الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:نحن اليسار... لكن أي يسار؟

يوسف لهلالي:نحن اليسار... لكن أي يسار؟

"نحن اليسار «هذه الصرخة قام بها احداقطاب الحزب الاشتراكي واحد وزراء الحكومة ستيفان لوفول،تعكس عمق ألازمة التي يعيشها اليسار الفرنسي  الذي يعيش نقاشا حول ما هو اليسار الحقيقي والمعاصر؟ هذا النقاش يخترق كل اليسار بكل مكوناته سواء الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي او حزب الخضر بالإضافة الى مكونات يسار. مارتينو اوبري احد أقطاب الحزب الاشتراكي الفرنسي ووزيرة سابقة لا تتقاسم اراء التيار الذي يشرف على الحكومة بالحزب، واجابت بالقول " ان اليسار التقدمي والعصري هو نحن" في اجابتها على صرخة الناطق الرسمي باسم الحكومة وعلى الوزير الأول مانييل فالس الذي يقول "ان اليسار مهدد بالانقراض اذا لم يقم بالإصلاحات اللازمة".إذن من هو اليسار اليوم بفرنسا؟

هذه التحولات أوحالة القلق التي يعرفها اليسار الأوربي  بصفة عامة سواء في المانيا بعد حكم المستشار جيرهارد شرودر والإصلاحات الليبرالية التي قام بها والتي تستفيد منها ميركيل اليوم او النجاح الأخير لأقصى اليسار الاسباني بوديموسعلى المستوى المحلي والوطني والتراجع الذي بدأ يشهده اليسار الراديكالي اليوناني( بوديموس) بعد فشله في فرض آرائه على المندوبية الأوربية. لنعد الى فرنسا وسياق الجملة التي نطق بها ستيفان لوفول، "نحن اليسار" أمام الصحفيين مؤخرا، متسائلا "هل قامت حكومة فرنسوا هولند بالمس بالمكاسب ألاجتماعية للفرنسيين؟ هل طبقت سياسة التقشف كما هو جاري به العمل في العديد من الدول الاوربية؟ هل امام تهديد الإرهاب تخلينا عن دولة القانون؟"

جزء من يسار الحزب الاشتراكي مثل مارتينواوبري ،مونتوبرغ، هامو، توبيرا ومونتبورغ وحتى لا نذكر الا المعروفين منهم، لا ينظرون للحكومة التي يتزعمها حزبه بزعامة فرنسوا هولند بنفس النظرة، خاصة بعد المعركة الشرسة التي تمت حول اسقاط الجنسية عن مزدوجي المواطنة المدانين في عقوبات خطيرة واستثناء دوي الجنسية الواحدة من ذلك، خاصة ان اليمين المتطرف الفرنسي هو الذي كان يطالب بذلك وهو ما يمس مبدأ المساواة ويستهدف الفرنسيين من أصول اجنبية دون غيرهم. بالإضافة الى عدد من القرارات التي تستهدف الحريات الفردية خاصة في مجال التواصل والتي اتخذت في أجواء العمليات الإرهابية.بالاضافة إلى الموقف من الهجرة واللاجئين. لكن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي اتخذت الحكومة الحالية عدد من القارات الرمزية مثل الضرائب على الثروات وحرمان العائلات الغنية من بعض الامتيازات الاجتماعية لكن في نفس الوقت تريد اصلاح قانون الشغل حتى يصبح اكثر مرونة وهو الإصلاح الذي  تعارضه كل النقابات بما فيها الإصلاحية مثل "إس في دتي" وجزء من أعضاء الحزب الاشتراكي الحاكم بالا ضاف إلى مختلف مكونات اليسار.

لكن ما يعاكس الحكومة الاشتراكية وحلفاؤها هو انه رغم كل هذه الاصلاحات خاصة لصالح المقاولات من اجل تشجيعها على التشغيل، فانالبطالة في ارتفاع مند وصول الاشتراكيين إلى السطلة بباريس سنة 2012 وهو ما يحجب كل القرارات الرمزيةالتي ترمز الى اليسار بسبب ازمة البطالة.

هذه الجملة التي نطق بها احد اقطاب الحزب الحاكم ، حول من هو اليسار،هي لتعبير عن الغضب وعدم العرفان بالجميل من طرف شعب اليسارا بفرنسا، حيث يعتبر اقطاب اليسار الحاكم ان الانتقادات والاحتجاجات هي عدم اعتراف بما تحقق.حيث أن حكومته قامت بالعديد من الإصلاحات ذات الطابع الرمزي والتي تؤكد استمرار تعاقد اليسار واعطائه الاولوية للمساواة الاجتماعية. هذه المكاسب تعامل معها الرأي العام بشكل إيجابي من خلال نتائج الانتخابات الجهوية لكنه هذه الانتخابات كرست تراجع باقي اليسار خارج الحكومة.

هذه الصرخة لستيفان لوفول تعكس أيضا أزمة اليسار بفرنسا وبأوربا،  في اسبانيا واليونان يتقدم اقصى اليسار ويشارك في تحالف الحكم، في المانيا بعد إصلاحات شرودر فان ماركيل هي التي تجني المحاصيل من خلال الدفاع عن حد ادنى للأجر واستقبال لاجئي الحرب،  في فرنسا اليمين المتطرف هو من يتقدم رغم ان فرنسا استقبلت عدد ضئيلا من اللاجئين ولا مجال لمقارنته مع المانيا( 70 الف لاجئ مقابل مليون لاجئ بألمانيا).ماذا يقع لليسار بأوربا وفرنسا على الخصوص ؟. هل الازمة الاقتصادية الاوربية وتصاعد اليمين المتطرف افقد اليسار بوصلته؟ "نحن اليسار" لكن أي يسار؟ يسار السوسيوديمقراطيين أو يسار الليبراليين والاجتماعيين؟ أم اليسار الجدري؟ نعرف ان الفرنسيين ناهضوا الطريق الثالث لطوني بلير والاشتراكية الجديدة لشرودر التي تسعى الموازنة بين الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية. لكن ماذا يقدم اليسار الفرنسي الذي تعتبره باقي الأسرة الاشتراكية باوربا يسارا تقليديا يؤمن بدور الدولة المحوري في كل القطاعات.

الصراع داخل الحزب  الاشتراكي الفرنسي او مع باقي العائلة اليسارية بباريس لم يعد يتم من خلال تيارات وتوجهات بل اليوم اصبح نقاشا فلسفيا حول من هو اليسار ؟ وهذا الخلاف مس حتى حلفاء الحزب اليوم ولم يعد يقتصر على الحزب لوحده.لكن هذه السؤال لن يجد جوابا في ظل ظروف الانتخابات الرئاسية التي تعقد في بحر أربعة عشرا شهرا المقبلة ليبقى السؤال مطروحا من هو اليسار بفرنسا؟