السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

رضوان زهرو:"مجرد رئيس حكومة"

رضوان زهرو:"مجرد رئيس حكومة"

كثيرة ومهمة هي تلك السلطاتالتي منحها الدستورالمغربي لرئيس الحكومة؛ فيما يتعلق بمشاركته في بعض الاختصاصات المخولة للملك بصفته رئيسا للدولة،أو فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وبالسلطة التنفيذية وبالمجلس الأعلى للحسابات أو في إطارالعلاقة بين السلط أو مراجعة الدستور.  

  لكن ما استعمله رئيس حكومتنا من سلطاته الدستورية،طيلة الخمس سنوات الماضية،محدود جدا وتقليدي وغير ذي أهمية استراتيجية،وكأن دستور1996 لازال يحكمناإلى اليوم؛ فبعد تعيينه من طرف الملك، عرض أمام مجلسي البرلمان، مجتمعين، البرنامج الحكومي، والذيتضمن "الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية"(الفصل 47)؛وبمقتضى سلطته التنظيمية، تحمل رئيس الحكومة مسؤولية تنفيذ البرنامج الحكومي، وكذا تنفيذ القوانين (الفصل 89)،مع تفويضه بعض سلطه للوزراء (الفصل 90)؛ كماعين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية بالمؤسسات والمقاولات العمومية (الفصل 91)؛ ويرأس كل خميسالمجلس الحكومي ويتولى إطلاع رئيس الدولة على خلاصات مداولاته (الفصل 92)؛ ويقدم أجوبة الحكومة على الأسئلة البرلمانية المتعلقة بالسياسة العامة، خلال الثلاثين يوما الموالية على إحالة السؤال، وتخصص جلسة واحدة كل شهر لهذه الأسئلة (الفصل 100).   

   أما ما لم يستعمله رئيس حكومتنا من سلطاته الدستوريةالواسعة فكثير جدا،ويمكن تلخيصهفي ما يلي:

- طلب عقد جلسة لمجلس الوزراء، الذي ينعقد في الأصل بمبادرة من الملك (الفصل 48)؛ 

- رئاسة مجلس الوزراء، بتفويض من الملك، وبناء على جدول أعمال محدد (الفصل 48)؛

- رئاسة اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، بتفويض من الملك، ووفق جدول أعمال محدد أيضا (الفصل 54)؛

- ختم  دورة برلمانية بمرسوم، إذا استمرت جلسات المجلس أربعة أشهر على الأقل(الفصل 65)؛

- التدخل، بمرسوم، من أجل ختم دورة استثنائية للبرلمان، تعقد إلى جانب الدورات العادية،على أساس جدول أعمال محدد، بعد انتهاء مناقشة القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال (الفصل 66)؛

- الطلب من المجلسين عقد اجتماعات سرية،وإن كانت جلسات البرلمان، بمجلسيه، علنية، من الناحية المبدئية  (الفصل 68)؛ 

- التوقيع بالعطف على ظهير إعلان حالة الحصار (الفصل 74)؛

- التقدم باقتراح القوانين، وهو الحق المخول أيضا لأعضاء البرلمان (الفصل 78)؛

-طلب تدخل المحكمة الدستورية، من أجل البث في أي خلاف مع أحد مجلسي البرلمان، ينجم عن دفع الحكومة بعدم قبول كل مقترح أو تعديل، تعتبر أنه لا يدخل في مجال القانون. ويكون على المحكمة المعنية أن تبث، في أجل ثمانية أيام، في موضوع الطلب الذي يمكن أن يتقدم به أيضا أحد رئيسي المجلسين (الفصل 79)؛

- عرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، أمام مجلسي البرلمان، بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين، حيث تُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها (الفصل 101)؛

-  طلب تصويت بمنح الثقة، لدى مجلس النواب، من أجل مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه، وذلك وفق مسطرة دستورية محددة (الفصل 103)؛

- حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، كما يقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن، بصفة خاصة، دوافع قرار الحل وأهدافه" (الفصل 104)؛

-  الطلب، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الدولة،  باسم الفريق الحكومي، من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إصدار آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط (الفصل 113)؛

- إحالة، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الدولة، القوانين أوالاتفاقيات الدولية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور" (الفصل 132)؛

-تولى، كما هو الحال بالنسبة رئيس الدولة، متابعة أشغال  المجلس الأعلى للحسابات، ، وتتبع نتائج عمليات المراقبة والافتحاص التي يضطلع بها، وذلك من خلال التقارير السنوية التي يرفعها المجلس إليهما، والتي تتضمن بيانات عن جميع أعماله (الفصل 148) ؛

-اتخاذ، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الدولة، المبادرة قصد مراجعة الدستور، لكن وفق مساطر دستورية مختلفة (الفصول 172 – 173 – 174).

هذا التفريط في الاختصاصاتالدستورية من طرف رئيس الحكومةيبدو وكأنه إراديومتعمد ومع سبق إصرار،  حيت مافتئ يردد منذ تعيينهأول يوم،كونه مجرد رئيس حكومة”  لا أقل ولا أكتر،وبأنه يحبذ التعاون على الصراع ولا يرغب في التصادم مع جلالةالملك، وكأن تمسكه باختصاصاته كاملة يعاكس بالضرورة سلطات أعلى سلطة في البلاد، وهذا غير صحيح، وقد يعطي الانطباع كذلك بأن الملك هو المسؤول في آخر المطاف عن الفشل في تنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطياسليما،وأنما يقوم به رئيس الحكومة هو أقصى ما يمكن فعله، وهوالمتاح له والمسموح به، وماعلينا،نحن الشعب،إلا أنندرك ذلك ونستوعبه جيداوبالتالينتحلى بالصبروننتظرمع المنتظرين، ولايحق لنا بعد ذلك أنننتقدهأو نلومه أو نقومهأو حتى أنننصح له، عند أيخطأ منهأو تقصير؛فما بدا له أنه نجح فيه ولاقى تجاوباشعبيا إيجابيا وردود فعل حسنة، فهو منه ومن إبداعه، وما فشل فيه وتعثرفيإنجازه، فليس منه وإنما هومن الشيطان والعفريت والتمساحومن المعارضةومنبعض المشوشين والخائنين وكثير من مقاومي الإصلاح والتغيير، علما بأن مجرد رئيس الحكومة هذا تمكن، عندما أراد،وبإصرار شخصي منه ومنذ أول وهلة وفي وقت وجيز جدا، من اتخاذ قرارات وإصدارقوانين وسن إجراءات"شجاعة وحاسمة"،مارس فيها سلطاته كاملة غير منقوصة ولا مجردة،حتى وإن كانت قاسية وتقشفية ولا شعبيةأحيانا،تهدفبالدرجة الأولى إلىتحقيق التوازنات الماكرواقتصادية،وإخراج البلادمن مظاهر الاختناق الاقتصادي الذي عاشته قبيلتنصيبهذهالحكومة؛ من قبيلالعجزفي الميزانية العامة وفي ميزان المدفوعاتوتراكم المستحقات المتأخرة للدين الخارجيوتفاقمالدين العام الداخليوتناقص احتياطات النقد الأجنبي وعدم كفايتها لتمويل فاتورة الواردات. وذلكالتزاما وتنفيذا، بل وأحيانا تمجيدا وتنويهابإملاءاتالمنظمات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

 صندوق النقد الدوليهذا لم يقتصر تدخله فقط، وطيلة هذه الفترة، على توظيف الوسائل ذاتالطابع الاقتصادي، بل لجأ، في الكثير من الأحيان، إلى مقتضيات وتدابير ذات طبيعة سياسية واجتماعية وثقافية... - وهذا هو الأخطر- وهي مقتضيات وتدابير كثيرا ما كانت تحل محل السياسة الاقتصادية الوطنية، بل وتحد من سيادة الدولة واستقلاليتها على مستوى اتخاذ القرارات الحاسمة، منخلالمراقبته الصارمة لأداء الاقتصاد الوطني، حيت فرض على الحكومة )حتى وإن أنكرت ذلك (مجموعة من التدابير التي تنبني ٱساسا على ضرورة القيام بإصلاحات ومراجعات، لم تتوخ في غالبيتها إدخال أي تغييرات حقيقية وجذريةأو هيكلية على البنيات والاختيارات والتوجهات الأساسية والاستراتيجية، التي تقف وراء مظاهر الاختلال الاقتصادي والمالي؛ فالذي يهم هذا الصندوق - الذي وللتذكير، جميع تدخلاته وتجاربه في كلالدول التي مر منها، خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية تعتبركارتية ومريرةجدا على الاقتصاد وعلى المجتمع- (أقول)الذي يهمه هو كيف يمكن للدولة أن ترفع من مواردها المالية، حتى تتمكن من أداء ما عليها من ديونخارجية، وذلك عن طريق التخفيف التدريجي من عجز ميزان الأداءات، وذلك بالتحكم في النمو السريع للطلب الإجمالي (تخفيض الاستيرادوتجميد الأجور وتحرير الأسعار وبتشجيع وتطوير العرض (الرفع من الإنتاج المحلي وكذا من التصدير) ، من خلالالعملبكل الوسائل علىتحسين الطاقة الإنتاجية والرفع من فعالية عوامل الإنتاج وإعطاء فعالية أكبر لقطاع الصادرات وترشيد القطاع العام وتحديث القطاعين المالي والبنكي والنظام الضريبي. كذلك تخفيض الاستثماراتالعمومية، خاصة تلك الموجهة إلى قطاعات اجتماعية حيوية، كالصحة والتعليم والسكن والأمن والعدل... وحتى الاستثمارالعموميالذي يتم الالتزام به سنويا، غالبا ما يذهبللأسف الشديدلإنجازالبنياتالتحتيةالكبرى،ليكونالمستفيدالأكبرمنههيالمقاولاتالكبرىالوطنيةوالأجنبية،ولايصلتأثيره في غالب الأحيانإلىالفئاتالاجتماعيةالفقيرة،علىالأقل على المديينالقصيروالمتوسط . إنها حقيقةوضعية جد معقدةوذاتطابعبنيويترفعمنمعدلالعجزولاتسمحبالارتقاءبالاستثمارالعموميحتى يستطيع معالجةمظاهرالخصاصالاجتماعي٠

  لقد اختار رئيس الحكومة إجراءات وبرامجوخططعديدة ومتنوعة،منها ما هو ناجع وصائب، ومنها ما هو هامشي ومتناثر أحيانا، ومن دونأي خيط ناظم، ولا يرقى إلى مستوى ما يصطلح عليه ب"السياسة العمومية" الشاملة والمتكاملة والمندمجة، والتي تحقق الالتقائية بين مختلف القطاعات الحكومية ويمكن أنيكون لها الأثر البالغ في تغييرالبنيات المتخلفة؛السياسية والاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية، على المديين المتوسط والبعيد، كما أنها لا تلتقيفي الكثير من الأحيان ومصالح الغالبية العظمى من الشعب- وحتما سيكون لها تأثير بالغ على نتائج الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية القادمة - وعلى سبيل المثال فقط لا الحصر؛ الزيادة في الضرائب والأسعاروتجميد الأجوروالترقياتوتحرير سوق المحروقات والعمل بنظام المقايسة والاقتطاع من أجور المضربين، عملا بمبدأ الأجر مقابل العمل،في غياب قانون ينظم الإضراب،والإفراط في استعمال القوة في تفريق المتظاهرين والمحتجين،إضافة إلىالامتناع عن تفعيل الاتفاق الملزم بالتوظيف المباشر لمجموعة صغيرة جدامن المعطلين ذوو الشهادات الجامعية العليا،ثم عدم المرونة في إيجاد حل مناسب لما أصبح يسمى بأزمةالأساتذة المتدربين؛ أساتذة الغد، وفي إطلاق جولات الحوار الجاد الذي لا يمكن إلا أن يكون مفيدا، مع الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وكأن جهة ما أو شخص ما، لثقة الرئيس المفرطة فيه، تجده يأخذ بنصائحه ومشورته، وكأني به عندما يورطه، ينسحب ويتخلى عنه؛ فالرجل، ببرائته وطيبوبته وحسن ظنهفي الناسوكذلك قلة خبرته في تدبير الشأن العام،لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى، لا يكاد يرى الواقعجيدا وما آلت إليه الأوضاع، ليعمل على تصحيحها وتصويبها، وهذا ليس عيبا  في السياسة، بل هو الأصل وعين الصواب، في الوقت الذي نرى في فرنسا مثلا، في الأيام الأخيرة وتحت ضغط الشارع والأحزاب والنقابات كم من الإجراءات والقوانين تمت مراجعتها وتصحيحها، بل وسحبها تماما، كما وقع من خلال إيقاف رئيس الجمهورية للنقاش الدستوري بشأن إسقاط الجنسية عن المتورطين في عمليات إرهابية من ذوي الجنسيات المزدوجة من الأجانب، أو من خلال التراجع عن العديد من المقتضيات القانونية الأساسية التي وردت في النسخة الأولى لمشروع القانون الجديد للشغل٠ في الوقت الذي عجز فيهرئيس الحكومة، عن التمسك بسلطاته الدستورية، كاملة غير منقوصة والعض عليها بالنواجذ، مهما كلفه ذلك،وربما كان ذلك أحد الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها رئيس الحكومة،فلم يستطع، بعد مرور كل هذه المدة، وكما كان يتمنىهو،مباشرة الإصلاحالحقيقي والمنشود، والذي لطالماطالب به حزبهويطالب به الشعب المغربيكذلكحتى اليوم) إصلاح  العدالة وإصلاح الإدارة وإصلاحالمالية العامة وترشيد النفقات العمومية أو إصلاح صندوقالمقاصة ومنظومةالتقاعد أو إصلاح الأنظمة الضريبية البنكية والمالية، وإصلاح الإعلام والتعليموتطوير البحث العلمي٠٠٠ ( ومحاربة الرشوة والفسادوتخليق الحياة العامة وزرع الثقة فينفوس المواطنين والمستثمرين ورجال الأعمالوتحسين مناخ الأعمال، وتطبيق القانون وتفعيل مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة والامتياز بالاستحقاق،بعيدا عن المحسوبية والزبونية والحزبية والصحبة والزمالة والعائلية.

وفي الختام، يمكن القول بأن المشكل بالنسبة لبلادنا يكمن أساسا في البرامج الحكومية التي عادة ما تبنىعلى معطيات غير دقيقة، والتي قد تعطي الانطباع بأننا في وضع سياسيواقتصادي واجتماعي جيد، والحقيقة غير ذلكتماما. وهنا يكمن الخطر الحقيقي وسوء التقدير الكبيرمن طرف المسؤولين وصانعي القرار؛ فلتغيير الواقع ولرسم برامج وسياساتعمومية ناجعة ومناسبة لابد من أن ننطلق من معطيات دقيقة وحقيقية، وليس من أرقام ومؤشرات مغلوطة، مهدئة ومنومة ولا تخدم في شيء المصلحة العليا للبلادوإنما تخدم في المقابل مصالح زائفة؛ حزبية أوسياسية أو انتخابية ضيقة. وبذلكلم نهيئبلادنا بما فيه الكفاية لتقلباتالظرفية العالمية، حيت لا نتوفر على رؤية مستقبلية أو نظرة إستراتيجية، بعيدة الأمد وواضحة المعالم للتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي يعرفها العالم، كما أننا لم نبن "سياساتنا العمومية" انطلاقا من هذه التغيرات المتوقعة.