السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله جبار: الاشتراكي الموحد.. رأي لابد منه

عبد الله جبار: الاشتراكي الموحد.. رأي لابد منه عبد الله جبار، باحث في قضايا الهجرة بإيطاليا

لقد شكل المؤتمر الأخير للحزب الاشتراكي الموحد مادة دسمة للإعلام وللباحثين في الشأن الحزبي والسياسي، لما رافق الإعداد له وأثناء انعقاده من نقاشات اعتبرها البعض علامة فارقة في تاريخ الحزب وبداية فصول من الصراع شبيه بصراعات شهدتها أحزاب مغربية في فترات سابقة، مع ما استتبع ذالك من تداعيات ربما تعيد إلى الأذهان ساحة أحزاب العهد القديم.

إن الصراع داخل الحزب الاشتراكي الموحد هو انعكاس لما يجري على النطاق الوطني الإقليمي والدولي. فالحزب خلال جهده لاستيعاب الواقع ومتغيراته يتعامل مع القوى السياسية والإجتماعية الأخرى، من طبقات وفئات متصارعة نتيجة لتباين مصالحها، ويعبر هذا الصراع عن نفسه في مستويات مختلفة بين أعضاء الحزب وهم يقتربون من استيعاب الواقع ومتغيراته ويناضلون لتغييره. ومن هنا قد يأتي تغليب مصالح ورؤى هذه الفئة أو تلك الطبقة من الطبقات أو الفئات التي يستند عليها الحزب كقاعدة اجتماعية ويدخل في ذلك عدة اعتبارا ت منها ذاتية وأخرى موضوعية مرتبطة بالتطور غير المتوازن للبلاد وحدة الصراع السياسي في المنعطفات والأزمات وتواتر حالة المد والجزر في عمل الحركات الاجتماعية، ناهيك عن التخلف الاقتصادي والاجتماعي والتركيب الهجين للطبقات والفئات الاجتماعية وعدم وجود فرز طبقي واضح ومستقر.

ولهذا فإن إدارة صراع الأفكار داخل الحزب تستهدف أرقى درجة ممكنة من وحدة وحصيلة الممارسة من أجل تطويرها لتصبح أصدق تعبير عن مهام التطور والتحول المطلوب في أفق بناء الدولة الديمقراطية المؤسساتية الحداثية. وتأسيساً على ذلك فإن إدارة مثل هذا الاختلاف تستند في العمق على مدى وعي المناضلين بأهمية المرحلة وضروراتها وما يتطلبه ذالك من امتلاك أدوات الفعل البناء في ظل ازدياد  الصراع السياسي وقدرة الماسكين بخيوط اللعبة السياسية على تغيير جلدهم باستمرار بسبب احتدام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وما يتبع ذالك من حراكات (بكسر الحاء) مستمرة أصبحت تغطي ربوع الوطن. مما يولد اختلاف في المقاربات وكيفية التعاطي مع الأحداث المتسارعة هنا وهناك. لهذا فالتحدي  المطروح القادم بعد محطة  المؤتمر الرابع يدفع الكل بدون استثناء إلى وجوب  التفكير بعقلانية بعيدا عن نزعة الحسابات السياسوية في وضع معايير لإدارة هذا الصراع.

فالإندماج الذي تحقق بين جزء من اليسار لا يعني بالضرورة وحدة الموقف بل هو اقرب منه إلى وحدة العمل المشترك التي تزيح العوائق المعرقلة لانخراط أوسع لفئات الشعب بغض النظر عن مستوياتها. مواقفها وتمركزها الطبقي، وهو ما أقر في بداية التجميع من خلال سن قاعدة التيارات تفاديا للسقوط في فخ الاصطفاف الهدام. وهو ما يتم أيضا بطريقة أخرى اليوم داخل إطار فدرالية اليسار وكذلك ميدانيا مع النهج الديمقراطي.

 إن أهم أسلوب أساسي في العمل يجب على الجميع أن يضعوه بحزم نصب أعينهم هو أن يقرروا سياسة العمل وفقا للظروف الواقعية. و إذا درسنا أسباب وقوعنا في الأخطاء، وجدنا أنها تعود إلى أننا وضعنا سياسة عملنا بناء على تصوراتنا الذاتية مبتعدين عن الظروف الواقعية في زمانها و مكانها وأننا أفرطنا في قلب ضوابط الصراع المؤسس عندما انزلق البعض إلى شخصنة الأمور. فالصراع قيمة مضافة لكل التنظيمات المسؤولة فهو يساهم في تعزيز المعطى الديمقراطي ويمهد الظروف نحو تعميق الفهم للقضايا موضوع الصراع من خلال تشجيع واحترام التنوع في وجهات النظر وتحويل الاختلاف إلى مصدر للمنافسة المثمرة فضلا عن قدرة هذه المنافسة في السيطرة على هذا الصراع نفسه وضبطه داخليا. وهنا نستحضر دور القيادة السياسية في عملية الضبط الايجابي بشكل لا يكبح حرية المنتسبين في التعبير عن وجهات نظرهم لا فقط لان هذه العملية ستخفف من حدة التوتر. ولكن أيضا ستساهم في وجود مناخ جديد للتطلع نحو منظور مخالف لمنطق التوافقات والصفقات التي أبانت التجارب السابقة محدوديتها بل عطلت إمكانية المحاسبة داخل أجهزة الحزب فكثر القيل والقال ووجدنا أنفسنا في وضعية ما قبل فترة الاندماج.

ومن جهة أخرى سد الباب على  آلة صنع القرارات والتدخل في الإطارات التي تتحرك من قوى خارج الحزب التي تشارك في توسيع رقعة الصراع الداخلي وتعيق معالجته إضافة إلى مناصرة جانب على آخر سواء بالإشاعات ونقل النميمة وتدمير القيادات السياسية التي  تشكل عبئا على دوائر القرار.

إن التجارب الحزبية علمتنا أن الانقسامات  تحدث في زمن  الركود والفوضى في الأوضاع التنظيمية، أما في  لحظات السجال السياسي الحزبي المؤطر. فصحيح أن هذا سيترك صدى طيبا لا يمكن نكرانه إلا من طرف الحاقدين والمتربصين بالحزب. ومن هنا نطرح التساؤلات التالية: ألم يكن ما حدث قبل وأثناء المؤتمر من باب الماضي المتجاوز؟ وهل من المعقول أن يستمر الحزب في نهك طاقاته وجهد مناضليه في "معارك" داخلية هامشية؟ ألم يحن الوقت للإستفادة من تجارب الماضي؟