العدالة ميزان قائم على التوازن بين مجموعة من المؤسسات، منها المؤسسة القضائية، ومؤسسة الدفاع، ومؤسسة النيابة العامة، ومؤسسة كتابة الضبط ومساعدي القضاء.. ولا يمكن تصور توازن ميزان العدالة في حالة غياب احدى المؤسسات المشكلة لها أو في غياب الإيمان بتوازن أدوار المؤسسات المشار إليها. ذلك أن مؤسسة النيابة العامة يتجلى دورها في حماية النظام العام طبقا للقانون ومؤسسة الدفاع تتمثل وظيفتها في ضمان المحاكمة العادلة والولوج المستنير لها.. ومؤسسة قضاء الحكم يتجلى دوره في تطبيق القانون بشكل محايد. وفي هذا الإطار لا يمكن تصور التطبيق السليم للقانون من قاضي وهو في حالة غضب لانعدام الحياد في هذا الاطار، ولا يمكن تصور ضمان المساواة بين أطراف الدعوى في حالة تغييب دفاع أحد أطراف الدعوى لما في ذلك من مساس بالحق في الدفاع والحق في الولوج المستنير للعدالة.. وقد جاء في الفقرة 19 من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين على أنه لا يجوز لأي محكمة أو سلطة إدارية تعترف بالحق في الحصول على المشورة أن ترفض الاعتراف بحق أي محام في المثول أمامها نيابة عن موكله ما لم يكن هذا المحامي قد فقد أهليته طبقا للقوانين والممارسات الوطنية وطبقا لهده المبادئ.
ولا يمكن من جهة أخرى تصور العدالة إذا كان هناك تشنج بين المؤسسات المشكلة لها والضامنة لتوازن ميزانها، ذلك أن الغضب والتشنج غالبا ما يؤديان إلى ردود أفعال غير مؤسسة على المبادئ والأعراف والقوانين التي تنظم العلاقة بين المؤسسات المشكلة للعدالة.
وفي هذا الإطار فإن الدفاع ليس وكيلا لأطراف الدعوى بالمعنى الحرفي للكلمة، بل الدفاع مؤسسة قانونية مضبوطة بمبادئ حقوقية وقانونية وطنية ودولية، مسطرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الاشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والقواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشان دور المحامين.
وطبقا لهده القواعد والمبادئ الحقوقية والقانونية لا يمكن تصور، عقلا وقانونا، طرد مؤسسة من مؤسسات العدالة كالنيابة العامة أو محامي الدفاع أو كاتب الضبط من جلسة المحكمة، لأن بطردهم أو تغييبهم تصبح المحاكمة مختلة قانونا، ذلك أن المؤسسات القانونية أعلاه هي العدالة وقضاء الحكم بهذا المعنى هو مؤسسة من مؤسسات العدالة.
إن القراءة الحرفية والتجزيئية للنصوص غالبا ما يفرغها من روحها الحقوقية، هذه الروح التي تستشف من المقاربة الشمولية للقواعد المشكلة للنسق القانوني. وفي هذا الإطار، فإن المحاماة رسالة إنسانية ومؤسسة من مؤسسات العدالة تمارس طبقا لمقتضيات القانون المنظم لها مع مراعاة الحقوق المكتسبة -ويتعلق الأمر هنا بالوكلاء الشرعيين- وفق المادة 2 من قانون 08_28 وتبعا لذلك فالمادة 43 من قانون المسطرة المدنية لا تتحدث إطلاقا عن المحامين والمحاماة، هذا في الوقت الذي تحدثت فيه المادة 44 من نفس القانون عن الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق تمثيل الأطراف أمام القضاء وميزت بين الوكلاء الشرعيين والمحامين باستعمال قاعدة إذا تعلق الأمر بمحام حرر رئيس الجلسة محضرا وبعثه إلى نقيب الهيئة. وإذا هنا ظرف للمستقبل يتضمن معنى الشرط، أي اشتراط التصرف الواجب اتخاذه إذا تعلق الأمر بمؤسسة الدفاع مع استحضار أن المواد المشار إليها على علاتها تتضمن معطيات انتهت مع تطور الزمان وانتشار المبادئ الحقوقية الواجبة الاتباع.. فالحقوق المكتسبة انتهت بانتهاء الوكلاء الشرعيين وتحرير المحضر من المفروض أن يتم من طرف مؤسسة كتابة الضبط باعتبارها مؤسسة محايدة من مؤسسات العدالة.
ومن هذا المنظور، فإن تغييب دفاع أحد أطراف الدعوى هو ضرب في الصميم لمبدأ الولوج المستنير للعدالة المكفول قانونا للمتقاضي وليس لدفاعه.. إن حرمان المتهم من دفاعه، هو خرق لمبدأ المحاكمة العادلة التي تضمن لكل متهم الحق في مساعدة محام من اختياره بمجرد إلقاء القبض عليه.
إن الابتسام في وجه طرف دون طرف آخر في الدعوى هو خرق لمبدأ الحياد الواجب تجاه أطراف الدعوى. إن هدوء الأعصاب، وتجنب الانفعال، والتمسك بالأعراف والتقاليد المرعية بين مكونات العدالة، هو المدخل الأساسي والحقوقي لضمان حقوق وحريات مرتفقي جهاز العدالة. والأكيد أن أي مكون من مكونات مؤسسات العدالة تجرأ وأخل بالتزاماته ينبغي أن يحاسب طبقا للقوانين المنظمة لمؤسسات العدالة.
وفي الأخير، فإن الوكيل وكيل، والمحام محام، والمحكم محكم، والقاضي قاضي...