الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

بعد أن أزاح الجنيرال مدين.. سعيد بوتفليقة.. «رب الجزائر الجديد»!

بعد أن أزاح الجنيرال مدين.. سعيد بوتفليقة.. «رب الجزائر الجديد»!

وصفه الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار في كتابه «بوتفليقة: الرجل وما أنجز» بـ «الطفل المدلل»، وصنفته مجلة «جون أفريك» ضمن الـ 50 شخصية الأكثر تأثيرا في الجزائر. وهناك من يطلق عليه «اللغز المحير»، أو «البيغ بوس» أو «رجل الظل» أو «رب الجزائر الجديد»؛ أو «الرئيس مكرر».

إنه سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري ومستشاره الخاص الذي استطاع، منذ 1999، أن يلفت له الأنظار، حيث تمكن، رغم الخيوط التي حيكت حول ورطاته الكثيرة من فك إغلاق ملفات الفساد التي انغمس في أوحالها مع «سوناطراك» و«بنك الخليفة» و«الطريق السيار»، بل انتهى، بدهائه، إلى إزاحة القيادات التاريخية لحزب التحرير، والاستحواذ على آلة الحزب وإرسال الأقوياء، بمن فيهم عبد العزيز بلخادم، إلى «التقاعد القسري». كما تمكن من «تقويض» صروح المؤسسة العسكرية، وعزل الجنرال القوي «توفيق». وبعد ذلك، كما يقول الإعلامي الجزائري توفيق دراجي، «راح يتفرغ لاستكمال ورقة الطريق التي رسمتها فرنسا عندما كان الرئيس يتداوى من وعكته الصحية في باريس، وزاد من رتمها بعد قرار هولاند الأخير بضرورة استمرار بوتفليقة وجماعته في الحكم لإتمام العهدة الرابعة، والانتهاء من المهمة القذرة المتمثلة في تفكيك جهاز المخابرات وتكسيره انتقامًا منه، وتعويضه بجيش من المخبرين والانتهازيين والرديئين وأصحاب المال الفاسد، في انتظار استكمال سيناريو خلافة بوتفليقة الذي لن يخرج عن إطار الجماعة التي اختطفت الجزائر!».

ويرى الملاحظون أن سعيد بوتفليقة، شأنه شأن شقيقه، لن يسمح بأي تقارب مع المغرب، ما دام التوازن السياسي الداخلي الذي ترعاه المؤسسة العسكرية، مبني على أساس معاداة المغرب، وعلى نبذ أي تقارب ممكن مع الرباط. حيث يعتبر قادة قصر المرادية أن نهاية النظام الجزائري الحالي لن تأتي سوى بالدخول في وفاق مع المغرب، وأن نهاية الحرب الباردة هي نهاية لمصالحهم في الجزائر. ولذلك لا ينبغي النظر بارتياح إلى انتقال الخلافة إلى الشقيق الأصغر للرئيس، بل على المغاربة أن يترقبوا أياما عصيبة إذا ما استطاع هذا الأخير الوصول إلى كرسي الرئاسة.

ويعتبر سعيد بوتفليقة، الآن، كما تشير إلى ذلك العديد من التقارير، الورقة الرابحة للرئاسة حتى أن بعض القادة الجزائريين في صفوف المعارضة (وعلى رأسهم السعيد سعدي، الأمين العام السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)  لا يتورع من القول إن الرئيس بوتفليقة يتعامل مع شقيقه كما لو كان كرسيه المتحرك وصوته وأذنه، وأنه لا يخفي نيته في تنصيبه خليفة له، ولهذا، فإنه آخذ في إزاحة كل المنافسين من طريقه حتى تخلو له البلاد والعباد، فينقض بهدوء على الحكم كأقوى رجل في الجزائر، ما دام يمسك بجميع الخيوط ويعرف جيدا كيف يحركها ويتلاعب بالدمى العالقة بها.
إنه لا يتكلم كثيرا مثله مثل لاعب الشطرنج، لا يقوم بنقلة إلا بعد تأمل وتخطيط. وهنا تكمن خطورته لأن لا أحد يعرف نواياه الحقيقية. وهو الأمر الذي جعل وزارة الخارجية الأمريكية تطلب، وفقا لوثائق سرية كانت قد سربت في وقت سابق من موقع ويكيليكس، خلال سنتي 2008 و2009، من دبلوماسييها في الجزائر وفرنسا والمغرب وتونس النبش وراء هذا الرجل «السري والكتوم».

وغير خاف على أحد أن سعيد بوتفليقة ترعرع، بعد وفاة والده سنة 1958، في أحضان والدته منصورية وشقيقه الأكبر عبد العزيز الذي عامله كما لو كان ابنه الحقيقي. ومن ثم، هذا العطف الكبير الذي يبديه الرئيس نحوه، رغم أخطائه وتورطه في ملفات فساد ضخمة كان بإمكانها أن تجعله يقضي ما تبقى من حياته وراء القضبان.

 وحسب المتتبعين، فإن قوة صغير أسرة بوتفليقة لم تبدأ بالنمو الفعلي سوى قبل سنة من نهاية السنوات الخمس الأولى للحكم، ليتحول إلى «عيون وآذان» رئيس الدولة التي لا تنام. إذ أصبح الشخص الوحيد المخول له الدخول على الرئيس دون سابق إعلان. وبعد ذلك، اتسعت رقعة القوة تدريجيا، واستطاع، أن ينسج علاقات وثيقة مع رجال الصحافة المؤثرين وبعض الوزراء الذين كان يلتقيهم مساء في المطاعم أو في بعض الأماكن السرية الخاصة، كما تمكن من التودد للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تمتلك خيوط أسرار شركة النفط الحكومية «سوناطراك» ووزارة العمل الاجتماعي والتضامن الوطني، وبدأ يدير خيوط اللعبة بغير قليل من التهور وضرب هذا بذاك! بل إنه  استطاع أن يجرف الساحة السياسية لمصلحته، فاخترق جميع الأحزاب وجعلها بلا قيادات فعلية مالكة لقرارها السياسي، وحاول اختراق جميع المؤسسات الأمنية والإدارية والرقابية والقضائية في الدولة وزرع عيونه هنا وهناك، إلى أن تمكن أخيرا من دفع القوة الضاربة في الجزائر (مدير المخابرات العسكرية) إلى الاستقالة، وهو ما يشي ببداية عهد آخر يسود فيه ويحكم «طاغية الجزائر الجديد» الذي تنتظره جولة أخيرة أمام ملفات الفساد التي أخرجها خصومه، والتي ظلت حبيسة أدراج مكاتبهم، لعلها تردع الفتى الحالم بالحكم.. وتنقذ الجزائر من لعنة التوريث الآخذة في التشكل.