الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى نزيه: المغرب و روسيا و "الريال بوليتيك"

مصطفى نزيه: المغرب و روسيا و "الريال بوليتيك"

مما لاشك فيه ان العلاقات الاقتصادية و الدبلوماسية بين المغرب و روسيا كانت دائما جيدة، منذ أن كان الاتحاد السوفياتي قائما، و جمعت البلدين عبر التاريخ صداقة عريقة وتعاون مثمر. لكن الحديث عن شراكة اقتصادية شاملة و علاقات سياسية إستراتيجية نوعية لم يكن قد وصل بعد إلى المستوى المطلوب، مستوى أهمية البلدين جغرافيا و سياسيا و تاريخيا، كل في منطقته. و هنا تحضرني مقولة لجلالة المغفور له الحسن الثاني لما قارن، في إحدى الاستجوابات، السياسة بالفلاحة من حيث أن قضايا سياسية تحتاج للوقت الكافي، مثلها في ذلك مثل المواد و المنتجات الفلاحية، لكي تنضج و تصبح قابلة للاستغلال أو للطرح على الطاولة.

في هذا الإطار تأتي الزيارة الأخيرة الناجحة لجلالة الملك محمد السادس لروسيا الاتحادية دعما للمسار الذي اتخذته العلاقات الثنائية منذ الزيارة الأولى التي قام بها جلالته لموسكو سنة 2002.

صحيح انه خلال الحرب الباردة بين قائدي المعسكرين الشيوعي - الاشتراكي و الراسمالي - الليبيرالي، الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية، كانت القطبية تفرض التموقع في أحد المعسكرين و كنا، اذ ذاك في المغرب، محسوبين داخل القطب الليبيرالي. لكن، و هذا يحسب للتوجه الدبلوماسي و السياسي المغربي بفضل حكمة و تبصر ملوك المغرب، لم يسجل أي حادث بين البلدين على هذين المستويين يستحق الذكر رغم لجوء الجزائر و ليبيا - القذافي الى شراء السلاح السوفياتي و تسليمه إلى جماعة البوليزاريو الانفصالية إبان المواجهات المسلحة بين الدولة المغربية و هذه الجماعة من المرتزقة التي تطالب بفصل أقاليم من جنوب المملكة عن شمالها.  
و على هذا الأساس يمكن القول أن زيارة جلالة الملك محمد السادس الاخيرة لروسيا الفدرالية قد وضعت الأمور في نصابها الصحيح، كون ما ما تم الاتفاق عليه على المستويين السياسي و الاقتصادي لصالح البلدين يؤكد فعلا أن 
علاقاتهما الثنائية بلغت "مستوى نوعيا جيدا"، كما جاء في البيان الختامي الذي صدر عقب هذه الزيارة الرسمية. حيث ذكرت الوثيقة بأن الجانبين أرسيا شراكة استراتيجية معمقة، تروم المساهمة في السلم والاستقرار الإقليميين و الدوليين، والعمل من أجل الدفاع والحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلدين في إطار من التضامن والتشاور، والحفاظ على وحدتهما الترابية وتعزيز وحدتهما، وتطوير مبادرات للتعاون والشراكة على مجموع ترابهما.

مضمون البيان الختامي يعكس بشكل واضح توجه السياسة الواقعية أو "الريال بوليتيك" من الجانبين خاصة فيما يتعلق بالوحدة الترابية للمغرب و الأزمة السورية التي أبانت فيها روسيا عن علو كعبها.

و اذا كان الشيء بالشيء يذكر فان روسيا أعادت إلى الأذهان في الازمتين، السورية و الأوكرانية، أنها قوة عظمى استباقية، قادرة على التدخل العسكري و السياسي في بؤر التوتر لفرض سياستها و ارادتها و دعم حلفاءها الذين يمكنهم الاعتماد عليها و على مصداقيتها، على عكس التراخي الذي اظهره الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمتين و انطباع الضبابية في القرار الذي تركاه لذى الملاحظين. و هذا من شأنه أن يدفع أكثر من جهة في المنطقة العربية، على الأقل، إلى التفكير في موازنة التحالفات القائمة. و الله وحده يعلم، كما يقول التعبير الفرنسي، حجم الحاجة إلى هذه الموازنة بالنسبة للدول العربية.

فيما يخص الوحدة الترابية للمملكة، أكد البيان، الذي أشار كذلك إلى أن روسيا أخذت علما بالمشاريع السوسيو - اقتصادية التي أطلقها المغرب بالصحراء، أن موسكو تأخذ "بعين الاعتبار كما يجب" موقف المغرب بخصوص تسوية قضية الصحراء و ترفض أي خروج عن المعايير التي حددها مجلس الأمن لتسوية هذه القضية.

فروسيا، التي صرح وزير خارجيتها سيرغي لافروف بأن الاتفاقيات الموقعة في موسكو ستضاعف المبادلات بين البلدين، هي "شريك لامحيد عنه" للمملكة المغربية، يقول، من جهته، الوزير المغربي المنتدب في الخارجية ناصر بوريطة، الذي شدد على أن المغرب يقدر الموقف الثابت و البناء لفدرالية روسيا بخصوص قضية الصحراء.

و قد دعا المغرب و روسيا، فيما يخص الأزمة السورية، إلى تسوية سياسية و دبلوماسية نهائية لهذه الأزمة، كما جاء في البيان أيضا.

فإذا لاحظنا أن الاتفاقيات التي وقعت بيت الطرفين، بما فيها إحداث مجلس اقتصادي مغربي ـ روسي و التعاون في الحقل الديني بتكوين علماء روس في المغرب و محاربة الإرهاب و التطرف و تسليم المجرمين و الحماية المتبادلة للمعلومات المصنفة في الميدان العسكري و العسكري التقني، أتت في وقت يسعى فيه الجانب المغربي إلى تطوير و تنويع وجهات صادراته على خلفية الصعوبات مع شركائه التقليديين في الاتحاد الأوروبي، في الحين الذي تسعى فيه روسيا إلى تنويع وارداتها و صادراتها على خلفية ما واجهته مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية بعد تدخلها في أوكرانيا و مع تركيا بعد تدخلها في سورية، و إذا ما لاحظنا اتزان مواقف البلدين، في إطار من الواقعية السياسية حول سوريا و الصحراء المغربية على الخصوص، يتضح أن هذه الحزمة أو "الباك" السياسي و الاقتصادي يترجم فعلا أن العلاقات بينهما بلغت "مستوى نوعيا جيدا" للدفاع والحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلدين في إطار من التضامن و التشاور. و لا يستبعد أن نرى حصول نقط التقاء أخرى و توافقات يحتمل أن تتمخض عنها انعكاسات جيوستراتيجية في المستقبل.