بعد تعنيف أستاذ ورزازات من طرف تلميذه ، مع ترويج فيديو جسد الظاهرة على المواقع الاجتماعية، اتخذ الأمن عدة إجراءات ضد التلاميذ الذين تبث أن قاموا بتعنيف الأساتذة أو الأطر الإدارية تجلت في الملاحقة و المتابعة، و تقديم المشتبه فيهم للعدالة ، كما أقدمت بعض النقابات على تنظيم وقفات احتجاجية تنديدا بما يتعرض له رجال التعليم من عنف بالمؤسسات التعليمية من طرف التلاميذ . لكن رغم كل تلك الإجراءات استمر العنف ضد الأساتذة في كل من الدار البيضاء و القنيطرة و فاس بل دخل بعض الآباء و بعض الأمهات على الخط ليمارسوا العنف على الأساتذة و الأستاذات. إذن أصبحنا أمام إشكالية معقدة عنوانها الرئيس هو " المدرسة بين تحدي سياسة تهميش الدولة و تراجع الدعم المجتمعي ".
كما أشرنا في تدوينات سابقة ( ما ذنب أستاذ ورزازات أن يعنف ؟ و يوم رمونا بأزهار الميموزا ..)، بأن النظام المخزني و معه الرجعية و أنصار التبعية للاستعمار الفرنسي عملوا على فرض سياسة تعليمية تتعارض و الاختيارات التي تبنتها الحركة الوطنية في بداية الاستقلال و التي كانت تهدف إلى التعميم و التوحيد و المغربة و التكوين و البحث العلمي ، و هي اختيارات جاءت منسجمة مع السياق العام الدولي الذي كان يعرف انتصارات لحركات التحرر و انهزام المد الاستعماري و أيضا فورة الحماس الشعبي غداة الاستقلال التي جاءت لدعم التمدرس و تعميمه على جميع الشرائح الاجتماعية و في كل الأوساط الحضرية و القروية و في البوادي و المناطق الجبلية . لقد كان لمطلب تعميم التعليم المكانة الأولى لدى الشعب المغربي. و إن الأرقام المسجلة لدى الوزارة حول تطور عملية التعميم تبين مدى سعي النظام المخزني، و أتباعه إلى كبح جماح الحماس الشعبي الذي تجند لبناء مدارس بالبوادي و تشجيعه و تعبئة الأسر من أجل تسجيل أبنائم بالمدرسة، حتى ارتفع عدد التلاميذ من الابتدائي من 20.000 (عشرون ألف ) تلميذا و تلميذة في عهد الاستعمار إلى مليون تلميذ في نهاية المخطط الخماسي (60 ــ 64 ). و منذ ذلك الحين بدأ ت السياسة التعليمية تعرف منعطفات خطيرة تجلت في معاكسة الطموح الشعبي في تعليم أبنائه باتخاذ مجموعة من الإجراءات ضد المدرسة المغربية منها عزلها عن محيطها الاجتماعي و الثقافي حتى لا تتفاعل معه و تشكل منارا فكريا و منهاجا علميا للتحليل العلمي لمظاهر الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ضد سيادة الفكر الخرافي الظلامي في وسط الشباب، فأصبحت المدرسة تقاوم السياسة التعليمية للنظام من خلال أطرها و الآباء بتحديهم لعوامل الفشل الدراسي و لهيمنة إيديولوجية النظام و برفضهم لتعليم طبقي. لكن النظام حول المدرسة من قطاع ينتج شبابا مكونا تكوينا شموليا و مندمجا يجعله مبادرا و غيورا على هويته و على و وطنه و صادقا و منتجا ، إلى قطاع ينتج البطالة و العقد النفسية و اليأس و الغش و الاستسلام للمظاهر السلبية في الحياة، أي الانحراف و التطرف، و ذلك عبر عملية تمرير تربية مغلفة بأيديولوجية تهدف إلى تكوين الشخصية وفق ما يخدم مصلحته ، أي شخصية تفتقد إلى المبادرة و إلى آليات التفاعل مع التحولات التي يعرفها المحيط الاجتماعي و أيضا التحولات التكنولوجية و العلمية على الصعيد العالمي بشكل إيجابي، و عمل على تحويل الأستاذ من باحث و منظر تربوي و مبادر و منشط و من رمز اجتماعي إلى شخص يصارع الإقصاء و التهميش من أجل الوجود و إلى ممرر تحت الإكراه لبرامج و مناهج يطغى عليها الحشو و الاستنساخ لتجارب فاشلة مرت منها دول عديدة . و في نفس الوقت تجد المدرسة نفسها أمام مجتمع ابتعد عن المدرسة مكرها بفعل سياسة الدولة الاجتماعية و الاقتصادية، حتى أن غالبية الأسر أصبحت غير قادرة، و خاصة بالبوادي ، على توفير الحاجيات الضرورية المرتبطة بالتمدرس لأبنائهم، مما جعل المدرسة أمام تحد آخر، ألا و هو الانتكاسة الاجتماعية و ما لها من دور على عملية التعليم و على رجاله .
إذن فالمدرسة اليوم، و بعد مسار طويل من الصراع بين الرغبة الشعبية و إرادة النظام المخزني، لم تعد تنتج إلا العنف الذي ينمو بشكل متزايد في وسطها بين المتعلم و أستاذه . و إن عودة المدرسة إلى مكانتها التربوية و العلمية التي تنتج العلاقات الوجدانية التربوية و العلمية تحتاج إلى ثورة ثقافية و اجتماعية لمصلحة البلاد و الأجيال.
- صافي الدين البدالي، محلل سياسي، ناشط حقوقي، وقيادي بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.