الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: عمر بنجلون عنوان الثورة

صافي الدين البدالي: عمر بنجلون عنوان الثورة صافي الدين البدالي

أدرك عمر بنجلون بأن الثورة الفكرية أقوى من الثورة بالسلاح، لأن الثورة الفكرية وليدة الثورة الثقافية التي تؤمن للثورة استمرارها ورعاية أبنائها. فالثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ خلفت شعبا قويا وقف شامخا وصامدا أمام المد الإمبريالي. وها هي الصين الشعبية تفاجئ العالم اقتصاديا وسياسيا وصناعيا. لذلك كان لعمر منهاج ثوري ينبني على ثلاثة مرتكزات أساسية.. المرتكز الأول قوامه الخطاب المباشر الذي كان يروم إلى استهداف العقول عند الشباب المناضل والمتعاطف وإلى تنمية قدراتهم في التحليل العلمي لفهم الواقع المعاش حتى يكون نضالهم ذا مردودية سياسية في سبيل التغيير. فلكي يكون الشباب مثقفا واعدا ومالكا لأدوات التحليل العلمية، ويكون في مقدمة الثورة إلى جانب طبقة العاملة الواعية بدورها الطلائعي في التغيير، فإنه يحتاج إلى المثقف الثوري من طينة عمر بن جلون، الذي ظل يتجنب استهداف العواطف والغرائز من أجل شحن هؤلاء الشباب، لأنه كان يدرك بأن تداعيات الشحن لها خطورتها على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، ولأنها تعمل على تكوين عناصر بدون روح إنسانية، أو عناصر شعبوية تميع المشهد السياسي، وتحول حزب القوات الشعبية إلى حزب تتحكم فيه النزوات الشخصية والكذب على المواطن وجعله يعيش على الوهم، كما يحصل اليوم على مستوى المشهد السياسي، الذي أصبحت فيه الشعبوية هي العملة الرائجة كالسيجارة الممزوجة بالأفيون.

لقد كان يؤكد دائما بأن أي تغيير لن يكتمل دون مشاركة الجماهير الشعبية، وأن أي تغيير لن يكون حقيقيا، أولا دون الإرادة القوية لتصفية الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشبه الاستعمارية التي يطلق عليها التخلف.. وثانيا الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي الذي لا يمكن أن ينجح إلا بالاعتماد على الجماهير التي يجب أن تكون واعية بدورها في التغيير.. وثالثا لتحقيق هذه الأهداف لا بد من تنظيم حزبي تكون مقوماته ثورية.

أما المرتكز الثاني فهو يتميز بالارتباط العضوي بالطبقة العاملة من أجل تأطيرها وتكوينها، حتى تعي بواقعها وبدورها في التغيير، وتأهيلها لتكون ذات إرادة منها وإليها، ومستقلة عن أية وصاية بيروقراطية أو مخزنية، أي طبقة عاملة واعدة ومستعدة لتكون في طليعة التغيير. ولقد قال عمر في هذا المجال "يبدو من الأفيد أن نتناول التحليل بالرجوع إلى طبيعة الحركة النقابية منذ نشأتها ولنتلمس أسباب الشعارات التي تطغى على تحليلاتنا والتي كثيرا ما تجعل مناضلين يتنازعان ويتجادلان بالرغم من أنهما يتكلمان نفس اللغة لأن كلا منهما يعطي للكلمات مدلولا خاصا". ثم أضاف "لماذا يفرض دائما على الحركة النقابية أو الطبقة العاملة أسلوب المعركة؟ الواقعية أو غير الواقعية؟ التغامرية؟ هذا هو السؤال الحقيقي الذي يعني ضرورة تغيير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي السياسية حتى يتخلص العامل من هذه الأسئلة المفروضة عليه ويصيح صاحب الإنتاج"..

والمرتكز الثالث، فهو يتميز بمواجهة قوى التضليل والتحريف داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل وداخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي. إن هذه المميزات/ المرتكزات السياسية والنقابية كانت، وستظل، هي المدخل الحقيقي للثورة الحقيقية التي لن تأكل أبنائها، والتي لن تجد القوى الانتهازية مكانا لها فيه، وهذا ما سيدفع بالنظام إلى مواجهة هذه الثورة التي بدأت تدب في جسم الشباب، الذي بدأ يرتبط بالفكر الاشتراكي ويؤمن بالعمل الثوري من أجل التغيير الحقيقي، وفي جسم العمال الذين بدأوا يتحررون من الوصاية البيروقراطية، وبدأوا ينخرطون في العمل السياسي.

إن بطل هذا المشروع الثوري كان هو عمر بن جلون. لقد أدرك النظام وعملاؤه بأن عمر هو "عنوان الثورة". وأدركت القوى الظلامية بأن عمر هو الحامل للمشروع الثوري الذي سيفسد تطلعاتهم إلى السلطة. وبذلك يلتقي النظام المخزني والقوى الظلامية في الموعد من أجل إجهاض مشروع عمر. لكن كيف ذلك؟ لقد عمل النظام على تسخير عملائه في الجهاز البيروقراطي من أجل إبعاد عمر على مربع الطبقة العاملة من خلال التضييق، بل حتى التعنيف. وكان عمر واعيا بهذا المخطط، فلم يستسلم، بل ظل مرتبطا بالطبقة العاملة ماكثا وسطها، لإيمانه بخطورة تقسيمها وبخطورة تحويلها إلى قوة للابتزاز واللعب السياسي. لم تفلح بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل في زحزحة عمر من مكانه المشرق داخل العمال، بل ازداد عزيمة وتحديا ودينامكية أقوى. ومن جانب آخر عمل النظام على تجنيد فلول المد الأصولي من أجل مواجهة عمر بن جلون، عنوان الثورة القادمة. فما كان لهذه القوى الظلامية، بعد إذن النظام، إلا أن تغتال عمر في واضحة النهار وتحت أعين النظام التي لا تنام، وهي تلاحق وتراقب اليساريين في تلك المرحلة. وحقق النظام والقوى الظلامية هدفهما المشترك، ألا وهو مواجهة أي مشروع ثوري يهدف إلى تغيير الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبناء مجتمع تسود فيه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وها هو النظام وحلفاؤه التاريخيون من القوى الظلامية يتآمرون على الشعب المغربي من خلال برلمان وحكومة يقودانهما معا، ويحافظان من خلالهما على الكيانات القائمة، والتي تستنزف الشعب وتستعبده وتحرمه من حقه في تقرير مصيره بنفسه.

لذلك قتل عمر لأنه كان عنوان ثورة حقيقية، ولأنه كان يدرك مخططات النظام المخزني ومن ورائه الإمبريالية عدوة الشعوب. فما قتلوا ثورته مع اغتياله وما قتلوا فكره الأبدي بتنحية من الحياة وما انتصروا بغدرهم وجبنهم، ولكن أذنبوا في حق الشعب المغربي وفي حق الأمة العربية والإسلامية.. وسيظل دم عمر عنوان ثورة الشعب المغربي مهما طال الزمن.. وهو ما لم يدركه النظام والرجعية في هذا الوطن، أن الشعب لا يقتل ثورته، بل يحتفظ بها حتى تنمو لتظهر أقوى وأجدر ولتأخذ ثأرها لأبنائها.