السبت 27 إبريل 2024
سياسة

عزيز خمريش: تأديب الولاة والعمال طغيان لمنطق التعليمات على حساب القانون

عزيز خمريش: تأديب الولاة والعمال طغيان لمنطق التعليمات على حساب القانون عزيز خمريش

كان لزلزال الحسيمة، الذي عصف برؤوس وزارية كبيرة، ارتدادات وصفت بالزلزال الثاني الذي شمل هذه المرة ولاة وعمالا ورجال سلطة.. لمناقشة هذا الموضوع اتصلت "أنفاس بريس" بالدكتور محمد عزيز خمريش، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسطات، وأجرت معه الحوار التالي:

+ كيف تقرأ هذا الزلزال الجديد من الإعفاءات في شوطه الثاني، والذي مس خدام الدولة من رجال السلطة من جميع أصنافهم؟

- في سابقة غريبة تعتبر الأولى من نوعها، أقدمت وزارة الداخلية، مؤخرا، على إعفاء مجموعة من العمال بذريعة الإهمال والتقصير في أداء المهام الوظيفية، وبغض النظر عن ملامسة الواقعة في شقها السياسي الذي اعتبره البعض (زلزال تسونامي) وغيرها من النعوت الفضفاضة، لابد من ملامسة الموضوع من زاويته القانونية التي تثير العديد من الإشكالات القابلة للقراءة النقدية: قرار الإعفاء مشوب بالتجاوز في استعمال السلطة، ويحمل في طياته العديد من العيوب، منها: عيب الاختصاص، عيب الشكل، عيب السبب، عيب مخالفة القانون، انعدام التعليل المنزل منزلة انعدامه، على اعتبار أن الأمر بالإعفاء مجرد رسالة إخبارية صادرة عن وزير الداخلية يشير فيها أن المعنيين ثم إعفاؤهم من مهامهم، وثم تكليف الكتاب العامون لتدبير العمالة أو الإقليم إلى حين تعيين عمال جدد.

+ لكن كيف ترى أن قرارات الإعفاء مشوبة بالعيوب في الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى اعتبارها تأتي في سياق ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

- نعم، أستحضر هنا ظهير 2008 المؤطر لرجال السلطة، الذي ينص على أن هؤلاء يعينون بمقتضى ظهير، ومن ثم فإن إعفاءهم بقرار وزاري يضرب في العمق مبدأ توازي الشكليات الذي يقر مضمونه أن الجهة التي تسمي هي الجهة التي تعزل، مما يجعل من هذا الأخير صادرا عن جهة غير مختصة بإصداره قانونا، إضافة إلى أن الظهير في حد ذاته يدمج بين المهمة والوظيفة، فهل يعتبر هذا القرار إعفاء من المهام أم عزلا من الوظيفة العمومية؟

+ هل يمكن الحديث عن إعفاء دون مرور من آلية المجلس التأديبي؟

- صحيح، ودعني أقول لك إن الضمانات التأديبية تقتضي أن كل محال على المجلس التأديبي قبل عزله أو إعفائه لابد من إخطاره بالتهم المنسوبة إليه ومنحه آجالا معقولة للاطلاع على ملفه لإعداد دفاعه، لكن في نازلة الحال تم قلب المعادلة رأسا على عقب إذ أصبح الإعفاء سابقا والتأديب لاحقا.. فما الجدوى من التأديب بعد إلغاء المركز القانوني. ومن نافلة القول، أن التقارير التي تم إعدادها من قبل المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للداخلية لا يمكن أن تكون قرآنا منزلا، بل الأكيد أنها تشوبها العديد من الاختلالات، وقضاة المجلس الأعلى لا يمكن أن يكونوا ملمين بجميع دواليب ودهاليز الإدارة، حيث أنه في الكثير من الأحيان تغيب عن تقاريرهم الدقة والموضوعية والتمكن، خاصة على مستوى الجوانب الفنية للعمل الإداري.

+ لكن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تحدثت بتركيز عن الإهمال والتقصير من طرف رجال السلطة المعنيين؟

- شبهة الإهمال والتقصير تبقى صعبة الإثبات، لأنها مفهوم فضفاض مغرق في العموميات والتساؤل المطروح.. لماذا لم يتم عرض هذه الملفات على القضاء، على اعتبار أن القرار المتخذ اعتبر أن الإدانة هي الأصل وأعدم قرينة البراءة مما يفيد أن دستور 2011 مجرد وهم للتغيير ليس إلا.

+ هل يمكن إجراء مقارنة على مستوى الأسباب والنتائج بين الزلزالين الأول الذي هم الوزراء، والثاني الذي يخص رجال السلطة؟

- تأسيسا على ما شرحته قبل قليل، أشير أنه لما تم إعفاء مجموعة من الوزراء السابقين بتهمة الإهمال والتقصير مع الاعتراف لهم بنظافة اليد، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات الذي لم يكن متوازنا في عمقه ومضمونه، وخلف العديد من الضحايا بعدما استثنى بشكل مقصود رئيس الحكومة السابق ووزير الفلاحة، إضافة إلى رئيس الجهة، وهؤلاء مسؤولون بشكل مباشر عن إشعال الحرائق والقلاقل الاجتماعية بمنطقة الريف، فنبيل بنعبد الله تم إعدامه سياسيا لقربه من بنكيران ولتجرؤه على انتقاد مؤسسي ورواد البام، أما حصاد فقد تمت التضحية به لأسباب مجهولة، رغم أنه من خدام المخزن الأوفياء، والبام خلق كي يكون في الحكومة، فوجد نفسه مكرها في المعارضة، ولم يقو على هزم العدالة والتنمية انتخابيا، رغم ما وفر له من الإمكانيات واللوجستيك والدعم المادي والمعنوي من السلطة، مما يفيد أن صناعة النخب وخلق الكيانات السياسية منهجية مفلسة غير قادرة على امتصاص غضب الشارع. كما أنه، ومن جهة أخرى، فتعيين العمال والولاة بشكل مباشر لا يراعي لا الكفاءة ولا المروءة ولا الاستقامة ولا الأخلاق، بقدر ما يراعي مسافة القرب من صناع القرار، حيث أن العديد منهم تم استثناؤهم من الإعفاء والمساءلة، نظرا لقربهم من الدوائر العليا رغم محدودية أدائهم وفشلهم الذريع في التدبير بسبب ضعف مستواهم الفكري ومحدودية أدائهم التنموي، إضافة إلى الإحساس بالكراهية تجاههم من قبل الساكنة المحلية، لأنهم يعتبرون العمالة أو الإقليم ضيعة خاصة بهم ورثوها أبا عن جد، أما المواطنون فهم مجرد رعاع لا يجوز استقبالهم والإنصات لهمومهم.. بل الأنكى من ذلك، أن العديد من هؤلاء المسؤولين مروا على دوائر نفوذهم الترابي مرور المغول والتتار على بغداد، فالمشاريع التنموية مجمدة كنتيجة حتمية للإغراق في التعقيدات الشكلانية وثقافة البلوكاج كلغة مفضلة لديهم. لهذا فالشارع ظل يغلي ويطالب برحيلهم ومحاسبتهم، لكن رغم ذلك، فإنهم يحضون بحصانة مطلقة، ولربما ستتم ترقيتهم أو التمديد لهم أو نقلهم إلى أقاليم وعمالات أخرى أغنى وأكثر جاذبية، في حين أثبتت التجربة أن العمال الذين لم يتدرجوا في أسلاك رجال السلطة، خاصة الذين تم استقدامهم من الإدارة المركزية أبانوا عن فشل ذريع في تدبير المشاريع التنموية والتواصل بشكل لائق يراعي كرامة المواطن، بل أكثر من ذلك، باتت عبارة "ارحل" تدون على الجدران مطالبة برحيلهم أو تنحيتهم دون جدوى. لكن حينما تشرع وزارة الداخلية في اتهام أبنائها بتهم واهية، سيؤدي الأمر لا محالة إلى الشعور بالإحباط واليأس، وستشعر البقية الباقية بالخوف والرعب وعدم القدرة على الخلق والإبداع، واتخاذ المبادرة مما سيؤدي إلى إعطاب وتعطيل المرفق العام برمته، فالمزاجية والعشوائية والانتقائية في إنزال العقاب تجعل المرء يفكر في شيء آخر ألا وهو انحلال الدولة.

ومن تم فربط المسؤولية بالمحاسبة لا يعني الإجهاز على المقتضيات القانونية والتضحية ببعض المسؤولين بالإدارة الترابية بتهم مهزوزة رغم نجاحهم في مهامهم لإلهاء الرأي العام عن قضاياه المصيرية، مما يجعل من هذا المسلك، مجرد حبة أسبرين مسكنة لا يتعدى عمرها الافتراضي ليلة واحدة، ولا يستطيع أحد بعد اليوم احتقار ذكاء المغاربة، هذه الوصفة الجاهزة لن تسهم في حل الأزمات، وأثبتت التجربة، أنه كلما تفاقمت الأوضاع وتنامت الاحتجاجات يتم تغيير مسؤول بمسؤول آخر لامتصاص الغضب، لكن النتائج تكون معكوسة أحيانا. ولقد تم سابقا تجريب تعيين عمال من مهندسي القناطر، باقتراحات من خارج وزارة الداخلية، والآن يتم تكرار نفس الأمر في لعبة مكرورة مكشوفة، قوامها أن معيار التعيين والتأديب والعزل هو مدى القرب من دوائر القرار بعيدا عن الكفاءة والاستحقاق والاستقامة لكنه إجراء واهم يؤجل ولا يحسم.

ويمكن القول، أنه توجد من بين العمال الذين طالهم التأديب كفاءات عالية مهنية واحترافية، وإذا كانت الدولة تبتغي من وراء هذا الإجراء التعسفي التمظهر بمظهر الحازم في تطبيق القانون، فإنها أخفقت في ذلك، لأن الرأي العام كشف المستور، باعتبار أن العقوبات المقررة ظاهرها التأديب وباطنها الانتقام وتصفيات الحسابات، لتكون بذلك قد خرقت مجموعة من الضمانات القانونية والحقوقية التي تضمنها المواثيق الدولية منها: إخطار المعنيين بالتهم المنسوبة إليهم، حق الاطلاع على الملف التأديبي ونسخه، حق الدفاع، ثم إن العزل أو الإعفاء لا يكون إلا بعد المثول أمام المجلس التأديبي وباستيفاء الشروط السالفة الذكر، مع ضرورة احترام شكلية تبويب العقوبات المقررة على سبيل الحصر والترتيب وهي كالتالي: الإنذار أو التوبيخ، القهقرة من الرتبة أو الدرجة، الحذف من لائحة الترقي، التوقيف المؤقت لمدة 6 أشهر مع الإبقاء على التعويضات العائلية، العزل النهائي طبقا للمادة 75 مكرر من النظام الأساسي لظهير 24 فبراير 1958 الذي تعود له الولاية العامة على سائر موظفي الدولة.. لذا يكون القرار المتخذ مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة لعيب السبب وهو الوقائع المادية التي لم تكن قائمة ولا ثابتة، عيب الشكل بكونه لم يحترم مبدأ توازي الشكليات باعتبار أن الجهة التي تسمي هي التي تعزل، عيب الاختصاص لكونه لم يصدر عن الجهة المختصة قانونا بإصداره عيب مخالفة القانون لأنه لم يحترم الضمانات التأديبية، بالإضافة إلى انعدام التعليل وهو الحيثيات والاعتبارات والملابسات التي جعلت من الإدارة تتخذ هذا الإجراء، وإفراغ ذلك مباشرة وكتابة في صلب القرار الإداري.. وبناء عليه، فإن جميع الأركان التكوينية والتأسيسية للتجاوز والشطط في استعمال السلطة قائمة بقوة، مما يجعل منها مذبحة قانونية انتقامية خطيرة ترتكب باسم القانون على مرآى ومسمع من الجميع. فهل يمكن أن تتدخل الجمعيات الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان لإيقاف هذا العبث وتمكين مواطنين مغاربة من حق الدفاع عن أنفسهم لدحض التهم المنسوبة إليهم، والتي ألصقها بهم وزير الداخلية؟ وهل يمكن أن يكون المجلس التأديبي المنعقد للبث في هذه الملفات جريئا وقادرا على رصد التجاوز والانحراف والتعسف واغتصاب السلطة، أم أنه سينساق وراء جوقة التطبيل والتبخير للخطاب الرسمي؟