الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: ثورة هادئة لكن فئوية وطويلة الأمد

مصطفى المنوزي: ثورة هادئة لكن  فئوية وطويلة الأمد
رغم مرور 12 سنة على إصدار مدونة الأسرة ، التي حلت يوم الثالث من فبراير 2014 محل قانون الأحوال الشخصية ، فإن الحكمة من الإصلاح لم تجد لها الوقع المنشود بالشكل المظنون ، فبغض النظر عن استمرار مقاومة التغيير بسبب صمود التمثلات التي تلبس بعض العقول المعتبرة لكل اجتهاد وتطور مساس وإخلال بثوابت الهوية الثقافية والتاريخية والدينية ، وهو يماثل نفس الحس العدمي الذي حارب ذات يوم مشروع « الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية » باسم الخصوصية المجتمعية و« الحضارية »، وحتى هؤلاء الذين ساندوا الخطة الوطنية المذكورة لم يبذلوا نفس المجهود وبنفس الحماس الذي تمثلوا به القضية النسائية فيما سبق ، وقد فوتوا عليهم فرصة الحراك الفبرايري ، وانساقت الحركة النسائية الديموقراطية مع مطلب المناصفة ولا زالت ، دون أن تنخرط في متطلبات استراتيجية النضال الديموقراطي ، التي تقتضي ربط القضية النسائية بالمشروع المجتمعي ، مما يؤكد هيمنة المد المحافظ ، حتى لدى بعض القيادات المحسوبة على الصف التقدمي ، والتي تواطئت بتراخيها السياسي ، أيضا بمناسبة المشاورات العمومية حول مسودة الدستور ، والذي ، وبنفس الصيغة المحافظة ، تم تهريب مدنية الدولة وحرية المعتقد وكذلك تحريف مغزى مبدأ سمو المواثيق الدولية على القانون الداخلي ، وترجيحه في منحى ارتكاسي .
إننا ونحن نخلد الذكرى ينبغي أن نميز ، خلال تقييم التجربة ، بين تطبيق نصوص المدونة كبديل وبين سؤال التحيين والتطوير في العلاقة مع تفعيل مقتضيات القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء ، ومن باب تعزيز القدرات القانونية للمرأة والقدرات السياسية وما يتطلبه ذلك من منظومات وآليات للتفعيل الايجابي « الديموقراطي» ، فإذا كانت التعديلات الجوهرية قد مست بالأساس مسألة الولاية في الزواج والسن والتطليق للشقاق والتعدد والحضانة والنيابة القانونية عن القاصرين وقسمة الممتلكات الزوجية ومعاقبة مخالفة المدونة وتخويل القاضيات امكانية ممارسة قضاء التوثيق ، فإن الإكراهات لا زالت تحف بتفعيل مبدأ سمو المواثيق الدولية ، خاصة في ظل حكومة يترأسها حزب ،هو رأس الحربة مع ذراعه الدعوي ، في مسيرة 12 مارس المشهورة ، والتي ساندتها وزارة الأوقاف ، ولأن المناسبة شرط ، ومادام المحللون قد اعتبروا إحالة مشروع المدونة ، بخطاب من الملك ، علي البرلمان ، هو بمثابة إعلان رسمي وسياسي عن انخراط الدولة في مسلسل التحديث ، فإن كل تحيين أو تعديل جديد ، خاصة في مجال توزيع الثروة ، وفي علاقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ، يطرح سؤال « المجال المحفوظ للملك » كمؤسسة اجتماعية خاضعة لإمارة المؤمنين ، وعلاقته بمطلب تحديث الدولة والمجتمع ، وهو مطلب يبدو أن السياق لن يساعد سوى على بلورة منظومة ناقصة وفق ما وفره لنا المخطط التشريعي المعتل الآخر ، طالما أن الهاجس الأمني يفرض مزيدا من تقديس العلاقة بين الدين والدولة ، وذلك ضمانا بالنسبة للتقليدانيين لشرعية الاستقرار ومشروعية الاستمرار ، والحال أنه بالإمكان التدرج في التحول ، على الأقل ، بالفصل ابتداء ، بين الدين والسياسة ، في سياق ثورة هادئة ، رغم فئويتها وطول أمدها .