الأربعاء 24 إبريل 2024
رياضة

الأستاذ محمد النوري يكتب عن: الرياضة المغربية ومكر التاريخ (1)

الأستاذ محمد النوري يكتب عن: الرياضة المغربية ومكر التاريخ (1)

ننشر الحلقة الأولى من سلسلة  ثماني حلقات، نتناول من خلالها مجموعة من المواقف والقراءات عبر عنها بصدق ووفاء وإخلاص الفاعل المدني والجمعوي والرياضي الإطار محمد النوري، تقدمها "أنفاس بريس" للقراء لإنعاش ذاكرتنا الرياضية الوطنية ونستخلص منها العبر.. مواقف تتضمن قضايا الرياضة والرياضيين، استحضر من خلالها محمد النوري مسار الرياضة عبر التاريخ والذاكرة الشعبية، مرورا بالنبش في كونها كانت مدخلا نضاليا للوطنيين ضد المستعمر، بعد أن حولتها مافيا الريع لمستنقع متعفن تستفيد منه "نخبة الرياضة" ضدا على تطلعات الشعب المغربي وإقصائه من التمرين على الآليات الديمقراطية بواسطة الرياضة وإشراكه في قراراتها مما انعكس على جميع الرياضات الجماعية سلبا وتدحرجت من الريادة نحو الردة.. فما هي إذا خلاصات الفشل الرياضي، حسب النوري؟

بعض المؤرخين يغتصبون التاريخ حينما يعتبرون أن الرياضة المغربية عرفت وجودها مع دخول الاستعمار، في حين أن الرياضة باعتبارها نشاطا بدنيا ارتبطت هويتها مع ظهور البشرية على وجه الأرض.. هؤلاء المؤرخون هم في واقع الأمر يؤرخون للرياضة العصرية المتعارف عليها دوليا، ولكنهم حينما يغفلون عن قصد الموروث الثقافي والاجتماعي الذي كان يعرف أنشطة بدنية بعضها يرتبط بالأشغال المطلوبة للعيش (الصيد والقنص وركوب الخيل لملاحقة الأعداء أو القطيع، العوم لقطع الوديان إلى الضفاف الأخرى أو للوصول إلى القوارب التي ترسو بعيدة عن الشط ..) أو تلك التي تتعلق بالترفيه وتزجية الوقت، وهي عديدة تختلف من منطقة إلى أخرى، منها ما يتعلق بالمبارزة أو "لعباز" (لمشاوشة) بالمفهوم الشعبي، أو ما يتعلق بسباقات العدو التي تجرى ما بين الدواوير والمداشر المتقاربة، أو التزحلق بالنسبة لساكني الجبال والتي كانت تمارس عادة على أخشاب تصنع من أشجار الغابات... زيادة على ألعاب أخرى تشبه من حيث الشكل رياضة الكولف والتي تسمى "شيرة" (الكسرة على الشين والشدة على الراء)، وألعاب أخرى مثل لعبة "سرح" ( الفتحة على السين والشدة على الراء) أو لعبة "جمال بوك"، وهي لعبة جماعية تمنع الهجوم على شخص يتخذ هيئة جمل مقرفص في نقطة معينة.. وهناك رياضات أخرى تتعلق بالتصويب لإصابة الهدف سواء بالحجارة أو العصي أو النبال، وألعاب أخرى كثيرة كان يمارسها الرعاة في الحقول والبراري، والتي كانت تختلف حسب المناطق أو حسب فصول السنة منها ما هو صيفي وما هو شتوي.. هذا بالإضافة إلى لعبة "كوم بالكمايم"، والتي كانت تغري لاعبيها وقت الشتاء حينما تكون الأرض غير لزجة وتسمح بالتخطيط لرسم حدود انطلاق رمي الحجرات في الحفرة، والفريق الذي يستطيع أن يكون عدد أحجاره أكثر من الفريق الآخر يكون هو الرابح .

لا يسمح هذا الحيز بتعداد كل الألعاب التقليدية التي كانت تمارس كرياضات فردية وجماعية، لكن يمكن أن نذكر منه "طرز" (برفع الطاء) ، ولعبة "هيه" والسباقات على ظهور الخيل أو الحمير أو الجمال.. ومن أجمل الطقوس والعادات المرتبطة بالعمل نذكر بـ "التويزة" والتي كانت تجمع بين العمل والرياضة حين درس الذرة، والتي كانت تجمع الأقوياء الذين يحملون أعمدة ثقيلة ينزلون بها على أكوام الذرة حتى يفصلونها عن عظامها، وكانوا يغنون في نفس الوقت أو يهللون لإعطاء إيقاع خاص للعملية.. رياضات أخرى كانت مرتبطة ببعض الطقوس الدينية بالزوايا الصوفية أو ببعض التقاليد الإفريقية المحضة التي كانت تقام بصفة دورية تسعي إلى الرقص أو الجدبة في سبيل التعرق وإفراغ تلك الشحنات السالبة التي تعطي في الأخير راحة نفسية للمجذوبين وإن كان البعض يعتبرها طقوس لإخراج الجن .

على أي أن بعض النجاحات الحالية في بعض الرياضات يعود إلى هذا الموروث الشعبي التقليدي، وليس غريبا أن نجد أنفسنا بارعين في العدو (العاب القوى) أو المبارزة (الملاكمة) ولا نجدها في كرة القدم أو كرة السلة مثلا.. من هنا نستخلص أن تاريخ الرياضة المغربية لا يستقيم دون الرجوع بتدقيق إلى موروثنا التقليدي، والذي يجب أن يتم التركيز عليه سواء من طرف الباحثين بالجامعات المغربية أو من طرف الجهة الوصية على الرياضة.