الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي:المغرب-الاتحاد الأوروبي..الاستفزازات متواصلة مقلقة، والمستهدف تأجيج خلافات المنطقة

عبد القادر زاوي:المغرب-الاتحاد الأوروبي..الاستفزازات متواصلة مقلقة، والمستهدف تأجيج خلافات المنطقة

لن يتوقف الاتحاد الأوروبي عن سياسة استفزاز المغرب. مفوضته في الشؤون الخارجية فريديريكا موغريني التي أكدت التمسك بالاتفاقيات المبرمة مع المغرب، هي نفسها التي أعلنت امتثال مؤسسات الاتحاد لقرار المحكمة الأوروبية الذي تم استئنافه، وتم تسويق ذلك الاستئناف لنا كإنجاز، علما أنه مجرد درجة من درجات التقاضي التي تتضمنها جميع الأنظمة القضائية في العالم.

تعلم السيدة موغريني ذلك جيدا ؛ ولذلك أكدت على أنه إلى حين صدور قرار قضائي آخر في الاستئناف، فإن المؤسسات الأوروبية بمن فيها المفوضية لا يمكنها تجاهل القرار الأول انطلاقا من حرصها على احترام مبدإ استقلال القضاء، الذي لا توجد أي جهة أو مؤسسة في أوروبا تريد أو تستطيع المساس به.

ورغم تشبث المغرب بموقفه القاضي بوقف الاتصالات مع الجانب الأوروبي إلى حين إعادة النظر في الاستفزازات المتلاحقة، وتلويحه بتجميد ورقة التعاون الأمني الحيوية أوروبيا، فإن هذه الاستفزازات ستزداد وبشكل يدعو أكثر إلى القلق. ومن غير المستبعد أن تتخذ أنماطا جديدة، وقد تأتي من مؤسسات أخرى أو حتى من سلطات داخلية في بعض الدول على غرار ما حصل مع البرلمان السويدي قبل مدة.

بالاستناد إلى معلومات تتداولها مصادر دبلوماسية أوروبية عديدة، فإن الاتحاد الأوروبي مرتاح كثيرا إلى التعاون الأمني والاستخباراتي مع المغرب بشأن الإرهاب العابر لضفتي البحر الأبيض المتوسط، ولكنه يرى ذلك غير كاف ، تماما كما هو غير كاف في نظره الدور المغربي في معالجة الأزمة الليبية ، الذي اقتصر على الجانب الدبلوماسي والسياسي من خلال تسهيل الحوار في الصخيرات، والتدخل بين الفينة والأخرى لتقريب وجهات نظر المتحاورين.

إن الأوساط الأوروبية التي تقض مضجعها جحافل الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تخشى، بل تترقب تسارع وتيرة هذه الهجرة من الشواطئ الليبية مع اقتراب فصل الصيف، الذي تصفو فيه الأجواء وتهدأ أمواج البحر بشكل يغري على ركون قوارب المغامرة دون كبير مخاطرة.

ولهذا، فإن هذه الأوساط تسابق الزمن قصد تأمين الأجواء المناسبة لتدخل عسكري دولي لدعم حكومة الوفاق الوطني المشكلة حديثا عند استتباب الأمور لفائدتها، ومحاربة فرع داعش في شمال إفريقيا، الذي يخشون تمدده السريع، وتزايد قدراته على الضرب في القارة الأوروبية نفسها، سيما وأنه استعرض مؤخرا في الهجوم على مدينة بن قردان التونسية قدراته الكبيرة على المباغتة.

هذه القدرات البشرية والعسكرية أيضا، والتي أربكت الأمن التونسي المنهك جعلت أوساطا أوروبية ترى ما حصل من داعش مجرد تجربة أولية لنوايا لدى التنظيم من أجل اجتياح الجنوب التونسي كله، خاصة إذا ما تعرض لضربات جوية مكثفة على معاقله المنتشرة في عموم التراب الليبي. وقد أشارت أوساط صحفية جزائرية إلى ذلك أيضا.

وانطلاقا من تجربة محاربة داعش في كل من سوريا والعراق، يرى الأوروبيون أن الضربات الجوية وحدها محدودة النتائج. ولهذا السبب يدفعون في اتجاه تشكيل تحالف دولي يرتكز على قوات دولية برية تستطيع الدخول إلى ليبيا لمساعدة الحكومة الشرعية في تأمين المواقع التي ستنسحب منها داعش عند تكثيف الهجومات الجوية عليها.

غير أن أوروبا على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ليست راغبة ولا قادرة على النزول بقوات برية كبيرة من جيوش دولها في التراب الليبي، وتسعى بالمقابل بالإغراء وبالإكراه إن لزم الأمر إلى أن يتم ذلك من خلال قوات برية لدول الجوار الليبي، وأقدرها على ذلك حسب المعطيات الراهنة هي مصر والجزائر.

ونظرا لانشغال الجيش المصري إلى حد كبير في مواجهة جماعة أنصار بيت المقدس ( فرع داعش في سيناء )، فإن الأوروبيين يدفعون في اتجاه الاستعانة بالجيش الجزائري، الذي يعتبر إلى جانب الجيش المغربي أقل الجيوش العربية تأهبا واستنزافا مقارنة بما هو عليه الوضع في أقطار عربية أخرى، حيث الجيوش إما تفككت ( العراق، سوريا، ليبيا واليمن ) أو أنهكت بالانغماس في معارك وجبهات متعددة.

إن الحديث عن الجيش الجزائري من منظار أوروبي هو حديث عن 150 ألف جندي نظامي،  وعن مؤسسة مؤطرة لمجتمعها، اكتسبت خبرة واسعة في محاربة التطرف خلال الحقبة السوداء بالجزائر، ولها ميزانية ضخمة انتقلت من 2,6 مليار دولار سنة 2004 إلى ما يناهز 20 مليار دولار سنة 2014، وهو ما يمثل 15% من ميزانية الدولة في تلك السنة.

وتسود الدوائر الأوروبية المتعاملة مع دول شمال إفريقيا قناعة تامة بأن الجزائر جادة في موقفها الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا، وفي حثها لتونس على اتخاذ نفس الموقف، تماما كما هي جادة في رفضها الزج بجيشها خارج حدود بلاده متذرعة بنص دستوري يمنع ذلك، علما بأن هنالك استثناءات قد حصلت في السابق إما في شكل تضامن رمزي في حرب أكتوبر 1973، وفي شكل تعبئة قصوى لاجتياح تونس إن أقدمت على الوحدة مع ليبيا سنة 1974، كما في شكل عدائي في معركة أمغالا بالتراب المغربي سنة 1976.

فكيف يمكن استدراج الجيش الجزائري، ورفع منسوب القلق والتحفيز المستفز لديه ؟

في مطلع هذه السنة تأكدت الدوائر الأوروبية المعنية أنه ليس سهلا على الإطلاق زحزحة الجزائر عن هذا الموقف. لقد رفضت في يناير الماضي المشاركة في قوة التدخل السريع في منطقة الساحل المشكلة من كل من مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينافاسو بدعم من فرنسا، بل ذهبت إلى حد إيقاف نشاط عدد من هيئات التنظيم الإقليمي المسمى "مجموعة دول الميدان" الذي أسسته مع كل من النيجر وموريتانيا ومالي بموجب اتفاقية تامنراست سنة 2010، للتعبير عن امتعاضها من هذه الخطوة.

إذن فالجزائر التي تنشر حوالي 70 ألف جندي على حدودها الشرقية مع كل من ليبيا وتونس ، والتي كثفت تنسيقها الأمني الواسع مع هذه الأخيرة في أعقاب عملية بن قردان لن يستفزها للانغماس أكثر في ليبيا سوى الحضور الذي لا ترغب فيه هنالك بتاتا، ألا وهو الحضور المغربي الذي استطاعت إبعاده من إطار دول الجوار الليبي مع بدء الأزمة، ولكنه عاد إليها بشكل أكثر بروزا ومصداقية عبر حوار الصخيرات  بمباركة من الأمم المتحدة.

والمغرب بدوره ليس في وارد ولوج مغامرة كهذه وخاصة بقوات برية، ومن المحتمل أن يتذرع في الرفض بعدم توفر قواعد لوجيستية خلفية تسند قواته. قواعد لا يمكن أن تتوفر في ظل المعطيات الجغرافية والسياسية للمنطقة إلا في تونس، التي تبدي هي الأخرى رفضا لأي تدخل أجنبي واسع النطاق في ليبيا خشية أن تجد نفسها تستقبل رغما عنها آلاف النازحين من هناك، بما يشكل أعباء إضافية على كاهل اقتصادها المرهق أصلا.

وتعتقد الأوساط الأوروبية أن مساومة المغرب في قضية وحدته الترابية يمكنها تليين مواقفه ليشارك في تدخل عسكري عربي بري ولو محدود بغطاء من جامعة الدول العربية أو من الأمم المتحدة، مؤملة أن أي مشاركة مغربية فعلية في عملية كهذه ستدفع الجزائر إلى التفكير جديا بالمساهمة، خاصة وأنه يمكن تبرير ذلك بالاستجابة لطلب أمريكي تقدمت به واشنطن للجزائر سنة 2014 لتقديم تسهيلات لوجيستية (استخدام مطارات وموانئ) لتحالف دولي قد يشكل لمحاربة داعش في ليبيا إذا ما استفحل أمرها.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يروج في دوائر بحث أوروبية عن دور في منطقة الساحل والصحراء لفصائل من مرتزقة البوليزاريو في محاربة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي شبيه بدور المواجهة لداعش، الذي تقوم به البشمركة في العراق، ووحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، فإن بالإمكان الاستنتاج بأننا أمام توجه لإتمام عملية إرهاق واستنزاف لما تبقى من الجيوش العربية، وإشغالها في معارك قد لا تبقي منها غير الاسم.

وفي ظل معطيات كهذه يغدو أكبر من الصدفة تزامن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء المغربية مع توالي الاستفزازات الأوروبية. وما يغذي ذلك هو اعتبار البيت الأبيض الأمريكي تلك التصريحات نوعا من تأجيج نزاعات منطقة يسعى الجميع إلى تأمين أقصى درجات الاستقرار الممكنة فيها.

هل نحن إزاء مؤامرة ؟ لا تسمح المعطيات المتوفرة بالتوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، ولكن من الواجب سد أي ثغرة قد تنفذ منها. فقبل مناقشة المؤامرة تنبغي مناقشة الغباء الذي يمكن أن تنطلي عليه.