- من شر النفاثات في العقد
لو ذكرهم الله تعالى في سورة الفلق ذكوراً لذهب بي غيضي إلى أن أدرج تحت معنى ومغزى سورة الفلق: " قل أعوذ برب الفلق من شرق ما خلق، من شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد" كل فقهاء المملكة الذين " ينفثون في العقد" لتربية الفتن والبلاد لا حاجة لها. أتحدث عن بعض فقهاء المملكة.
بعد فقيه سلا يروج الآن تسجيل صوتي لرئيس المجلس العلمي بوجدة السيد مصطفى بن حمزة أكرمه الله. تسجيل كله إهانة، استخفاف، استهجان وإذلال للمغاربة الأمازيغ. يتساءل الفقيه عن عطاءات الأمازيغ ويستنتج أن لا شيىء لديهم وان كل ما يطالبون به مجرد " تخربيق " لا غير. اما فقيه سلا فكان ألطف نوعاً لانه على الأقل حصر الأمر في أهل الريف فقط ودعى لهم بالسلامة مع انه يعتقد ان زلزالهم جاء نتيجة فساد اخلاقهم. قبل هذا وذاك كان ابو زيد الإدريسي قد استهجن في تصريح له أهل سوس واعتبرهم دونيون وأقل شأناً من عرب المغرب. ولن أذكرهنا رئيس الحكومة و" فطور السوسي" ، لانه يتوجب علي أن أحترم الرئيس كيفما كان مع انني لست مالكياً يفضل الحاكم الطاغي عن عدمه. وبالصدفة عثرت هذه الأيام على تسجيل لفقيه جليل آخر لست أدري ما اسمه لانني لست من المهتمين كثيراً بالفقهاء الاجلاء، تسجيل يقول فيه صاحبه " هاذ السوسي... هاذ الروداني... ما نعرف منين جا" ويقصد هذا العالم (البلاد كلها علماء والحمد لله) السيد احمد التوفيق وزيرالأوقاف الشؤون الدينية. " هاذ الروداني"! كما لو ان الروداني او الورياغلي أو الوزازاتي لا يستحق ان يكون وزيراً. طيب، ماذا يريد هؤلاء وغيرهم كثر؟ هل يريدون أن يدخل امازيغ وعرب المغرب في لعبة " من انت أيها النذل" و " أنت من أيها الحقير"؟ ومتتبعوا شبكة التواصل الاجتماعي سيلاحظون ان هذه اللعبة قد انطلقت نسبياً وأتمنى أن تكون عواقبها وآثارها محدودة. دعوني أذكرهنا للعبرة بلحظة تاريخية قديمة ومن لا يعرف تاريخه فهو اعمى، لحظة انتفاض امازيغ المغرب بقيادة أبو ميسرة المطغري (أو المدغري) في نهاية النصف الاول من القرن الثامن ضد الأمراء الأمويين. لماذا ثار الامازيغ؟ ما الذي حدث وهم كانوا قد دخلوا الإسلام؟ للتوسع في الموضوع راجع بن خلدون وبن عذارى مثلاً.
الذي حدث هو ان الأمير أبو مسلمة الذي خلف أبا مهاجر كان يستخف بالامازيغ، يزدريهم، يظلمهم، يذلهم ويحتقرهم. قتله الأمازيغ في نهاية المطاف وعين امراء آخرون مكانه لكن الوضع لم يتغير إلى ان اضطر الامازيغ أن يعتنقوا الفكر الخارجي لمدة قرن احتجاجاً على سياسة الإذلال التي كان ينهجها الامويون الذين كانوا يعتقدون ان العرق العربي الأموي أفضل من كل الأعراق. بعد أن استفحلت الأمور قرر المطغري السفر إلى الشرق لتقديم شكواه إلى الخليفة غير أن المثل المغربي يقوم " أولاد عبد الواحد كلهم واحد". لم يشأ الخليفة ان يستقبل وفد المطغري الذي مكث في دمشق مدة أسبوعين. عاد المطغري بعدها وحمل السلاه والبقية تاريخ.
هذه اللحظة من التاريخ المشترك لعرب وامازيغ المغرب ليست هي الوحيدة من نوعها، بل سبقتها سلسلة من اللحظات أبان فيها العرب الأمويون عن سياستهم العنصرية. وقصة موسى بن نصير مع طارق بن زياد "فاتح" الأندلس معروفة، ثم قصة الإثنين مع الخليفة الاموي في دمشق معروفة ايضاً. هو تاريخ مليىء بالصراعات الإثنية سببها الأول والرئيسي هو الدوس على كرامة الامازيغ والكرامة هي من أهم ما يملك الإنسان في حياته مون كنوز. طيب، لنعد إلى الحاضر.
لن أنخرط في منطق علمائنا الأجلاء وأباشر لغة السب، القذف أوالاستهجان. لن انخرط في محاسبة عرب المغرب عما قدموه وما لم يقدمه لانني أشعر بنفسي جزءا من ذاك الكل الذي يصعب على أي منا ان ينفرد فيه بشيىء ما لوحده. فحينما نتحدث مثلاً عن امجاد البلاد وفي نظري هي قليلة، فلا أحد منا، عرباً وامازيغ، أنه هو من حقق تلك الامجاد. وحتى الخذلان وهو كثير لدينا في نظري، لا أحد منا يحق له أن يستثني نفسه منه ويتهم الآخر لكونه هو المسؤول. أجدادنا حققوا الامجاد، أجدادنا تخاذلوا، أجدادنا ماتو في سبيل الكرامة والحرية، أجدادنا ركعوا ....مثلنا مثل جميع شعوب الأرض. وأترك المؤرخين، ذوي العقول الكبيرة من امازيغ وعرب المغرب، ان يدلوا الفقيه بن حمزة وغيره عما أنتجه الأمازيغ على المستوى الفكري والعلمي قبل أن توضع نهاية قسرية لتاريخ حضارتهم مع دخول الإسلام إلى إفريقية. الأمر في نظري لا يحتمل المزايدات، فإن أثبت المؤرخون أن لأمازيغ المغرب حديثاً وقديماً عطاءات في جميع المجالات فليعدل الفقيه وغيره، وإن ثبت العكس فعلى الأمازيغ المغرب أن يستتروا وأنا شخصياً بن اتضايق إن ثبت هذا الأمر. لكن ان يهين مغربي مغربياً انطلاقاُ من إيديولوجيا عفنة نشأت مع الأمويين الإقاصائيين فهذا أمر ينبغي على المغاربة ألا يقبلوه وعلى الجهات المسؤولة التدخل من أجل الضبطـ وإلا جرفتنا السيول. لقد انتهى زمن إيديلوجيات الاستعلاء وتفضيل الناس بعضها على بعض أها الفقهاء المحترمين، والدمار الذي أحدثته النازية الألمانية ما تزال أروبا تحمل أآثاره. كفى، انتهى امر هذه الأوبئة.
- خطر يهدد المجتمع
أتابع من بعيد التطورات الأخيرة في البلاد وأرى من بعد أيضاً ان البلاد تعج بالنفافات في العقد. أقلق وأتسائل لوحدي: متى يعقل علماؤنا الأجلاء (أقصد فقط من يشارك منهم في النفث في العقد ولا أعمم) أن البلاد ستتضرر من مواقفهم وتصرحاتهم وانهم لا يملكون الحقيقة حتى يفرضونها على غيرهم. يكفرون، يدعون لسفك الدماء، يسبون، يصرخون ومنهم من يحطم أي شيىء يجده أمامه. وحينما أسمع كلام هؤلاء الفقهاء المحترمين واعود إلى كتاب الله أتساءل: تقيمون وتحكمون على الناس فتدعون لعقابهم! ما تركتم للباري تعالى يوم القيامة؟ ألم يقم ديننا على ثنائية الثواب والعقاب؟ على المحاسبة يوم القيامة؟ على الجنة وجهنم؟ من منا يملك حق معاقبة او مجازاة الآخرين عما يفعلونه دون الله سبحانه وتعالى. لقد كثر اللغط في السنين الأخيرة وأصبح المغاربة يتطالون على بعضهم باسم الدين وأصبح كل شيىء لدينا ديناً ونحن متخلفين حتى الثمالة.
قرأت على شبكة التواصل الاجتماعي رد فعل مؤذن مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء على تصريح احمد عصيد المتعلق بسورة الفاتحة. احترامي اولاً للمؤذن، صوته جميل ما شاء الله. لكن رده كان سخيفاً للغاية: شتم، سب وقذف، ثم سؤال " من انت حتى ...؟". ينسى المؤذن الكريم أن سؤال " من انت" قد يؤدي إلى الفتنة لانه سيقابل من الجهة الأخرى بنفس السؤال وسيكون للطرفين جوابه القطعي فتوقد النار. من الأجدر أن نناقش الأفكار التي توضع في السوق بغض النظر عمن وضعها، لنناقش ما يذهب إليه عصيد بكون سورة الفاتحة تتضمن آيات ولدت في سياق الصراع بين نبي الإسلام من جهة وبين اليهود والنصارى من جهة أخرى. كيف أفسر لجاري الهولندي أو الفرنسي الذي يحترمني ويقدرني على علاتي الكثيرة أنني أدعو له يومياً بالسوء؟ كيف أن نشرح لمواطنينا اليهود والمسحيين المغاربة اننا لا نكف في صلواتنا عن الدعاء لهم بكل الشرور؟ ما ذنبهم؟
- يفقهون في كل شيىء
بعض فقهائا يعتقد أن له الحق في قول أي شيىء.لنشير هنا للزمزمي، فارس الجزر واللفت. ضحكنا معه على تخلفنا دون ان ندرك أننا وصلنا إلى الدرج الأخير في سلم التخلف. كيف يقبل مجتمع كامل أن تهان ونساؤه من طرف فقيه يسمح لنفسه أن يفقه في كل شيىء؟ فقهاء آخرون يفتون أحياناً على شاشة التلفزين بالعاميات المغربية (عربية وامازيغية) بخرافات تزيد العباد تخلفاً. آخرون يلجئون الآن إلى شبكة التواصل الاتجتماعي لتعميم " حقائقهم"، يأتون بحاكايات غفلة من التاريخ ويعممونها بدون تمحيص. بعضهم يتحدث بهدوء رهيب وأخرون يصرخون من اجل النفاذ أكثر إلى العقول المستضعفة جهلاً او قهراً. يتحدثون في كل شيىء: في الطب، في الفلك، الفزياء، في الاقتصاد، في السيوكلوجيا ...إلخ. كل شيىء لديهم رأي قاطع وليس مجرد رأي فقط. اما على مستوى الأخلاق فالقضية مركبة اكثر من اللازم، يمسكون الثور من ذنبه لإرجاعه إلى الحضيرة المخربة.
لنرفع الآن التحدي إلى الأعلى. تظهر في الغرب باستمرار كتابات وابحاث تشرح الإسلام ديناً ونصوصاً، كتابات تعري المسكوت عنه لدينا بدءاً من تيودو نودلك، كريستوفر لوكسنبرغ، ناجل تيلمان ووصولاً إلى الفرنسي الأب إدوارد ماري كاليز. لماذا لا يتجنب علماؤنا نقاش الاكتشافات الجديدة في تاريخ النصوص الإسلامية وما احاطها من صراعات داخلية بين المسلمين؟ يكتفون فقط بالقول وبسهولة مخجلة أن كل هذه الكتابات غرضها هدم الإسلام. فرضاً أن الامر كذلك مع انني أشك، لماذا لا نحاجج ونناقش بدل الاكتفاء بالحل السحري: كل شيىء مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين. لقد ناقش المتكلمون في العصر العبااسي الأول المسيحيين من ورثة يوحنا المقدسي امثال تيودور أبو قرة وأبو رائطة التركيتي الذين كانوا يهاجمون الإسلام باستمرار. لم يكتف المتلكمون بموقف المعاصرين من اهل الدين، يعني الهروب من كل ما ومن لا يتفق معك حتى ولو كنت مخطئاً. لنهتم ياسدة بالأمور الكبرى ولنترك الصراخ والعويل والتذكير كل مرة ان الإسلام والمسلمين يخضعون لمؤامرة.
أمستردام، فبراير 2016