الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف أكنوش: الدولة المنسية والشرعية السياسية المضمرة..

عبد اللطيف أكنوش: الدولة المنسية والشرعية السياسية المضمرة..

حسب مدارسنا ومقررات تعليمنا، ومنذ الاستقلال، تشكل دولة الأدارسة أول كيان سياسي أسس للدولة المغربية الحالية بمؤسساتها ومخزنها ومذهبها العقدي وشرفائها وغير ذلك...دولة تأسست سنة 788 ميلادية من طرف الهارب من موقعة "فخ" التي كاد خلالها بنو العباس إبادة حفدة علي بن أبي طالب عن بكرة أبيهم...رجل كان حفيدا لمحمد "النفس الزكية" من درية الحسن بن علي بن أبي طالب...أي أنه من أبناء العمومة المباشرة للأشراف العلويين الذين يحكمون المغرب اليوم... هذا ما اتفق عليه الإخباريون القدامى، خاصة المغاربة منهم...وهو ما يعلم لأبنائنا في مدارسنا اليوم والآن...دولة دالت وانقطع خبرها حوالي سنة 900 ميلادية تحت ضربات إمارات بني يفرن وموسى بن أبي العافية التي تأرجحت كما هو معروف شرعيتها السياسية بين الشيعة الإمامية والحكم الأموي السني بالأندلس...

غير أن هؤلاء الإخباريين أنفسهم، وأخص منهم بالذكر على الخصوص، عبد الرحمان بن خلدون في "مبتدئه وخبره"، الذي يبدو لي أكثر موضوعية وعقلانية من باقي الإخباريين، أفادونا بأن هناك دولة بالتمام والكمال سبقت دولة الأدارسة تلك، تسمى دولة البرغواطة التي أسسها "صالح بن طريف" في تامسنا، أي الشاوية حاليا، سنة...744 ميلادية...أي قبل دولة الأدارسة بما يقارب 44 سنة....مع أنهم اجتهدوا في النكاية بأساسها العقدي من قائل أنها كانت شيعية، ومن قائل أن كانت خارجية، وحتى من قال أنها كانت خليطا بين اليهودية والمذاهب الإسلامية السياسية الأخرى !!

بالتدقيق في هذه الكتابات شبه التاريخية، تعن لنا إرادة الأدباء والكتاب في نزع أي شرعية دينية إسلامية عن هذه الدولة الأمازيغية التي لم يكن ذنبها سوى الذود عن حوزة وطنها الشاوية الذي كان مخزنا للحبوب في إفريقيا آنذاك وبالتالي مطمع كل الدول الحاكمة آنذاك..فلم تستطع لا الدولة الإدريسية ولا خلافة بني أمية الأندلسية ولا غيرها من كسر شوكتها فبالأحرى أن تقوض أركانها..ولم تنقطع أخبار دولة البرغواطة إلا باجتياحها من طرف عبدالله بن ياسين ومرابطيه في القرن الحادي عشر الميلادي...وكان ثمن ضم الأراضي البرغواطية للمرابطين غير قتل عبدالله بن ياسين نفسه فوق أراضي الشاوية !!

وعليه، ألم يكن حريا بالمسؤولين عن تربية أبنائها الانتباه لهذا الظلم التاريخي والزيف التأريخي وتدريس أبنائنا النصف الثاني من أساطيرنا المؤسسة، على الأقل تماشيا مع منطوق دستورنا الجديد الذي يعترف بالهوية الأمازيغية للمغرب إلى جانب مشاربها الأخرى من عبرانية وحسانية؟؟ ألم تكن الدولة البرغواطية الأمازيغية لونا وعقيدة هي الدولة الأولى التي أسست لمغرب هنا والآن؟؟ هل سبب تناسيها يعود لمسألة عقيدة أم لمسألة سياسية لا يراد البوح بها، كعنوان أن المغرب كان دوما ولا يزال "دولة إسلام ومالكية وأشعرية ودولة أشراف"؟؟

علينا إذن أن نفيق ونستفيق، فمغاربة اليوم ليسوا مغاربة الستينات والسبعينات، لأن ثقافة المعلومة وسرعة المعلومة أصبحت واقعا يعلو ولا يعلى عليه...وعليه فلا سبيل من الآن للحيل السياسية السخيفة أن تنطلي علينا بعد اليوم !!