Tuesday 29 April 2025
سياسة

المخطط الأمريكي لنسف أوتاد المغرب: الوحدة الترابية - المؤسسة الملكية - الجيش

المخطط الأمريكي لنسف أوتاد المغرب: الوحدة الترابية - المؤسسة الملكية - الجيش

"المغرب بلاد «السيبة» وبلاد «اللاقانون»، والمغاربة محكومون بقدرية قاهرة لا فكاك منها تتجلى في مؤسسة ملكية تخنق المجتمع وتجثم على الشعب كرها".

تلك هي إحدى الصور التي يرسمها تقرير وزارة الخارجية الامريكية حول حالة حقوق الإنسان ببلادنا، الصادر مؤخرا، والذي يضرب في العمق المؤسسة الملكية في المغرب، بادعاء ممارستها للتحكم الغاصب في الشأن العام المغربي، وبادعاء أن المغاربة ليس بإمكانهم تغيير البنية الدستورية الخاصة بنظام الحكم، أي النظام الملكي. ومعنى ذلك، وفق منطوق التقرير، أننا نعيش وضعية «حجر»، تماما كما  لو أن المغرب قد وجد على هذه الأرض بالصدفة، وهو ما يلغي ما قبل التاريخ المغربي الذي يعود إلى آلاف السنين، ويلغي بالتالي ما حدث منذ نشأة الدولة في القرن الثامن الميلادي وصولا إلى اليوم.

وحتى حين يذكر التقرير الأمازيغ بالاسم، فإنه لا يفعل ذلك باعتبارهم مكونا أساسيا ضمن النسيج الوطني المتماسك بالممارسة، وبقوة الدستور، ولكن باعتبارهم اثنية معزولة مقصاة، مرماة بها على الرصيف. وبنفس المنطق يتحدث عن الصحراويين. هكذا يتحدث عن النسيج الوطني مقسما إياه إلى الأمازيغ والصحراويين والمغاربة (؟!) الذين ينصبون في تقديره الكمائن لكل من الأمازيغ والصحراويين.

هنا يبرز الطابع التحريضي للتقرير بدفعه المغاربة إلى الثورة على المؤسسة الملكية من جهة، وبدفعهم إلى الثورة على المكونين الصحراوي والأمازيغي، وهو ما لم يحدث حتى في أعرق الدراسات الاستشراقية الموغلة في التزمت والعنصرية.

وبناء على هذا النوع من القراءة، نجد التقرير في تعرضه للوضع الحقوقي يميز بين حالته في الصحراء، وحالته في باقي جهات المغرب، وذلك في تنكر صارخ لما حدث على الأرض منذ تحرير الصحراء من بقايا الاستعمار الإسباني سنة 1975، ومنذ تبنيه لمشاريع تنموية، ولمقترحات حلول للنزاع المفتعل، وكان آخرها مقترحه للحكم الذاتي الموسع. بل الأفظع والأخطر أن تقرير الخارجية الأمريكية زاغ لأول مرة -حسب علمنا- عن قاموس الإدارة الأمريكية بشأن ملف الصحراء،إذ أن محرري التقرير لم يتحدثوا عن الصحراء كقطعة من التراب الوطني استرجعها المغرب عبر مسلسل طويل من النضال ضد المستعمر (الفرنسي والإسباني) وبعد مسار معقد من المفاوضات وإصرار المغرب على إدراج المف في الأمم المتحدة في ستينات القرن العشرين، بل يتحدث التقرير عن أن العسكر المغربي قام «بغزو الصحراء» بعد «جلاء» القوات العسكرية الإسبانية! أضف إلى ذلك أن التقرير لا يبخس فقط الجهد المغربي الرسمي السائر باتجاه التنمية، والتفاهم حول إيجاد الحلول لصالح المحيط الإقليمي والدولي، ولكنه يبخس كذلك مجهودات المؤسسات الوطنية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط وغيرهما من المؤسسات التي أرساها المغرب كآليات وكصيغة للتصالح مع ذاكرة الماضي، ومع رهانات المستقبل المتعلقة بحقوق الإنسان. وتتناقض كلية مع تصريحات لمسؤولين سامين أمريكيين أنفسهم.

أما مرجعيات التحليل فتفضح الغايات والمقاصد، ذلك أنها تستنسخ، بشكل كسول، تقارير سابقة أنجزتها من قبل مؤسسات «فريدم هاوس» و«هيومن رايتس» ومؤسسة «كينيدي» و«أمنيستي»، حيث المشترك هو ضرب المؤسسة الملكية ومحيط الملك، لأن الإدارة  الأمريكية ومرادفاتها في المنظمات الأممية تدرك أن قوة المغرب من قوة مؤسسة الملكية التي هي موضع توافق كل النسيج الوطني، بما تتمتع به من شرعيات التاريخ والاعتبار الوطني والحمولة الدينية ومقتضيات الدستور.

نضيف إلى كل هذه الاعتبارات تحريف كل اللقاءات التي أجرتها الإدارة الأمريكية مع السلطات المغربية، حيث لا نجد صدى لتلك اللقاءات التي كانت تهم المعطيات حول حالات حقوق الإنسان داخل التقرير، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية لا تعترف بالدولة المغربية ولا بمعطياتها ولا بمصداقيتها، وإلا كان عليها (وذلك أضعف الإيمان) أن تدرج في التقرير الرأي المعارض إلى جانب الرأي الرسمي توضيحا لما يعتبر خروقات وتبديدا لسوء الفهم.

هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل حول جدوى استمرار اللقاءات غير الرسمية INFORMEL بين المغرب والإدارة الأمريكية.

ولأن المغرب قد شق بالفعل قنوات التنمية داخل صحرائه، حيث تسجل التقارير الموضوعية وجود حياة حقيقية في الشارع الصحرواي، فقد لجأ التقرير إلى اقتناص حالات معزولة إما في شكل خروقات تافهة لحقوق الإنسان، أو حادث اعتقال شارد شكلي لتجعل منه الذريعة للقول بوجود التعذيب الممنهج والاختطاف المبرمج والاعتقال المفبرك، فقط من أجل ابتزاز المغرب واستفزازه.

كل هذه الاعتبارات تؤكد أن المغرب يوجد في ظرف صعب أمام تكاثر التهديدات من الجزائر والإدارة الأمريكية والبرلمان الأوربي والاتحاد الأوربي والمنظمات الدائرة في الفلك الأمريكي، ولذلك لا ينبغي للمغرب أن يظل مطمئنا لصدقه الذاتي، وللاكتفاء بأداء دبلوماسي أكدت الوقائع بأنه محتاج إلى إعادة النظر، حيث لا معنى لأن يستمر المغرب في الاعتماد على دبلوماسيين من نوع «الناطحة والمنطوحة» الذين يعتبرون المهمة الدبلوماسية استراحة آخر الوظيف، أو نزهة واسطة العمر، أو فقط حلا من حلول تقاسم الريع مع النخب السياسية بالبرلمان.

أمام المغرب إذن مهمة مواصلة بنائه الديمقراطي في شقه السياسي، وفي شقه التنموي عبر التغلب على أعطابه الذاتية، وأمام مهمة على وجه الاستعجال تفرض إعادة النظر في سلوكه الدبلوماسي بما يضمن تجديد أدائه وأطره، واختراق مساحات جديدة في المحافل الدولية يتم فيها إشراك كل مكونات المشهد الحزبي، الموالي منها والمعارض، بتظافر المجتمع المدني والمكون البرلماني، ولكن على أساس اختيار الكفاءات وليس الارتكاز على معيار تداول منتخبي الأحزاب وبرلمانييها. فنحن في حالة حرب وليس في نزهة، والأحزاب التي لم تستوعب هذه الحقيقة يتعين حلها، فشرط وجودنا اليوم رهين بطي ملف الصحراء بما يزكي حق المغرب والمغاربة.

إنه قدرنا الحقيقي القمين بمواجهة أقدارنا الكاذبة المصنوعة في أروقة خيانة حقيقة المغرب ومساعية لبناء مجتمع السلم في محيطه الوطني والإقليمي والدولي. ففي الوقت الذي كان السفير الأمريكي «الأسمر» المعتمد بالرباط «دوايت بوش» ضيفا فوق العادة على مهرجان «كَناوة» بالصويرة، ويتراقص هو وأندري أزولاي على إيقاعات طبول كَناوة، كانت الخارجية تدق «طبول الحرب» على المغرب، وتطبخ في «محابرها» السرية تقريرا ناريا يشبه التقارير «الكيدية» التي كانت تقصف بها أعداءها التقليديين في «روسيا» و«كوريا الشمالية» و"كوبا" و«روسيا»!! السفير الأمريكي كلما ارتفعت حماسته في الرقص تندى من جبينه آثار «الحبر» الأسود الذي صاغ به رؤساؤه التقرير «المسموم» ضد المغرب!!

(تفاصيل أوفى حول هذا الموضوع تقرأونها في العدد الحالي لأسبوعية "الوطن الآن" الموجود بالأكشاك)

une-Coul-1