الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح:كيف يطلب بنكيران اللجوء السياسي

أبو أيمن الفارح:كيف يطلب بنكيران اللجوء السياسي

عندما يعارض السيد بنكيران الحكومة و ينتقد الممارسة السياسية لأحزاب ولفاعلين سياسيين وحتى التوجه العام للدولة من قضايا داخلية وخارجية ، من موقعه في حزب معارض- العدالة والتنمية- أو موقعه عضوا في  جماعة دينية-التوحيد والإصلاح- نعتبره تحصيل حاصل. لكن عندما يتحول موقف المعارض إلى سلوك، يساورنا الشك والقلق حول طبيعة نوايا الشخص ومواقفه الملتبسة من طبيعة العمل السياسي بالبلاد .

من دون شك ، عانى حزب العدالة والتنمية من بعض المضايقات في بداياته الأولى ، إلى حد نصحه بعدم تغطية كل الدوائر في الإنتخابات التشريعية  سنة  2002، هذا الإجراء الذي لم يكن ضروريا ، لماذا؟

1-حزب العدالة والتنمية لم يكن بالقوة التي سوقها به مؤسسه ومهندسه الدكتور الخطيب لدى القائمين على الشأن السياسي بالبلاد ، لأنه مهما كان ما من إحكام في التنظيم وقوة انتشار على الساحة ، وبالنظر لأسلوب التعامل الذي تنهجه مختلف أجهزة الدولة اتجاه الحركات السياسية والجماعات الدينية الغير معترف بها ، بشكل رسمي، لم يكن الحزب قادرا ، واقعيا وعمليا، على تغطية كل التراب الوطني، وأحيلكم بكل بساطة على المناطق الجنوبية للبلاد ، التي لم يكن للجماعات الدينية فيها أي وجود يذكر ، أورد هذا المعطى لوحده وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تفاديا لأي تشكيك عقيم في الطرح.

2- دفع  الدولة إلى الإعتقاد بإمكانية اختراق المؤسسة التشريعية من قبل بعض الأجنحة الإسلامية المتشددة من خلال الحزب الإسلامي الجديد ، ينم عن قصور في فهم جيد للنوايا الحقيقية لهذا الحزب وكشف وفهم أهدافه و أدوات عمله وأساليبه في سبيل الوصول إلى السلطة في مرحلة أولى والإنقضاض على الحكم في مرحلة ثانية.  

3- مهما بلغ اختلاف حزب العدالة والتنمية مع باقي الجماعات الدينية ، يبقى اختلاف شكليا ، حول أساليب العمل والنضال ، أما الجوهر فهو واحد ، تجسده المرجعيات والثوابت وهدف تحقيق الدولة الإسلامية في المغرب .

 هذه الخطة الذكية   حجزت وضمنت للحزب عددا مهما من المقاعد في المؤسسة التشريعية بدون خسائر، بل على العكس من ذلك أظهرت حزب العدالة والتنمية بصورة الحزب القوي المعارض الأول في البلاد ، القادر وحده على المواجهة وخلق التوازن مع النظام السياسي، في نظر عامة الشعب، وأعطت تطمينات ، لا تملك مفاتيحها ، للدولة  بكونها صمام أمان  وهو ما سيتبين لاحقا  من خلال ابتلاع  الجميع للطعم وتمكين حزب العدالة والتنمية  من العدد اللازم من المقاعد البرلمانية التي تسمح له بتشكيل حكومة.

لقد بلغ استغلال حزب العدالة والتنمية لأحداث ما يصطلح على تسميتها الربيع العربي ، حدود الابتزاز ، ساعدته في هذا المسعى ، المواقف الغامضة  لأحزاب اليسار والصف الديمقراطي ، حيث اتسمت مواقفها بالغموض ، مقابل موقف واضح لبنكيران وإخوانه ، اعتبر هذا الحراك تهديدا للبلاد، وهو الموقف الذي فعل فعله :

- في نفوس أحزاب اليسار بحيث أصيبوا بشبه حالة شلل من موقف غير منتظر من حزب يخلق أشباهه وإخوانه الفوضى في الشرق. صحيح كانت الأحداث ، أحداث الربيع، غير منتظرة بالنسبة للجميع ، لكنها لاتبدو كذلك بالنسبة لبنكيران وأصحابه.

-في نفوس القائمين على السلطة .

في الوقت الذي اعتبر فيه حزب العدالة والتنمية تعيين زعيمه بنكيران رئيسا للحكومة  ، إجراءا عاديا ومستحقا بالنظر لنتائج الانتخابات وحصوله على المرتبة الأولى ، اعتبره  الغالبية وصولا لايعكس حقيقة الواقع السياسي المغربي بالنظر للظروف الشبه استثنائية التي مرت فبها الانتخابات والمتمثلة بالأساس في تأثير الأحداث الدولية ، العربية على وجه الخصوص والضوضاء الإعلامية  في الحياة السياسية بالبلاد ولا أدل من المبادرة الملكية المتعلقة بالتغييرات الدستورية.

وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في ظل متغيرات جوهرية دولية ووطنية ، دولية متمثلة في مد قوي لتيارات إسلامية ووطنيا تتجسد في الدستور الجديد الذي تبنته المملكة في ظل الظروف التي تحدثنا عنها. هذه الأوضاع الجديدة تميل الكفة لفائدة رئيس الحكومة بنكيران الذي أعلن في قمة النشوة عن تحديد معدل نمو بعيد كل البعد عن الواقع الاقتصادي للبلاد وعن قدرات  وكفاءات حزب حديث عهد بالحكم والتسيير وهو ما عزاه العديد ، في البداية ، إلى السذاجة السياسية  واندفاع الرجل.

الكثير من المواقف والممارسات التي تم إرجاعها إلى الاندفاع والسذاجة ، تبين لاحقا بأنها تعبر عن حقيقة الشخص وعمقه السطحي السياسي الذي لا يخلو من دهاء ومكر. وكذلك ميول انتحارية في دفاعه عن سياسته التي ثبت فقرها وعجزها عن طرح الحلول والبدائل للقضايا التنموية والمشاكل الاجتماعية وضيق الصدر في الانفتاح على  المعارضة من نقابات وأحزاب، بل لا يتورع في مهاجمة  المعارضة  بما يتجاوز حدود اللياقة وحتى أعضاء حكومته لم يسلموا من ردوده المتشنجة ، وخطاباته التي تبدو موجهة ، ظاهريا، إلى المعنيين بالأمر من الوزراء والمسؤولين وكذلك إلى الاستهلاك الشعبوي ، لكنها تهدف إلى إلى أبعد من هذا وذاك بكثير، كما سنحاول تلمس هذا لاحقا.

عندما يتحدث رئيس حكومة بلد عن  الدولة العميقة التي تفرمل وتعطل حتى، عمل الحكومة وبعض المؤسسات وعندما يتحدث عن أحزاب خلقتها الدولة لمحاربة حزب رئيس الحكومة وفي نفس الوقت يتحدث عن كونه منتخبا من طرف الشعب، وعندما يخاطب وزراء في حكومته بقوله بأنه هو رئيس الحكومة ، في إشارة إلى وجود تحكم خارجي في وزراء حكومته ، كما هي واقعة وزير التعليم الذي وصل الحد برئيس الحكومة إلى تقريعه في البرلمان ، السيد بنكيران يعرف قواعد الحوار لكنه يريد أن يبلغ لآخرين عما يحدث في البلاد.كذلك السلطة الإدارية ووزارة الداخلية تعمل بشكل خارج عن سلطة رئيس الحكومة ، كما يحلو للسيد بنكيران أن يردد في مناسبات عديدة ن ويعيث قيادها وعمالها  وولاتها فسادا في البلاد بدون حسيب ولا رقيب ، ويدعوهم السيد الرئيس إلى احترام القانون في تعاملهم مع المواطنين ‘ في إشارة إلى تعطيل وتغييب القانون في البلاد.. القضاء غير مستقل ويسير حسب إملاءات جهات نافذة ، وزير المالية بوسعيد لم يسلم ، ليس من انتقادات رئيس الحكومة ولكن من اتهام بالمؤامرة . وزير الخارجية وحزبه الحليف في الحكومة  طالته اتهامات بمحاولة ضرب الحكومة وكونه أداة في يد جهات نافذة ، وزير الفلاحة السيد أخنوش يتهم بانتزاع ميزانية دعم العالم القروي من رئيس الحكومة ، كذا ؟؟ وتبقى أجمل تخريجة ، بلغة لاعبي كرة القدم، هي اتهام حزب الأصالة والمعاصرة بتلقي أموال من دول الخليج من أجل محاربة حزب العدالة والتنمية. هذا الخرف.

هل كان لحزب العدالة والتنمية ورئيسه بنكيران أن يجرؤ على التدخل في شؤون المملكة العربية السعودية وتوجيه النقد إليها وهو الذي كان يقبل أكتاف خادم الحرمين الشريفين ؟ في الوقت الذي يولي المغرب وجهه نحو الشرق ، يولي بنكيران ظهره للشرق ووجهه نحو حليفه الاستراتيجي أمريكا.

إن خطاب زعيم حزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة يهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد :

-العمل على استدرار عطف الطبقة الشعبية  من خلال خطاب المظلومية الشعبوي.

-يوجه خطابا للغرب وعلى رأسه أمريكا ، يبين فيه الوجه الديمقراطي الزائف للمغرب ، حيث لا وجود لحكومة سياسية ولا لأحزاب حقيقية ، فالوزراء متمردين على رئيسهم المباشر ويستمدون قوتهم من جهات أخرى ، في إشارة إلى محيط الملك وهو ليس سوى مجرد موظف في حكومة الملك ولا يملك سلطة القرار وكل السلط في يد الملك ومحيطه. لم يبق والحال هذه إلا أن يطلب السيد بنكيران اللجوء السياسي  ، لقد طال التذمر والتظلم أو بالأحرى ، الغزل.

يبدو أن أمريكا مقتنعة اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، بأن الوجه الحقيقي للمغرب هو ما يعمل بنكيران على إزالة النقاب عنه  والمثمتل حزب زعمه في كونه رئيس حكومة صوري وحكومة صورية وجدت للإستهلاك الخارجي .إنه عمل ممنهج يقوم على العمل على إفراغ النموذج السياسي المغربي من كل إيجابياته وإظهاره بمظهر النظام الزائف الذي يشكل فيه احتكار كل السلط من طرف الملك ومحيطه  ، الحقيقة التي يعمل بنكيران على إظهارها للخارج وبالخصوص لحليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الرسالة التي التقطتها هذه الأخيرة وصاغتها في تقريرها الحقوقي حول المغرب.