الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عمر لمعلم: زلزال الريف وما ينبغي العمل به لتفادي آثاره على الناس

عمر لمعلم: زلزال الريف وما ينبغي العمل به لتفادي آثاره على الناس

فجر يوم الاثنين 25 يناير 2016، ضرب زلزال عنيف في عمق البحر الأبيض المتوسط، أدى إلى حدوث هزات أرضية متتالية، وصلت تأثيراتها إلى اليابسة، وتأثرت منه على وجه الخصوص أغلب الجماعات بالريف ومدينة مليلة (مريتش) السليبة وشعر بها سكان مدينة تازة وتطوان، وخلفت هاته الهزات المتواصلة خوفا وهلعا وسط الساكنة أدت إلى بعض الإصابات في الأبدان، ونجم عنها تصدعات وتشققات وانهيارات جزئية في بعض المباني القديمة والمنازل القروية المبنية بالطوب والحجارة.

لم تكن هزات الاثنين وما تلاها، أولى الهزات خلال سنة 2016، بل سبقتها هزات أخرى أكثرها قوة تلك التي وقعت زوال يوم الخميس 21 يناير 2016، والتي شعر بها الناس وأعادت إلى أذهانهم مآسي ومخلفات الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحسيمة يوم 24 فبراير 2004، والذي تسبب في استشهاد أزيد من 700 شخص وانهيار آلاف المساكن، ناهيك عن الضرر الذي لحق بمجموعة من المباني العمومية والمساجد والأضرحة والمآثر التاريخية....

غادر أغلب السكان منازلهم صبيحة يوم 25 يناير والتجأوا إلى الساحات والفضاءات التي اعتقدوا أنها أكثر أمنا، وشرع سكان بعض المداشر والتجمعات المحيطة بالمراكز الحضرية في نصب الخيام أو إنشاء أكواخ بطرق تقليدية ليحتموا بها من خطر أي زلزال عنيف يباغتهم ويسقط عليهم جدران وأسقف منازلهم... ومع توالي الهزات بدأ الناس يستشعرون الأخطار المحدقة بهم، ويتساءلون عن الخطوات التي اتخذتها الدولة والتجهيزات التي وفرتها للتعامل بفعالية مع أية كارثة قد تصيبهم وتجهز على مساكنهم، تساءل الناس بمختلف شرائحهم وأماكن تواجدهم بالمدن أو المراكز الحضرية أو المناطق القروية النائية... عن المستشفيات والمراكز الصحية ووسائل التدخل لانتشال الجرحى والمصابين، وعن الفرق المتدربة للتعامل مع الكوارث، وعن توفر الخيام والمعدات الاستعجالية والملاجئ المجهزة بالمرافق الصحية الضرورية، وعن تواجد أطباء متخصصين ومساعدين نفسانيين.. تساءلوا عن دور الإعلام في الترشيد ونقل الأخبار...

وفي خضم هاته التساؤلات بدأ المواطنون في عدد من المراكز الحضرية، يتجمعون ويتكتلون ويطالبون بواجب حمايتهم ومساعدتهم وتوفير الخيام وأماكن آمنة لإيواء المتضررة منازلهم أو الذين أصبحوا غير قادرين على العودة إلى منازلهم بفعل الخوف الذي تملكهم خاصة مع توالي الهزات وانتشار أخبار تفيد بحدوث زلزال عظيم لا قدر الله، وكذلك لعدم استفادتهم من أي دعم نفسي يسمح لهم بالعودة إلى مساكنهم.

في ماي 1994 ضرب الزلزال منطقة الحسيمة، وتسبب في انهيارات كلية أو جزئية لمئات المنازل، وحينها كان تدخل الدولة باهتا ولم تقدم أي دعم للأسر المنكوبة عدا أكياس من الإسمنت وبعض قضبان الحديد تم توزيعها بطريقة غير سليمة، ولم تتخذ آنذاك ولا بعد ذلك أية تدابير جدية للحد من مخلفات أية كارثة قد تشهدها المنطقة، وما خلفه زلزال 24 فبراير 2004 من موت ودمار لخير دليل على ما نقول، فلو اتخذت التدابير وتمت مساعدة الناس على إعادة بناء منازلهم بطرق تستجيب لمعايير تقاوم خطر الزلازل وتحد من قوتها، لما أسفر زلزال 2004 عن ذلك العدد الكبير من المتوفين ولا سقوط وتضرر ذلك العدد المهول من المساكن والبنايات...

وبعد كارثة زلزال 2004، كان هناك شبه إجماع بين كل المعنيين والمتدخلين من سلطات ومجالس وفعاليات مدنية، للعمل من أجل تحقيق ما يلي:

- توفير جميع المستلزمات والتجهيزات الضرورية لمواجهة الطوارئ.

- توسيع القدرة الاستيعابية للمستشفيات وتمكينها من التجهيزات والأطر الضرورية، وبناء مستوصفات ومراكز حضرية في كل الجماعات.

- رفع العزلة عن المنطقة بتقوية الشبكة الطرقية وغيرها من البنيات التحتية، وتشجيع الناس على الاستقرار والاستجابة لحاجياتهم ومطالبهم الأساسية خاصة تعبيد المسالك وإنجاز القناطر وتعميم الكهربة وتوفير المياه الصالحة للشرب...

- وضع حد للتسيب ولكل إخلال أو تهاون أو تقصير في تحمل المسؤولية.

- التطبيق الصارم لقواعد البناء المضاد للزلازل.

- تحيين المسح الجيوفيزيائي للمنطقة.

- مساعدة الأسر المتضررة في مختلف الحواضر والقرى على إعادة بناء منازلها.

- إعادة بناء المرافق الحيوية (المدارس، المستوصفات، المساجد...).

- إنجاز مشاريع سياحية وفلاحية وصناعية مدرة لفرص الشغل وتساهم في خلق الرواج بالمنطقة...إلخ.

وبعد مرور 12 سنة على تلك الكارثة المأساوية يحق لنا أن نتساءل ماذا تحقق؟ وما السبب في عدم تحقق الكثير من التوصيات والبرامج التي تم تسطيرها؟

انعقدت لقاءات ونظمت أيام دراسية وأنجزت دراسات ووضعت مخططات للتدخل العاجل والتفاعل مع أية مستجدات، وأنجزت بعض الطرق والمسالك وشيدت بعض المرافق والبنيات التحتية، وتمت عملية إعادة إيواء الأسر المنكوبة بكيفية شابتها الكثير من النواقص والاختلالات، حيث تم إقصاء العديد من المتضررين... واستمر البناء العشوائي في المدن والمراكز الحضرية، وظلت المستشفيات والمستوصفات تفتقد للتجهيزات وتفتقر للأطر المتخصصة، وظلت الكثير من النقط البرنامجية حبرا على ورق ومجرد شعارات يعاد رفعها خلال هاته المناسبة أو تلك.

استفاق الناس صبيحة يوم الاثنين 25 يناير 2016، على الكثير من النواقص وعلى استمرار ارتباك المسؤولين في التعامل مع الكوارث، وعلى افتقار الكثير من مدن الريف وحواضره وجماعاته على المستلزمات الضرورية والتجهيزات التي يتوجب توفيرها داخل منطقة معروفة بتواجدها ضمن رقعة جغرافية نشيطة زلزاليا، كانت هناك تصريحات من هذا المسؤول أو ذاك، وقدمت تطمينات وتم التأكيد على أن الدولة قادرة على التفاعل مع كل المستجدات وأن لديها خططا للتدخل العاجل... ولكن الواقع أثبت لنا عكس ما ذهبت إليه بعضا من تلك التصريحات، حيث لوحظ ضعف المتابعة من قبل الإعلام الرسمي بعيد الزلزال ولم يلعب دوره في ترشيد الناس وطمأنتهم والانفتاح على الخبراء والفاعلين ودفع المسؤولين في مختلف الإدارات والمجالس والهيئات إلى الإدلاء بتقديراتهم لما حصل وعن استعداداتهم للتدخل وعن الإجراءات التي ينوون القيام بها، كما اتضح غياب أية تدابير لمعالجة مشكل الأسر التي تضررت منازلها وكذلك الأفراد الذين كانوا غير قادرين بسبب الخوف والقلق على المبيت في منازلهم، كما وقف الجميع على محدودية الخدمات التي تقدمها المستشفيات وافتقارها للعديد من المستلزمات...

نحمد الله ونشكره على قلة الإصابات والبنايات المتضررة، ونؤكد مرة أخرى على ضرورة تضافر جهود الجميع ونناشد مجددا فعاليات المجتمع المدني لتوحيد الصفوف واستجماع الطاقات من أجل حمل القائمين على شؤون البلاد على الاستجابة الفورية لمطالب الساكنة خاصة ما يلي:

- توفير وسائل التدخل العاجل للحد من آثار الكوارث الطبيعية في جميع مدن وحواضر الريف.

- تدعيم البنيات الاستشفائية وتوفير سيارات إسعاف تلائم تضاريس المنطقة.

- تقوية مراكز الوقاية المدنية وتجهيزها وخلق فروع لها في الحواضر الكبرى.

- بناء ملاجئ جماعية آمنة ومجهزة وتتوفر فيها الشروط الصحية.

- تمكين الأسر المنكوبة من المساعدات الكافية لإعادة بناء منازلها وإيجاد حلول للأسر التي لم تستفيد من مساعدات 2004.

- وضع مخطط للقضاء كلية على المنازل المبنية بالطوب والحجارة وإعادة تشييدها بمواصفات البناء المقاوم لخطر الزلازل.

- إبعاد الخطر الذي قد ينتج عن انفجار سد النكور.

- توقيف اجتثاث الغابات المتواجدة على السواحل (مثال غابة السواني) ومنع إقامة التجمعات السكنية والتجزئات العقارية على السهول المطلة على السواحل، والتي قد تصلها أمواج أي مد بحري ينتج عن حركة زلزالية قوية.

- الإعلان عن إجراءات تحفيزية وتسهيلات ضريبية لتشجيع الاستثمار.

- التفكير في إنشاء مركز الريف الحقوقي والاجتماعي للضغط والمساهمة في الإغاثة والحد من الكوارث.

- إعادة تجميع جماعات الريف خاصة المتواجدة ضمن أقاليم الناظور والدريوش والحسيمة وبركان وكرسيف وجماعات تابعة لأقاليم الشاون، وتازة وتاونات ضمن جهة واحدة بصلاحيات واسعة في التدبير والتشريع والتنظيم...