يخلص برنامج القناة الفرنسية الثالثة، المبثوت أمس 26 ماي 2016، إلى تسجيل صورة غريبة عن المغرب والمغاربة، ممعنة في التحريف والتدليس بنية مكشوفة للإساءة لكل من يحيا بدم مغربي خالص. فاعتمادا على "خبرة" الصحافية كاترين غراسيي المتورطة في ابتزاز ملك المغرب، وعلى شهود الزور الأشبه بكتيبة إعدام، قدم البرنامج بلادنا كما لو كانت هي الصومال أو إرتيريا أو كوريا الشمالية، حيث تقمع الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتهان كرامة الأفراد (المغربي حسب البرنامج لا يعيش سوى بدولارين يتيمين؟!).
هذا فقط ما التقطته عين البرنامج كما لو أن لا شيء قد حدث منذ استقلال المغرب، أو على الأقل خلال 16 سنة (الفترة التي تولى فيها الملك محمد السادس عرش البلاد). لا أوراش في المجالات الحيوية من استثمارات صناعية ومينائية وطرقية وعقار وتعمير وبنيات ثقافية وفنية، ولا مشاريع تنموية في كل جهات المغرب، ولا جهدا مبذولا في سبيل إغناء الترسانة القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما لو أن المغرب لم يشهد إصلاحا دستوريا جعله يواجه بسلاسة تداعيات ما يعرف بـ "الربيع العربي"، وحتى إذا ذكر أمر ما من ذلك فلغرض التبخيس وتحوير الغايات والقفز على الحقائق.
بنفس المستوى البذيء تعرض البرنامج لشخص الملك محمد السادس ليضعه في قفص الاتهام فقط بسبب ثروته، تماما كما لو كان الشخص الغني الوحيد في المملكة، وكما لو أن الملك قد راكم ثروته بفعل البطش واستغلال النفوذ، أو كما لو هرب شركاته باتجاه الخارج، وكما لو أن الثراء تهمة تضع صاحبها في مكان الشبهة مع سبق الإصرار والترصد.. والحال أن مصادر تلك الثروة واضح أصلها ومنشؤها لأنها نتاج تراكم في التاريخ، وفي مسالك الاستثمار المصرح بها، والمعروفة مواردها لدى الجميع والمدرجة في البورصة بشفافية واضحة، كما أنه يحرص على تسديد الضرائب ويفي بالحقوق الاجتماعية المتطلبة، علما بأن الهولدينغ الملكي كان قد تخلى عن العديد من القطاعات الاستثمارية، لكن البرنامج المذكور يتحدث كما لو أن شيئا من ذلك لم يحدث، وكما لو أن الثروة الحلال فعل ممنوع على من يتولى الشأن العام بالعالم العربي (أنظروا إلى المرشح الجمهوري الملياردير دونالد ترامب، وكيف تحتفي به القنوات الغربية وتحتفي بثروته في متابعاتها للسباق حول من سيفوز في الرئاسيات الأمريكية، في حين يعد ذلك حرام على العرب والمسلمين ولو كانت الثروة محققة في إطار مشروع).
إن الذين شاهدوا البرنامج لا يجدون عناء في الوقوف على الخلفية القبلية لفريق الإعداد، ولذلك ساورهم بكل تأكيد الإحساس بأنهم كانوا بصدد برنامج يتحدث عن دولة أخرى لا توجد في المساحة المغربية الممتدة جغرافيا من طنجة إلى الكويرة، ولكنها توجد فقط في مخيلة هؤلاء المختلين مهنيا وأخلاقيا، البعيدين عن نبض الشارع المغربي المعتز بملكه، وبتاريخه، وبمكانة بلاده في المحيط الإقليمي والدولي، والواعي بأن أشواطا هامة بذلها المغرب، وأن أشواطا أخرى تنتظره للتغلب على أعطابه الذاتية والموضوعية.
البرنامج - الفضيحة "شوهة" إعلامية في حالة تلبس، وهو إذ يسعى إلى الإساءة للمغرب والمغاربة، يكون يسيء إلى مهنة الإعلام كرسالة واختيارات، وإلى الإعلام الفرنسي، وإلى فرنسا روسو وديكارت ومونيسكيو وفولتير، مثلما يفضح بالملموس كتيبة العدم والإعدام، وكل المتعاونين مع هذا الصنف من الإعلام المشبوه.