الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: ما جدوى أن يكون التواصل جيدا وهادئا حول الكيف والمخدرات؟؟

مصطفى المنوزي: ما جدوى أن يكون التواصل جيدا وهادئا حول الكيف والمخدرات؟؟

منذ ما يفوق الأسبوعين كان أغلب صديقاتي وأصدقائي على علم بما يشبه أو يفوق اليقين على أن جهة طنجة تطوان الحسيمة قد حددت يومي الثامن عشر والتاسع عشر موعدا لتنظيم ندوة دولية حول الكيف والمخدرات، ولا أحد من هؤلاء الأصدقاء نبه بعضه البعض، على حد علمي، بصفتي مدعوا للمشاركة في الندوة، أو على الأقل أن يبدي تحفظاته والتمكين من بعض المعطيات، مثل ما يتم الترويج له حاليا.

وبغض النظر عما يقال أو يشاع، بالنسبة لي، كمعلومات لن تفيدنا في التوتر الحاصل، لأنها قدمت خارج الأجل، بصرف النظر عن ذلك، فالندوة عرفت سجالات حادة ونقاشات معرفية وتاريخية واستشرافية حول المنطقة وسكانها ومادة الكيف، ولا أحد من المشاركين خرج بخلاصة مركزية تروم صون المكتسبات الحقوقية والبحث عن بدائل قانونية بالتفكير في إلغاء المتابعات تجاه الفلاحين البسطاء للقنب الهندي وإعفاء المستهلكين للكيف أو الشيرة أو كافة المخدرات، على السواء، من المسؤولية الجنائية.

والنقاش اتجه إلى إشراك المعنيين بالأمر، وقد انتبه الحقوقيون، الذين كنا ضمنهم حاضرين، إلى أن موازين القوى على المستوى المحلي غير متكافئة، فالحضور القوي، على مستوى صناعة القرار، متوفر وشبه محتكر لدى «التجار»، والذين لهم امتدادات دولية وعابرة للقارات، أفقيا وعموديا، في حين يعيش الفلاحون حالة هلع يومي جراء فوبيا المتابعات والعقوبات والمطاردات.

هذا المعطى كان حافزا لدى الاتجاه العام للحضور لاشتراط حماية الطرف الضعيف في المعادلة، هذه الحماية التي لا يمكن أن تتأتى سوى بتعديل المنظومة التشريعية ثم إيجاد صيغة للعفو عن المستهلكين وتأهيلهم صحيا ونفسيا وكذلك نسخ العقوبات الصادرة عن العدالة، والنسخ لن يجد له سندا إلا في الدستور الذي حدد الجهات المخول لها صلاحيات إعلان التقادم أو العفو أو رد الاعتبار القانوني والقضائي.

ومن أجل تحصين مبدأ عدم الإفلات من العقاب، اشترطنا أن يتضمن النداء فقرة خاصة تؤكد على عدم التساهل والتسامح فيما يخص الجرائم المقترفة محليا ودوليا والتي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالمخدرات والإرهاب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

كان النقاش على أشده في نقطة البدائل التنموية، وللإشارة كان السجال الحاد والمتنافر أحيانا فيما بين «ممثلي الجمعيات» حتى لا أقول «ممثلي القبائل»، إلى درجة التعصب والشوفينية غير المفيدة وغير المنتجة للمستقبل المشترك. ومن يقرأ النداء سوف يستمزج الرأي العام للمشاركين، في حين حرصنا على أن يتم رفع الملتمس باسم المنظمين وحدهم، وهو ملتمس في آخر التحليل لا يضر أي طرف معين، ما عدا اللوبي الذي له مصلحة في استمرار نزعة المغرب غير النافع التي راكمت معها، كحقيقة سوسيولوجية، نزعة التحقير والوصم وثقافة التمييز والإهاب الأمني تجاه سكان منطقة الشمال المغربي كما هو الحال لبقية المغاربة في ربوع الوطن.

نعتز بأننا، كحقوقيين، كنا حرصين أشد الحرص على ضرورة تكريس عودة الدولة الاجتماعية والعدالة المجالية وتحقيق جبر الضرر الجماعي/ المجالي، دون التفريط أو التنازل عن دولة القانون، وهذا ما جعل بصمتنا ذات وقع قانوني وإنساني بمعناه المعياري للمواثيق الكونية لحقوق الإنسان داخل مقتضيات النداء.

فمزيدا من التروي والهدوء، فليس نداء طنجة إلا مسودة أرضية لتأطير مستقبل الحوار العمومي، قابلة للتطوير والتعديل وإنضاج عناصر التفكير في الحلول المنصفة والعادلة.. ولنساهم جميعا في تصفية البيئة الحقوقية والاجتماعية والسياسية.. ولننتظر مبادرة الدولة الآمنة غير المخيفة، بدل التفاف وحصار الدولة الأمنية غير الانسانية، وذلك عن طريق تبادل الثقة وإشاعة الطمأنينة بالمرافقة والتوعية كي ينخرط الجميع، انسجاما مع القاعدة المأثورة «لا تنمية تخصني إذا لم أكن شريكا حقيقيا في بلورة معالمها، من التخطيط إلى المساءلة بعد التنفيذ».