الجمعة 18 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: الفساد هيكلي والعنف سيمدد في عمره والحكامة الاجتماعية والأمنية اشتراط وقائي

مصطفى المنوزي: الفساد هيكلي والعنف سيمدد في عمره والحكامة الاجتماعية والأمنية اشتراط وقائي

من الأخطاء القاتلة التي تقع فيها الحركات الاحتجاجية والتعبيرات الانتقادية، هي شخصنة الفساد وتجسيده في الأفراد.. والحال أن الأمر يتعلق باختراقه للطبقة السائدة المكونة من البورجوازية الزراعية وبقايا اقطاع.. والبورجوازية العليا التجارية والمالية والصناعية والعقارية، والبورجوازية العليا الإدارية والعسكرية وكبار الكائنات الانتخابية... لذلك سيظل مطلب إسقاط الفساد هشا إذا لم يتم ربطه بتصور عام واستراتيجي لبناء الدمقراطية بما فيها اعتبار التحالفات داخل الحركات الاجتماعية تحالفات تكتيكية سياسية وليست إيديولوجية... فالعلاقة مع التيارات الدينية ينبغي أن تراعي الاصطفاف الطبقي وسقف المطالب وأرضيات التأسيس، حتى لا تسقط في النزعة الانقلابية أو الانتهازية اليسارية البلانكية التي جرت معها آلاف الضحايا، وانتهزها الانتهازيون اليمينيون فرصة للركوب والاستثمار الانتخابوي، مما أعطانا نخبة فاسدة ومثقفين مأجورين وإعلاميين مسخرين وعملاء للخارج، لضرب كل ما هو شريف في هذا الوطن الغالي...

ألم يحن الوقت للتقييم والتقويم؟ وهل يكفي الحماس الذي قد يخبو في أي وقت في ظل تكالب أعداء التغيير وتحاملهم على التظاهر والتعبير السلمي الحضاري..؟ لذلك وجبت اليقظة الفكرية بالتحليل الملموس للواقع الملموس. وإلى ذلك الحين، ينبغي استمرار الدعم الحقوقي والإنساني للحركات دون وصاية حزبية... ويجب المراهنة على عدم تماهي المطالب الفئوية مع المطالب السياسية.. والعمل على التحاق الجماهير بالحراك وليس العكس... لأن إمكانيات التأطير ناقصة وغير نوعية، بغض النظر عن إمكانيات الانفلات أو التوظيف من طرف الدولة والجهات المناوئة للعمل الديموقراطي. وهل يمكن تجاهل الفساد التي استشرى في المجتمع كقيم اجتماعية وثقافية؟ لذلك فنحن بصدد حراك اجتماعي وسياسي مفتوح في شكل ثورة سلمية هادئة...

فحذار من أن تعطى الفرصة للأمنيين ليحولوها إلى ثورة "حمراء" بدون محتوي ثوري نوعي حقيقي لكي يربح الفساد الهيكلي عقودا اضافية من الحياة والتمديد.

من هنا كان لابد على مؤسسى الأكاديمية المدنية للعدالة الاجتماعية أن يتبنون الهدف السادس عشر ضمن أهداف التنمية المستدامة أي السلام و العدل و المؤسسات القوية ، فقد سبق وأن أكدت من جديد البلدان، خلال مؤتمر ريو+20 عام 2012، أهمية إدراج الحرية والسلام والأمن واحترام حقوق مؤكدين أن ثمة حاجة إلى المجتمعات التي يسود فيها العدل والديمقراطية بغية إنجاز التنمية المستدامة، والهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة الجديدة مخصص لتشجيع وجود المجتمعات السلمية الشاملة للجميع تحقيقا للتنمية المستدامة، وتوفير إمكانية اللجوء إلى القضاء أمام الجميع، والحد بدرجة كبيرة من جميع أشكال العنف وما يتصل به من معدلات الوفيات في كل مكان، وإنهاء إساءة المعاملة والاستغلال والاتجار بالبشر وجميع أشكال العنف ضد الأطفال وتعذيبهم وكذا تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع إلى العدالة، والحد بقدر كبير من التدفقات غير المشروعة للأموال والأسلحة، وتعزيز استرداد الأصول المسروقة وإعادتها ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة، بحلول عام 2030، والحد بدرجة كبيرة من الفساد والرشوة بجميع أشكالهما وتوسيع وتعزيز مشاركة البلدان النامية في مؤسسات الحوكمة العالمية بغض النظر عن توفير هوية قانونية للجميع، بما في ذلك تسجيل المواليد، بحلول عام 2030 .

ونظرا لنفسنا القصير وهشاشة الثقة تجاه إرادة «الصقور» في التغيير، لا نمانع، نحن معشر الإصلاحيين «المعتدلين» في التعاقد حول ميثاق للعدالة الاجتماعية الذي من شأنه تسهيل مأمورية بناء الدولة الاجتماعية في أفق بناء دولة الحق والدمقراطية. صحيح أن هناك إحساسا لدى النخبة ببطء ملموس في «الانتقالات»، ولكن ماذا عسانا نعمل لتفكيك نسق تقليداني تجذرت تمثلاته في عمق المجتمع والتاريخ، بنفس القدر الذي أنهكت فيه القوى الدمقراطية بسبب الحصار والقمع الممنهج الطويل الأمد، وتاهت معه بوصلة الزعماء التاريخيين والمثقفين، وانتعشت ثقافة التيئيس والإحباط والتكفير والتخوين، وكذا صفقات مبرمة داخل المجال السياسي المغلق والمحفوظ. وإذا كانت هذه المهام، بلورة ميثاق حول العدالة الاجتماعية، من المهام الحقوقية الصرفة، فإن هذا لا يخول الحق للوكالة عن الفاعلين السياسيين، وعلى الخصوص ذوي العلاقة المباشرة بصناعة القرار السياسي العمومي والأمني.