السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

عادل الزبيري: رسائل من زمن الخوف

عادل الزبيري: رسائل من زمن الخوف

إلى صديقي إدريس الكنبوري:

ما تخيلت في فكَري؛ أن تقترف هذا النص الجميل، فروايتك "زمن الخوف"، قادتني إلى احترام ما أبديته من قبل من مشاعر تجاهل، ومن استهلاك لصور نمطية اجتماعية، لمدينة مغربية، لا تزال تعيش على هوامش المغرب اليوم، للأسف الشديد، اسمها سوق أربعاء الغرب.

فيا صديقي، في ليلة شتوية طويلة، أتاها برد قارس، تدفيت فيها بـ 3 بطانيات، بين جبال الريف، في قرية النخاخصة، في قبيلة البرانص، في ضواحي تازة، في زمن مهمة صحافية، بدأت السفر عبر صفحات كتابك، الذي حملته معي في حقيبتي للسفر، كمعون ثقافي، من بيتي في مدينة سلا.

ففي البداية، اعتقدت أن "زمن الخوف"، كتاب اعتيادي جدا، سأتلهى به، ويعود إلى الرفوف مع أخواته الشقيقات، من بنات الورق، ومع انطلاقي في الركض السريع، بين الصفحات، خالطني الحلم بالحرقة فبالفرح، وتابعت الأطفال الصغار في مغامراتهم اليومية في القرية، وطاردت نهاية حكايات البطل أنا، منذ أول ليلة حيث قتل الذئب.

وفاجأتني يا صديقي، بحرفية الصائغ للنص، بإخفاء بطل أول، وزعيم الشلة، في رواية "زمن الخوف"؛ ومشيت الخطى صوب لحظات كثيرات، فتحن في روحي لحيظات من آدميتي ومن طفولتي، ومن روايتي الأولى "زمن العرفان"؛ أعتقد أننا ننتمي إلى زمن البدايات والطفولات والانطلاقات الأولى، لأنها زمكان يصهر المعدن الأصيل الصامد في وجه كل التعريات.

وبكل موضوعية، ولست لأنك صديقي، أعترف وأنا العاشق للرواية، إلى الثمالة الثقافية، أن "زمن الخوف"، تحفة جديدة، تستحق كل الاحترام في الأدب المغربي المعاصر، ولها مكانها في الأدب العربي، إذا غادرت الحدود، لتجد رسلا لها عبر العالم، فكتابك يليق بالقراءة وبالنقد الجميل، وبالتنقيب عن الرسائل الظاهرة والمبطنة.

كما أعتقد بكل جرأة، أن "زمن الخوف"؛ هو نداء من أجل جيل جديد، من المصالحات الاجتماعية والتنموية والتاريخية، مع ما يسمى بـ "الغرب المغربي"، بعد دخول المغرب في مصالحة سياسية.

صديقي؛ كتبت فأنتجت نصا محترما وراقيا، ويليق به عن جدارة اسم رواية، فتعرفي عليك بعد "زمن الخوف"، أصبح عميقا، لأن في داخلك صبي صغير وحالم، رغم لفافات التبغ التي حرقتها، وأتمنى أن تطلقها إلى الأبد، ورغم سقوط الشعر، ورغم النظارات الطبية، ورغم محنة صحية ألمت بك، وهربت لأنك لا تزال قادرا على الاستمرارية على الطريق باسقا، رجلا صادقا، يواجه الرياح، وأغنياء الاستقلال الجدد، بكل شجاعة.

وأحترم فيك يا صديقي، في روايتك البكر، بوحك عن حقائق صادمة جدا، لا يعرفها كثير من المغاربة، حول التاريخ السياسي المغربي المعاصر، في مدينة سوق الأربعاء الغرب، خاصة المذبحة الشهيرة، الني اقترفها أقدم حزب سياسي مغربي، لا يزال حيا حزبيا.

ووضعت الأصبع على الجراح، التي ما نجح الشهم من رجال القرية، في ابتلاعها ليفارقوا الحياة من حسرتهم، من غبنهم، من خيبتهم، لأن خونة الأمس خلال الحماية الفرنسية، أصبحوا القادة في زمن الاستقلال؛ يمصون الدماء، ويقتلون من يشاؤون، ويعذبون من يريدون، ويستولون على أراضي من أرادوا، باسم العهد الجديد في المغرب.

وأومن أن "زمن الخوف" هو أولا دواء للكاتب، من تشققات على جدران الروح، من سنوات ولت منذ عهد بعيد، وثانيا هي نفض غبار عبر الأدب عن مدينة صغيرة تشرق عليها الشمس دون تنمية، وتذكرة سفر سياحية إلى مكان من جغرافيا الوطن، ودعوة إلى المصارحة؛ لأننا نعيش زمن ما بعد المصالحات السياسية، وضغط لإعادة للنظر في ثقوب يهب منها الريح، لا تزال متواجدة في جدران غير صلبة، للمواطنة.

(ملاحظة: يا صديقي، إعلم أن ثمن هذا النص هو المحبة).