَقَدَّر. ثم نظر وعبس وبسر. فخرج بحل المشكلات. والتخلص من المعضلات. فقال وقوله الرجس"/ "إن خرجاتك المغلفة بالمسخ/ "ألا تستحي أيها المتجاسر. ألا ترعوي أيها القاصر. ألا تعلم أنك تضيع أوقاتك. تقول وقولك أبشع من ضحك القرود"/ "إن المحارب لله ورسوله ياويله. يركض في النهار خيله. ويطوي على الغفلة ليله. فهو كالذُّبابِ في المَطافِ والمَطَار . جيفة في الليل بَطَّالٌ في النهار. يلعنه الجديدان. ويشتمه القعيدان. يعيش ساخطا. ويموت قانطا. يامن يحاول تشقيق الكلام. ويمشي بين الناس مشي اللئام. ستَخْمُدُ جمرتك يوم يحشر الأموات من الأكفان فلا يرون فيها شمسا"/ "أدعوك إن كانت فيك من الحياء بقية. إلى التوبة قبل مباغتة المنية. فإن الساعة آتية. والحياة فانية".. إلخ.
وهنا يتضح أن القزابري بدأ يخوض حروبا بالوكالة، وبدأ يصطف صراحة إلى جانب الذين كانوا يسندون ظهره حتى يقوى ويستقيم، وبدأ يغتر بالآلاف الذين يصلون خلفه خاشعين، ونسي أنه مجرد موظف وضعت الدولة الكثير من الإمكانات واللوجستيك رهن إشارته، لا ليتغول عليها ويخوض في الأمور التي يوكله بها العاطفون عليه من "السلفية" و"الوهابية"، ونسي أن إمارة المؤمنين تخول للملك وحده، وليس لفقهاء الظلام، التدخل في الأمور الدينية للمغاربة..