الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: صفقة القرن الأمريكية والقضية الفلسطينية.. تسوية أم تصفية؟

عبد القادر زاوي: صفقة القرن الأمريكية والقضية الفلسطينية.. تسوية أم تصفية؟ عبد القادر زاوي

تعمل الإدارة الأمريكية، في ظل رئاسة دونالد ترامب، تدريجيا على تسريب إعلامي ودبلوماسي وأكاديمي لما تسميه صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، مدعية وهي تبدو واثقة مما تقول أنها صفقة ستنال رضا الطرفين، وتقود إلى تسوية معقولة لكل القضايا الإشكالية المتفرعة عن المأساة الفلسطينية.

ورغم التفاؤل الذي تبديه الدبلوماسية الأمريكية وتحاول إشاعته في المنطقة، إلا أنها لا تزال تحجم لحد الساعة عن الإفصاح رسميا عن محتوى هذه الصفقة، وعن الخطوات العملية لتنفيذه على أرض الواقع، وعن الكيفية التي سيتم التغلب بها على الصعاب الذي قد تعترضها، وما أكثرها؛ الأمر الذي أثار ويثير الكثير من الريبة والشك.

إن الشك والارتياب الذي تقاسمته وعبرت عنه عدة دول في المنطقة العربية وكل الفصائل العاملة على الساحة الفلسطينية، لم تبددهما إطلاقا تصريحات مطمئنة صدرت عن أطراف عربية أخرى كالت المديح للجهود الأمريكية، واصفة إياها بالجادة والحريصة على إقامة السلام في الشرق الأوسط وخلق عوامل استتبابه، معطية الانطباع وكأنها قد نسقت مع إدارة ترامب أو اطلعت على محتوى الصفقة أو أجزاء منه على الأقل .

والواضح أن المرتابين والمشككين وجدوا مجموعة عناصر وجيهة تدعم موقفهم ولا تجعلهم يطمئنون لما يسمعون، إذ تلا الكشف عن وجود الصفقة الموعودة مجموعة إجراءات أمريكية مقلقة بدت وكأنها مجرد مقدمة لها، يمكن تلخيصها فيما يلي :

1/ الحديث عن منطقة أبو ديس  كعاصمة بديلة للكيان الفلسطيني الذي سيقوم بعد إتمام ما سمي بصفقة القرن.

2/ إصرار الرئيس الأمريكي رغم كل التحذيرات والمناشدات الدولية على الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل وإعطاء الأوامر بنقل السفارة الأمريكية إليها؛ الأمر الذي اعتبره كثيرون أول الغيث في الصفقة.

3/ قرار واشنطن بدء مسطرة إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

4/ الإعلان عن وقف المساهمة المالية الأمريكية في ميزانية وكالة غوث اللاجئين الأونروا.

صحيح أن كل العواصم العربية نددت بهذه الخطوات والإجراءات الأمريكية، وبادرت إلى تشجيع إدانة قرار اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل على مستوى مجلس الأمن الدولي رغم الفيتو الأمريكي الذي أوقف مفعول الإدانة، وعلى مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن أي دولة عربية لم تكن في وارد الرد على ذلك بإجراء عملي أحادي أو حتى جماعي يؤشر على رفض قاطع لهذا القرار الأمريكي.

هكذا اتضح أن الموقف العربي العام حتى في ظل تشكيل لجنة سداسية للمتابعة الدبلوماسية والإعلامية يميل إلى نوع من التعامل مع هذا الأمر الواقع، بل وقد يعمل على تطويع بعض المواقف الأخرى التي رفعت نسبيا من نبرة التنديد ومن مستوى الإجراءات الرمزية للتعبير عن السخط من هذا الموقف مثل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والأردن إلى حد ما.

ولهذا يتحدث البعض عن أن خروج بعض التباينات في مواقف أعضاء اللجنة السداسية العربية (المغرب، مصر، الأردن، الإمارات، السعودية والسلطة الفلسطينية) إزاء التعامل مع التطورات الناجمة عن الموقف الأمريكي من القدس، إلى العلن هو الذي شجع دولا كالهندوراس وغواتيمالا على الإعلان عن نقل سفارتيهما لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كما شجع على تسريع وتيرة تسريب محتويات صفقة القرن التي بدأ وصفها بالمشؤومة.

وحسب مصادر فلسطينية وأردنية موثوقة، فإن الصفقة سيجري تقديمها بعناوين براقة ومغرية تساعد من يقبل بها على تسويقها، وذلك كما يلي :

- تتضمن صيغة "حل الدولتين" ولكن من دون أي ترسيم لحدودهما، التي تترك للمناقشة بين الطرفين وبدون سقف زمني ملزم لذلك، ولا أي مرجعية قانونية دولية؛ على أن يعلن الطرف الفلسطيني موافقته على ضم إسرائيل لحوالي 10% من أراضي الضفة الغربية حيث توجد كبرى المستوطنات (لا حديث عن تبادل أراضي كما كان مطروحا في السابق).

- تقدم معالجة لقضية اللاجئين تتحدث عنها بصيغة "حل عادل" لقضيتهم، ولكنها لا تسمح بتاتا بأي عودة لأراضي إسرائيل الحالية، وإنما برجوع جزئي لأراضي الدولة الفلسطينية الموعودة، فضلا عن مساعدة مالية دولية لتوطين بعضهم حيث هم، وخاصة في لبنان، ولدعم هجرة البعض الآخر إلى دول في العالم مفتوحة لهذا الغرض كأستراليا وكندا.

- تدعي من باب دس السم في العسل الحفاظ للجانب الفلسطيني على كرامته حين لا تطالبه بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ولكنها تتحدث عن ضرورة حث باقي دول العالم بمن فيها الدول العربية على الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل؛ الأمر الذي سيجد الفلسطينيون أنفسهم معه وحيدون في موقفهم.

- تفرض قبولا فلسطينيا وعربيا بتواجد إسرائيلي دائم في غور الأردن لمراقبة الحدود وبسيطرة جوية ومسؤولية أمنية كاملة من النهر إلى البحر لا تتوقف عند أي مظهر من مظاهر "السيادة الفلسطينية".

إن هذه المعطيات التي رشحت لحد الآن، والتي زكتها الأنباء المتداولة عن جولة نائب الرئيس الأمريكي في دول المنطقة تثبت أن صفقة القرن المنتظرة ستعمل على تضييق نطاق الاختيارات لدى الفلسطينيين وحشرهم بين القبول بحكم ذاتي أبدي للسكان وليس للأرض، أو السعي لإحياء الخيار الأردني عبر تأسيس كونفدرالية أردنية فلسطينية لا أحد يرى أنها قابلة للتحقق في الظروف الراهنة.

ولاشك أن كلا من الرفض الأردني الحاسم لما تسرب عن الصفقة، ولبعض المغريات التي قدمت له قصد قبولها، ورفض الفصائل الفلسطينية لها ومجاهرة البعض منها بمحاربتها يوحي بأنها صفقة من أجل التصفية لا من أجل التسوية.