الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

محمد جدري: مؤسسة الطبقة المتوسطة.. هل هناك من يستهدفها ؟

محمد جدري: مؤسسة الطبقة المتوسطة.. هل هناك من يستهدفها ؟

تعتبر الطبقة المتوسطة في أي بلد في العالم بمثابة صمام أمان إجتماعي، مايفرض على الحكومات العمل على تبني أفكار إصلاحية وتنموية محورها الطبقة المتوسطة لكي يتحقق الأمن والرفاه والإستقرار الإجتماعي، وإلا فإن الأوضاع الأمنية و الإجتماعية ستكون "غير مطمئنة" وقابلة للإنفجار في أي وقت.

في نفس السياق، فإن خطاب العرش لسنة 2008، كان واضحا، إذ أكد على ضرورة أن يكون الهدف الإستراتيجي لكافة السياسات العمومية، هو توسيع الطبقة المتوسطة، لتشكل القاعدة العريضة وعماد الإستقرار والقوة المحركة للإنتاج و الإبداع.

قبل الخوض في جوهر نقاش الطبقة المتوسطة بالمغرب، لابد من سرد بعض المعطيات المتعلقة بها. إذ أن الدراسة التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط في الموضوع، تقسم الطبقات المجتمعية لثلاث طبقات، طبقة فقيرة تقدر ب 39.4% من الساكنة، طبقة غنية تقدر ب 3.2% و طبقة متوسطة تقدر ب 55.8%، أي مايفوق 17 مليون نسمة. للوهلة الأولى، يمكن اعتبار هذا الرقم كبير، لكن عند مطالعة تقرير دراسة المندوبية نلاحظ أنها تتكلم عن طبقات متوسطة وليست طبقة متوسطة واحدة، إذ نجد طبقة متوسطة دنيا، دخلها أقل من 3500 درهم شهريا، طبقة متوسطة عليا دخلها يفوق 5308 درهم و طبقة متوسطة وسطى دخلها بين الرقمين السالفين. أكثر من ذلك، هذا الرقم يبقى بعيدا عن الواقع عندما نكتشف أن أكثر من 80% من ثروة المغاربة هي فيد فئة قليلة لا تتعدى 2% من الساكنة.

بالرجوع لقراءة و تحليل السياسات العمومية التي طبقتها حكومة السيد عبد الإله بنكيران منذ يناير 2012 حتى يومنا هذا، يتبين أن هاته الحكومة لا تعطي للطبقة المتوسطة، أهمية تذكر، حيث أن هذه الأخيرة كانت المتضرر الأول من كل الإصلاحات المزعومة:

1- إصلاح صندوق المقاصة، يمكن اعتبار الطبقة المتوسطة أكبر متضرر من هذا الإصلاح، لسببين رئيسيين، أولاً، أن الطبقة الفقيرة لم تكن تستفيد أصلا من هذا الصندوق، طبقا لدراسة قام بها الصندوق نفسه، ثانيا، أن الطبقة الغنية لا يؤثر فيها وجود الصندوق من عدمه، بقدر ما يؤثر في ذلك الموظف، الذي يمتلك سيارة اقتصادية، وعليه تعبئة بنزينها بثمن السوق؛

2- إصلاح التقاعد، بنفس المنطق السابق، فإن الموظف هو من سيؤدي فاتورة الإصلاح، من خلال الرفع من اقتطاعه اليوم، و تقليص معاشه غداً؛

3- الرفع من الحد الأدنى للتقاعد إلى 1000 درهم، هو إجراء موجه للطبقة الفقيرة؛

4- الرفع من الحد الأدنى للأجور على مرحلتين، يوليوز 2014، بوليوز 2015، هو كذلك إجراء موجه الطبقة الفقيرة؛

5- الرفع من الحد الأدنى الأجر بالوظيفة العمومية إلى 3000 درهم، هو إجراء يحسب للموظفين الفقراء؛

6- دعم النساء المطلقات و الأرامل في حدود 1050 درهم، هو إجراء موجه للنساء المعوزات بدرجة أساسية؛

7- تعميم التغطية الصحية "راميد"، الطبقة المتوسطة غير معنية بهذا الإجراء، لأن نظام "راميد" موجه فقط للطبقة الفقيرة؛

8- غياب إصلاح ضريبي، تعتبر الطبقة المتوسطة، الطبقة الوحيدة التي لا يمكنها أن تتهرب ضريبيا و لا أن تغش ضريبيا، لسبب وحيد، لأن ضرائبها تقتطع من المنبع، عكس الطبقة الغنية التي تخضع لنظام التصريح أو الطبقة الفقيرة المعفية أصلا من الضريبة؛

9- التعويض عن فقدان الشغل في حدود الحد الأدنى للأجر، هو إجراء موجه أساسا للطبقة الفقيرة. لا أعتقد أن شخصا راتبه 8000 درهم، عند فقدانه لعمله، سيتم تعويضه في حدود 2300 درهم ولمدة 06 أشهر على أقصى تقدير أن يعتبر أن هذا الإجراء موجه له أساسا؛

10- تخصيص مبلغ مليار ونصف درهم لشراء الأدوية لفائدة الطبقة الفقيرة و محدودة الدخل؛

11- الرفع من المنحة الطلابية، إجراء يخص الطلبة المنتمين للطبقة محدودة الدخل؛

12- إعفاء المواطنين الفقراء من رسم دعم المجال السمعي البصري.

انطلاقا مما سبق يتبين جليا و بالملموس، أن الحكومة الحالية وجهت دعمها أساسا نحو الطبقات محدودة الدخل، ضاربة بعرض الحائط ماقد يترتب عن كل هاته الإجراءات من تدهور للطبقة المتوسطة. لكن السؤال المطروح، هل فعلا حكومة السيد عبد الإله بنكيران، تضع من أولوياتها محاربة الفقر و الهشاشة، أم أن إغفالها لدعم الطبقة المتوسطة هو سياسة متعمدة عن سبق إصرار و ترصد.

للإجابة عن هذا السؤال، وجب استحضار ثلاث نقط محورية:

النقطة الأولى، تتجلى في كون الحكومة تعلم علم اليقين أن الطبقة المتوسطة، طبقة لا تشبع بطبعها، بقدر ماأطعمتها سوف تطلب المزيد، وبالتالي الدخول في حلقة مفرغة؛

النقطة الثانية، تتجلى في كون الحكومة،تعلم أن أي إجراء لفائدة الطبقة الفقيرة مهما كانت بساطته، لا يمكنه إلا أن يكون في صالحها انتخابيا؛

النقطة الثالثة، تتجلى في علم الحكومة أن تأثير الفساد الإنتخابي يبقى محدودا لدى الطبقة المتوسطة عكس الطبقة الفقيرة، لذلك فإنها تحاول استمالتها نحوها عن طريق إجراءات ملموسة؛

ختاما، صحيح أن عدم دعم الطبقة المتوسطة قد تكون له آثار انتخابية إيجابية على المدى القصير، لكن الإستمرار في نهج نفس السياسات العمومية دون أي اعتبار للطبقة المتوسطة،قد يهدد الإستقرار والسلم الإجتماعي على المدى البعيد. وعليه، فإن الحكومة مطالبة اليوم قبل الغد بمراجعة و تعديل خططها الحالية و المستقبلية قبل أن تقع الفأس في الرأس.