الجمعة 29 مارس 2024
منبر أنفاس

مصطفى أيتوعدي:"سي بنكيران دِيرْها فِينْ تْجِيكْ راهْ الانتخابات قْرّْبو!!!!"

مصطفى أيتوعدي:"سي بنكيران دِيرْها فِينْ تْجِيكْ راهْ الانتخابات قْرّْبو!!!!"

كثير منا لم يطرح هذا السؤال من قبلـ و لم يسأل عن سبب الإتيان بعبد الإله بنكيران كرئيس للحكومة، و لماذا في الوقت الراهن بالضبط.؟

لعل المتتبعين للحقل السياسي العالمي و المغربي على وجه الخصوص، على علم بما تحدث عنه المحللون السياسيون حول النظام المغربي منذ عقود.

قبل سنوات كانت برامج التحليل السياسي في القنوات الأجنبية تعالج قضية الصحراء، و تتوقع استقلالها في السنوات القادمة، بل الأكبر من ذلك كان بعض المحللين السياسيين يتنبأ بزوال النظام الملكي بالمغرب و يتوقع أن يكون محمد السادس آخر ملك يحكم البلاد.

طبعا المؤسسة الملكية على علم بما يجري و كانت مستعدة لأي طارئ قد يغير مجرى النظام السياسي بالبلاد، لذلك كانت ردود أفعالها سريعة و متفاعلة مع نبض الشارع لإمتصاص الغضب الشعبي الذي قد يؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها.

و لما تسارعت الأحداث و أحدثت ثورة ضد النظام بتونس و بعدها بكل من مصر و ليبيا كانت مخاوف المغاربة على الاستقرار بادية في الظهور، لكن الأحداث التي وقعت عجلت بخروج حركة 20 فبراير إلى الوجود و هو الأمر الذي زاد من مخاوف القصر على مستقبل النظام.

فلم يتأخر الملك في الجواب و وعد بدستور جديد يحفظ الكرامة و الحرية و العدالة الإجتماعية،  لكن المؤسسة الملكية على علم بأن تجديد الدستور غير كافي لإمتصاص نبض الشارع، فعجلت بموعد لإنتخابات محسومة لصالح التيارات ذات المرجعية الإسلامية,الهدف منها اقناع الشعب أن الآتي مختلف تماما عن السالف, خاصة أن حرص المغاربة على ربط الدين بالعمل السياسي تذكيه تصرفات أخلاقية ما جعل الثقة في التيار المحافظ مضمونة عند أغلب مكونات الشعب المغربي، لذلك كان التصفيق لعبد الإله بنكيران ملحوظ و غير مسبوق ما أكسبه شعبية قل نظيرها في الحكومات السالفة.

عبد الإله بنكيران كان ذكيا في مخاطبة قلوب الناس مستشهدا بآيات من القرآن الكريم و مطعما كلماته بأحاديث نبوية لزيادة الثقة و كسب الأصوات, كما أن ذكاءه لم يخنه في اختيار لغة الخطاب التي يعشقها الشعب، رغم أن الحديث بالدارجة يعتبره البعض ضعفا في المستوى التواصلي و تبخيسا لمستوى رئيس الحكومة. ذلك أنهم يعتبرون الخطاب العامي مختلفا عن الخطاب المؤسساتي.

لن أخوض في حيثيات الخطاب و لا الطرق الملتوية لسي بنكيران لإستمالة الشعب إليه, لكن لابد أن ندرك أن السبب الرئيس لمجيئه يكمن في ملء الفراغ، و إخراج المؤسسة الملكية من المأزق إن صح التعبير, مع الحفاظ على استقرار المسار السياسي للبلاد.

الخطة التي تم حبكها بأيادٍ غادرة للشعب تقضي بالتطبيق الحرفي لمقولة ورثناها بعد الإستقلال "جوّْعْ كلبك اِتْبْعك"، و هو الأمر الذي سيُشْغل الشعب عن النظام و القضايا المصيرية، و سيصرف اهتماماتهم بالسياسة إلى الإهتمام بالبحث عن لقمة العيش و لو داخل حاويات الأزبال كما هو حال " البوعارا".

و هو الأمر الذي لم يتوانى سي بنكيران عن تنزيله عبر الزيادات المتكررة في الأسعار قصد إغلاء المعيشة و تأزيم أوضاع الطبقة الكادحة و المتوسطة، أما الطبقة الغنية فلا يزيدها إلا غنى لأنها تُسبح بحمد النظام و تستغل المال العام لمصالحها الخاصة، و الأمر يتجلى في كثير من الحالات.

إغناء الغني و تفقير الفقير سياسة إقطاعية بمفهوم بنكيراني جديد،  قد يُحول جل المغاربة إلى متسولين عما قريب كي يجعل أسياده ينعمون بالطمأنينة و الهناء، و هنا أود الإشارة إلى معلومة سبق لي أن قرأتها على إحدى الجرائد الإلكترونية إبان الأيام الأولى لبنكيران على رأس الحكومة، مفادها أن رئيس الحكومة كان عميلا للديستي (مديرية مراقبة التراب الوطني) حتى قال فيه مسؤول الاستعلامات العامة بالرباط العميد الخلطي: إنه كان من أخلص المتعاونين الذين ساعدوا على فك شيفرة التنظيمات الأصولية السرية وساعدوا على تفكيك شبكاتها والتخلص من خطرها.

 و كان هو الواشي الذي تسبب في اعتقال عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل و الإنسان حيث قال فيه هذا الأخير: إنه رجل عديم المروءة، و شخصيالا أستبعد صحة المعلومة خاصة أن ما يفعله رئيس الحكومة من تفانٍ في خدمة الفساد و لا مبالاة بالمواطن, ظاهر للعيان، بل في كثير من الأحيان يتنازل عن اختصاصاته للملك عوض تحمل مسؤوليته كاملة كرئيس للحكومة.

كنت ممن انخدع في شخص سي بنكيران, رغم ما كنت أتوصل به من معلومات تتهمه بالعمالة و التآمر على الشعب و الوقوف إلى جانب الفساد, كنت غالبا أتحاشاها و أهملها و لا ألقي لها بالا, لكن لمّا تبين الحق و أبصرت بعيون المتقاعدين أدركت حجم الظلم الذي سيقاسيه هؤلاء لإصلاح ما أفسده الفاسدون الذين لازالوا ينعمون بالحرية المطلقة و لازالوا يستمتعون بتبديد ما حازوه من سرقة المال العام. لأنهم حصلوا على صك الغفران من قبل سي بنكيران و ختم على جوازاتهم بعبارة" عفا الله عما سلف".

ثم إنني تذكرت أيام طفولتي و الفقر الذي عانيته و حجم قساوة العيش التي كان والدي رحمه الله يعانيها لتأمين لقمة العيش لي و لإخوتي, تذكرت معها ما كان الدرهم الواحد يعنيه لنا كأسرة, فَرَقَّ قلبي و تحركت مشاعري تعاطفا مع الفقراء و الطبقة المتوسطة التي تقاسي جراء ارتفاع الأسعار من طرف حكومة تعتبر الزيادة مهملة لكون أصغرهم سيتقاضى جوج فرانك فيلالي بعد أقل من سنة من الآن, و هم غافلون عن المعاناة التي تكبدها قراراتهم الغبية و اللاعقلانية و قصور فطنتهم و حنكتهم السياسية للضعفاء و الفقراء.

و قبل أن يندمل جرح الزيادات أُنزلت هراوي المخزن على أجساد أنهكها الظلم جفت حناجرها مطالبة بالغوث, ذنبها الوحيد أنها طالبت بحقوقها، و عوض أن يتعذر سي بنكيران و يستقيل خرج علينا بتصريح متكبر و متعال، و اعتبر من أوصلوه إلى الرئاسة قطعانا منساقة لا تفهم و لا تعقل، و أخذ في سرد حكايته التي ظل يرددها على مدى الولاية الحكومية كاملة, غافلا أن الشعب قد استيقظ من سباته، و الغريب أنه لم يركن إلى الحق و صرح أن المسيرة غير مرخصة لها.

سي بنكيران لم يدرك بعد أن أخطر الناس من يحسب نفسه يحسن صنعا، فيعرض عن كل نصيحة أتته، و يصرف اهتمامه عن كل من ينبهه, و يزعم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فهو لا يسمع الطرف الآخر،يفعل ما تمليه عليه قريحته, و يستصغر آراء المواطنين، و يحتقر اهتماماتهم.
فحين وحد المغاربة كلمتهم لإلغاء تقاعد البرلمانيين و الوزراء، خرج علينا و قال أن الأمر تافه، و لا يستحق الإلتفات إليه، و لما استشعر الإنتقادات تولى عن رأيه و تمتم برأي آخر يتبنى فيه عدم رغبته في مواجهة غضب البرلمانيين و الوزراء.

و حين تم الأمر بإنزال الهراوي على الأساتذة, زعم أنه لم يعط الأمر بالضرب و التعنيف و أنه كالمغاربة لم يكن يعلم بالأمر،  ثم أنكر حصاد إسالة الدماء في بلاغ لوزارة الداخلية و اتهموا الأساتذة بالتظاهر بالإغماء, و بعد ذلك انتشرت تعليقات من داخل البرلمان تحمل بنكيران مسؤولية ما وقع و أخرى تسانده.
فلما تأكد أنه لم يعد يستطع خداع المغاربة, أخذ يتحدث عن اللين و وجوب الوقوف إلى جانب المُعَنِّفين لكونهم أبناء الوطن أيضا.
أتمنى أن يعي سي بنكيران أن الشعب عاق و فاق و أن وجود أمثاله على رأس الحكومة عار علينا و لم يعد مرغوبا فيه.

سي بنكيران لا يعلم الدور الحقيقي الذي تلعبه المرونة في التعامل مع الآخرين و أهميته في تقوية العلاقات و الحفاظ عليها, أما القسوة و التعالي و العجرفة و الأنفة و الغطرسة و التكبر على الآخرين بدعوىامتلاك الحقيقة المطلقة التي لا تُناقَش، فذلك دليل على قصور الفطنة و قلة الحنكة، و انعدام التواصل البنّاء مع الناس.
قد يتغاضى الناس عن أحد العامة إن صدر منه ما يدل عن التكبر و التعالي عنهم, و قد يعفون عنه و يكظمون الغيظ، لكن أن يصدر كهذا أمر من رئيس الحكومة، فلا أعتقد أن تمر الحادثة مرور الكرام بلا وقع و لا مؤاخذات.
رئيس الحكومة الذي يقسم أن لا يتراجع عن المرسومين الملعونين و لو سقطت الحكومة و دون محاولة إقناع الأساتذة, و لا تقديم مبررات لذلك سوى أسطوانته المعهودة عن الإصلاح و حب الوطن، قد مللنا من تُرّهاته التي لا تنتهي، فلتسقط الحكومة إذن و لتوضع في مزبلة التاريخ كما وُضِعت سابقاتها.
مللنا تصرفات هذا الرجل المجنون الذي ينوي خنق البسطاء كي يرتاح الفاسدون، يريد إصلاح أخطاء من سبقه على حساب الفقراء و الطبقة المتوسطة.
قد يظن نفسه حكيما في زمن الجهلاء، و الأمر جد عادي فلم نشهد مجنونا يُقر بجنونه، فهو يعتقد أنه على صواب و المجتمع برمته هو المجنون.
يناقش التوافه و يتغاضى عن الأمور الكبرى, يستصغر الآراء، و يحتقر مخالفيه، يريد منا أن ننساق مع التوافه و نتفاعل معها و ننسى القضايا المصيرية للأمة. 
لا تتفاءل كثيرا أسي بنكيران فلن ننسى ضرورة مناقشة معاشات كسلائك، و لن نتنازل عن مساندة الأساتذة مساندة مطلقة دون قيد أو شرط، و لن ننسى مناقشة الزيادة في سن التقاعد، لأننا كمواطنين مغاربة نؤمن بعدالة هذه القضايا ضدكم.
اطمئن و حاول أن تهدأ فلا أظنك مقبل على ولاية ثانية, لا أنت و لا غيرك من" كروش الحرام" الذين يمتصون دماء الضعفاء تحت مسمى الإصلاح المزعوم.
السياسة اختيارية و من المفروض ألا يُقدم عليها سوى المتطوّعون، لا أن تُقبِّلوا أرجل المواطنين في الإنتخابات بُغية الاستفادة من الإمتيازات، ثم تحتقرون آراءنا و تُجيبوا عن مناقشة المعاشات ب:"لي عطانا ختوإجي اديها"
قمة الحقارة أن يتحول البرلمان إلى حلقة للتوافه و قتل أثمن ما في الوجود (الوقت)، تطالبوننا بعدم تبخيس العمل البرلماني، و نحن لا نرى في البرلمان أي عمل سوى اللعب باللوحات الرقمية و فترات النوم و أوقات الشجارات السوقية، و كلمات كاذبة تضحكون بها على ذقون المغاربة، و في أحسن حالاتكم تصادقون على مشاريع قوانين لهضم حقوق الضعفاء و تسمين يرقات الفساد.

كيف يُعقَل أن آخذ ترخيصا ممن ظلمني كي أطالب بحقي؟ أنتم سي بنكيران ممن يطالبون بالترخيص لم تحصلوا على ترخيص لتهشيم الجماجم و كسر العظام و إراقة الدماء.

ألم تساءلوا أنفسكم يوما أنكم تسيرون بالبلاد في اتجاه الهاوية؟ألا تدركون أنكم وبال على الأمة؟

و لكن خدعتكم قد انكشفت و أن الشعب سيعاقبكم حتما في الإنتخابات القادمة.