شاءت أقدار التعليم بالمغرب، أن تعرف خلال العشرية الأخيرة أوضاع كارثية، لم يسبق للمنظومة التعليمية أن عاشتها منذ فجر الاستقلال، أقل ما يمكن أن نطلق عليه اسم "أزمة".
وتوصيف بوادر هذه الأزمة قد لا تسعه أسطر قليلة، لأن المشكل أعمق من أن تسعفه كلمات، ولو كانت محاولة بسيطة لتعداد بعض مظاهرها دون الخوض في التفاصيل أو محاولة عرض بعض الحلول.
ونحن هنا لا ندعي وضع محاور بعينها، لمعالجة أسباب تراجع المدرسة العمومية، التي تعتبر رافعة لأية نهضة وتنمية حقيقية يتغياها مجتمع ما... بل الداعي الحقيقي وراء ذلك، هو أننا أبناء هذا الوطن الكبير، وانتماؤنا له يفرض علينا أن نحس بأمراضه، ونجس نبض كل ضمير حي من أوفيائه، مادامت بعض النصال قد أخذت تنخر جسمه، وأهم عضو فيه.
بصفتي ممارس في قطاع المدرسة، ومع بزوغ شمس عام دراسي جديد، أجدني منشرحا كالأطفال الصغار بعودة ميمونة، تهل علينا بتباشير إشراقة جديدة تحمل إلينا، ولمتعلمينا تلاويح رؤية واضحة تتبدى بها الطريق سالمة لكل سالك.
لكن للأسف! سنة بعد أخرى نلمس اضطرابا يلف مضاجع الوزارة الوصية، والتفافا على أهم مطالب مدرستنا المغربية، رغم رصد الملايير لها؛ إلا أن وزارة التربية الوطنية تظل البقرة الحلوب لبعض ناهبي المال العام (فساد المخطط الاستعجالي مثلا).
وفي نظري المتواضع، فإن المدرسة المغربية لم تكن في يوم من الأيام في أحسن حال، رغم توالي محطات الإصلاحات، بدءا بإحداث اللجنة العليا للتعليم سنة 1957م، واللجنة الملكية لإصلاح التعليم 1958م، المجلس الأعلى للتعليم سنة 1959، مرورا بمناظرة المعمورة 1964م، بالمخطط الثلاثي (1965-1967م)، ومناظرتي إفران على التوالي سنتي 70 و1980م (فيما عرف مسلسل التعريب ومغربة التعليم)، ثم بإحداث اللجنة الوطنية للتعليم سنة 1994م (لمواجهة اَثار التقويم الهيكلي)، وفي اواخر القرن الماضي سنة 1999م شُكّلت اللجنة الملكية للتربية والتكوين، التي وضعت الأسس لإصلاح التعليم: إلزامية التعليم وإدماج التعليم في المحيط. وتلاها في بداية الالفية الثالثة تأسيس اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، أو في ما بات يعرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ويهدف في أساسه إلى إصلاح المنظومة التعليمية بتغيير البرامج والمناهج. وبعد تخبط في بدايات تطبيقه، تم اللجوء إلى المخطط الاستعجالين (2009م-2012م) لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الميثاق الجودة.
لنجد أنفسنا أخيرا أمام نوع آخر من الإصلاح، هي في أصلها حزمة من التدابير ذات الأولوية لوزارة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي ورؤية استراتيجية لإصلاح التربية والتكوين للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (2015م-2030م) تحت شعار "مدرسة جديدة لمواطن الغد".
إلا أن المتأمل لكل هذه الاصلاحات ليلحظ اشتراكها في، (مبدأ الاصلاح ومحاولة الإصلاح أو إعادة الإصلاح، دون أن تكون لها رؤية استشرافية للمستقبل على أساس توقعي واضحة المعالم).
في الحقيقة إننا نحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، تنهض بقطاع التعليم قدما، وتجعله من أولوياتها، بموازاة مع إقرار العدل داخل المجتمع ومبدأ المحاسبة، فلا تتصور أن يكون التعليم سببا لتقدم المجتمع وسبيلا لإدماج التلميذ في محيطه، والمجتمع الذي يعيش فيه ناهب لخيراته، هاضم لحقوقه.
- عماد بوعزيزي، إطار تربوي وناشط حقوقي