الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل الساحلي: نصرة وإنصاف المستضعفين واجب إنساني وشرعي

مصطفى المتوكل الساحلي: نصرة وإنصاف المستضعفين واجب إنساني وشرعي مصطفى المتوكل الساحلي

أخرج الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ". عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

إن أهم أنواع الرصد والتتبع للمؤشرات والأوضاع ومآلاتها، والذي يدخل في إطار التنمية المستدامة والحلول الاستباقية وحتى الدراسات الاستراتيجية، يجب أن يهم مطالب وحاجات الناس ومشاكلهم وآلامهم ورغدهم ليس لإعداد احصائيات فقط، بل للإجابة والاستجابة الفعلية الملموسة قبل أن تتردى وتتحول الأوضاع والمشكلات إلى معضلات ترتفع معها تكلفة الإصلاح بارتفاع حجم الأضرار وفقدان الثقة... إن مرجع ومجال وأهداف الدراسات والسياسات يختلف باختلاف درجة القرب والبعد من عامة الشعب من فقراء ومحتاجين وشغيلة وكادحين، والطبقة الصغرى وحليفتهم الوسطى، وموقع طبقة الأغنياء والأثرياء وأصحاب النفوذ والامتيازات في علاقة مع مصالحهم بين مركز القرار الاقتصادي والسياسي، وبين ما يطلق عليه البورجوازية الوطنية التي تربط مصالحها بإنصاف للشعب وتعمل من أجل ازدهاره، والبورجوازية الأنانية  التي لا ترى إلا نفسها وتوسع ثرواتها.. فالثروة تحتاج إلى شغيلة تبنيها وتنميها وتترجمها إلى ثراء وتضاعفها بضع إلى عشرات أو مئات وآلاف المرات، ومداخيل وأجور العامة جزء أساسي محرك لعجلة الاقتصاد.. فلا يعقل أن يكد العامل ويصرف أجرته كاملة دون أن يستجيب لحاجياته وحاجيات أسرته الدنيا بسبب أنه ليس هو من يحدد الأجر ولا التعويض الملائمين، ولا هو من يرفع الأسعار  ..

لهذا فليس مقبولا الدفع بعدم العلم بوجود الفقر والفقراء، ولا عدم معرفة أسبابه ولا النتائج المترتبة عليه، ولا التساؤل والاستغراب  كلما احتج العمال الكادحون أو الفلاحون الصغار أو الذين لم يجدوا فرص شغل، وليس مستساغا تعليل  استمرار وجود من لا يستطيع إيجاد العلاج اللازم لأمراضه بسبب نقص بنية الاستقبال أو قلة التخصصات أو نقص في التجهيزات والإمكانيات، ولا الحديث عن اختلال في الشروط الإنسانية والأخلاقية، وليس من الحكمة في شيء استصغار موضوع تدهور منظومة التربية والتعليم في كل مستوياتها وأسلاكها.. ومن هنا نتحدث في السياسة عن اليسار واليمين ليس كما يتوهمه البعض ويبني عليه تعسفاته وغزواته السياسية "الدونكيشوطية" المغطاة بأساليب ترهيبية، فكما نتحدث في الدين عن حب المستضعفين ونصرتهم، والأخذ من الأثرياء لصالح الفقراء، وبـتقاسم وتشارك خيرات الوطن وبركاته ونعم الله التي جعلها في الأرض برا وبحرا وجوا، وبفتح أبواب الولوج في الاستثمار والإنتاج والأعمال المحققة لدخل يليق بكرامة وحسن عيش الجميع، إن الناس وخاصة منهم الذين يعدون الدراسات يتحدثون عن غناء مترف وفاحش، في مقابلة مع الفقر المدقع والمؤلم.. وفي هذا السياق قالت عائشة (رضي) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بـ "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر"، رواه البخاري.

لهذا نحن على يسار الظلم والاستبداد واحتكار الثروات من أجل الحد من تمدده وتسلطه وتطرفه وانحرافه لجعله مؤنسنا ومؤمنا بحق الآخرين في العيش الكريم والتمتع بالحرية ومطبقا فعليا لما يقوم عليه الإيمان الديني والقيم الإنسانية النبيلة... وفي نفس الوقت نحن على يمين الحق والعدل لتقوية العدالة الشاملة وإقرار الحرية الحقة، لهذا فهناك مصلحة وضرورة لوجود "محرار" و"مؤشر حي"، كلما تضرر الناس يرفع  سقف المطالب موضوعيا ويتوافق على سقف الإصلاح والتغيير والتنمية المستدامة، كما توضع كل الآليات الممكنة لتحقيق المبتغى، وهذا هو الذي يضمن التكامل ويرعى التوازن.. إنه لا يجوز أن نبحث عن تبرير لما يحصل لنا وعندنا، أو لغيرنا للهروب إلى الأمام أو التراجع إلى الخلف، أو تجميل أنفسنا لطمأنة الرأي العام، بل أن نسعى لفهم ما حصل ووقع بإعمال العقل والمنطق لإيجاد الحلول والأجوبة المستوعبة من العقل الجماعي والمتكاملة مع احترام وتقدير لقدراته، وتحقيق حاجاته ومتطلبات عيشه الكريم ..

إن من أهم ما يجعل قراءاتنا متينة وصامدة على الحق هو أن يكون الحب والصدق والموضوعية منطلقا في تفكيرنا وبحثنا واقتراحاتنا وأعمالنا وسياساتنا، واختيار أقرب الطرق للوصول للحقائق والنتائج المرجوة. إن الفهم السليم لواقع الحال والإيمان بعدالة المطالب والإنصاف والإسراع للعمل هو لب فهم وتطبيق الإيمان، فإن خالفت الحلول والإجراءات المقترحة مطامح الشعب المتضرر فذلك يعني غياب الموضوعية وعدم تقدير مستوى وطبيعة الأضرار التي قد تطال مصالح الدولة والناس قد يساهم ذلك في تأزيم الأوضاع والأحوال بتكتيكات لاتحل مشكلات بقدر ما تخفيها وتلبسها لبوسا إنشائيا لتصويرها بأنها الحل المنتظر استراتيجيا..؟؟ إن هذا الفقر والتفقير الذي يقض المضاجع، وهذا الخصاص الذي يضعف القوى، وهذا الجهل، والأمية المعرفية التي تعطل الوعي والقدرات، وهذه السياسات التي تعلن أنها مرحلية التنفيذ وجزئية المعالجة تسويفية للمطالب والحلول، والتي تطال كل شيء تجعل الأمل يضعف والضمير يتضرر ليصل البعض من الناس إلى قناعة خطيرة "أنا ثم أنا وبعدي الطوفان "...

إن خوصصة مكتسبات الناس وإراداتهم بالمزيد من سد الأبواب والنوافذ وتقنين الدخول وتحرير الخروج، بما في ذلك أن تسلب الحرية والإرادة والاستقلالية التي تقوم على المعرفة والعمل، فأن يصبح التعليم مكلفا وفوق طاقة العامة، وأن تلتهم الاسعار الأجر وتقضي على الادخار، وأن يصبح الحصول على فرصة عمل مرهقا ومحبطا، وأن يصبح العمل النقابي جزءا يمكن الاستغناء عنه بالمشهد الحواري والتشاوري وغير أساسي كضامن للتوازن في حدوده الدنيا بين قوى التغيير وأطراف "الممانعة" التي هي في هذه الحالة "معارضة سلبية" تتخوف وتتشدد في القبول بالإصلاح.. إن سياسات العشرية الأولى والثانية من القرن الواحد والعشرين ناء بكلكها غالبية الناس حتى أصبح من كان يصنف بورجوازيا صغيرا وحتى متوسطا غارقا في الديون ويدبر شهره يوما بيوم، ليس باستطاعته أن يلبي حتى حاجيات بيته التي كان وأهله متعودين عليها والتي كانت في المتناول.. إن سياسات التفقير والإضعاف هي أكبر اختلال يتسبب في تفكك المجتمع من جهة وحصول الاحتقان والتذمر، وظهور الاحتجاجات والمطالب الفئوية والترابية من جهة أخرى.. وهذا أمر يعلمه أهل الحل والعقد نظريا وعمليا..

إن ميراثنا الإيجابي وتاريخنا المتنور، لا يجب أن يترك تحت الأرجل التي لاعقل لها لتدهسه ثم تواريه الثرى، أو تحرفه وتشوهه مستحسنة لما فعلت وتفعل، في محاولات لا قناع الشعب بالأمس بأنهم "خير حكومة أخرجت للناس!!!".. وأن كل ما يقومون به وسيقدمون عليه هو الأفضل ولا بديل غيره..!! ولن يطمئن البعض منهم حتى يرجعنا لنكون في مستوى وعي وإدراك الإنسان الأول بالعالم الذي أكتشف بجبل إيغود بعمالة اليوسفية.

إن سلطة العقل والعلم والمعرفة والخير أهم وأفضل من سلطة الجهل وسلطة النفس والهوى، وأرقى من سلطة المال والجاه، وأجمل من سلطة القوي على الضعيف والانتهازي على المتعفف، من هنا فباب التقدم والاتزان والنجاح في كل المجالات هو بجعل سلطة العقل والعلم والحكمة هي الرائدة والسائدة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وقال علي بن إبي طالب "العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به: شركاء ثلاثة".