الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

موسى الملاحي: الصحراء.. حقائق لا تهزها المراهقات السياسية

موسى الملاحي: الصحراء.. حقائق لا تهزها المراهقات السياسية

نشرت صحيفة "إكسبرسن" مقالا مشتركا بقلم النائبتين في البرلمان السويدي "جيتي غوتيلاند وبوديل فاليرو"، اللتان تنتميان للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وحزب البيئة على التوالي، وعبرتا فيه عن موقفيهما الداعم لجبهة الـ "بوليساريو"، مؤكدتان أن الوقت قد حان للاعتراف بالصحراء الغربية، وذلك على الرغم من حالة الجدل واسعة النطاق التي تشهدها الساحة الحزبية السويدية حول هذا الملف الحساس أو في سياقها، والتي أدت إلى شق هذه الساحة ما بين مؤيد ومعارض لتوجه الحكومة السويدية نحو الاعتراف بهذا الكيان السياسي، الذي يضرب بعرض الحائط ما يقدمه التاريخ والجغرافيا من حقائق دامغة لا يرقى لها الشك.

كما يأتي موقف النائبتين السويديتين ليضرب بعرض الحائط أيضا كل ما يجري من حروب وسقوط مئات آلاف الضحايا والدمار الهائل الذي عصف بمنطقة الشرق الأوسط بعد عمليات استنبات ”ربيع عربي” وتحول هذه المنطقة من العالم إلى حقل تجارب سياسية ”تستنبت” المزيد من أساليب نشر الفوضى والدمار وسفك الدماء، ما يشي بأن بعض التيارات في الأحزاب السويدية المساندة لأطروحة الدولة الجديدة في الصحراء الغربية لم تصلها أخبار الحروب والدمار الذي حل في دول عربية في الشرق الأوسط  كسوريا واليمن والعراق على سبيل المثال.

الكاتبتان حاولتا الربط بين القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، لكن الغريب أن الأحزاب السويدية التي ساندت الشعب الفلسطيني لإحقاق حقوقه في قضيته العادلة ضد احتلال استعماري غريب عن شعوب المنطقة، هي نفسها التي تدعم انفصال الصحراء الغربية عن الوطن الأم المغرب، ما يفتح الباب واسعا أمام خطر إحداث شرخ بين أبناء الشعب المغربي الواحد والمعروف بتعدد ثقافاته وتجانس أعراقه، وذلك في قراءة يبدو انها غير كافية وغير معمقة لتاريخ منطقة المغرب وشمال إفريقيا تستند إلى روايات شفوية غير علمية وبدون أدنى معرفة للحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة تاريخية أو سياسية أو جغرافية أو اجتماعية لاسيما وأن الصحراويين جزء من النسيج الاجتماعي للمغرب، حالهم كحال القبائل الاخرى التي تجوب صحارى  دول شمال إفريقيا.

الأغرب من كل ذلك هو أن يأتي هذا الموقف بعد مضي 40 عاما على تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني الذي تكاثفت ضده شعوب شمال أفريقيا عموما والمغرب خصوصا ومن أقصى شمال الريف، الذي كان يرزح تحت نير الاستعمار الإسباني إلى أقاليمه الصحراوية الجنوبية، والتي وقعت هي الأخرى بين براثن الاستعمار الاسباني، حينها تشكلت المقاومة من كافة أبناء المغرب وانتزعت حقوقها من المستعمر الإسباني، وأرست تلك المكونات الشعبية سيطرتها على أقاليمها الصحراوية كافة.

تصف وسائل الإعلام السويدية تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني باحتلال مغربي في تجني وتزوير واضح للتاريخ والجغرافيا يدحضه الواقع الحاضر والماضي لأن ذلك الوصف يرتكز على حقيقة استعمارية رسمها المستعمر لإنفاذ سياسته من خلال التفرقة بين الشعوب، فرسم خطوطا سياسية وهمية بين أبناء الشعب الواحد، بينما يشي كل ذلك بوجود قوى تسعى لتفجير حروب طاحنة في المغرب وشمال افريقيا ليغرق الشرق الأوسط والشمال الإفريقي في الدمار والفوضى، وكأن الاحزاب السويدية لا ترى كل تلك الدماء ولا تداعيات الحروب الطاحنة هناك على أوروبا من موجات اللاجئين، وتنامي الحركات القومية، التي لا تؤمن بالتعدد الثقافي ولا العيش المشترك بين شعوب العالم! في حين أن تلك الأحزاب ترفع شعار التعدد الثقافي واحترام الثقافات الأخرى.

في هذا السياق، سياق إدارة الظهر للحقائق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تزعم الكاتبتان بأن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في الصحراء، رغم أن الصحراويين يعيشون في الأقاليم الصحراوية المغربية، ويساهمون في تطورها وازدهارها ونمائها، وأن ما يجري من انتهاكات لحقوق الانسان في الصحراء يقل في بعض الأحيان عما يجري في مدن مغربية أخرى، رغم ما تشهده الصحراء المغربية من تطور متسارع في مجالات البنية التحتية من خدمات تعليمية وصحية، لاسيما وأن الصحراويين القابعين في معسكرات "تندوف" لا تتوفر لديهم أبسط متطلبات العيش بكرامة.

ولقد ذكر المقال أن هناك ما يربو عن  160 ألف لاجئ صحراوي في مخيمات "تندوف"، رغم عدم وجود أي إحصاء رسمي في تلك المخيمات! في وقت فتحت فيه المغرب المجال لسكانه بالعودة، ولقد عاد عدد كبير منهم بالفعل، واندمجوا بالمعيشة والعمل في الصحراء المغربية، كما سمح للكثير منهم بزيارة ذويهم عبر برامج الأمم المتحدة. وفي المقابل فإن الجزائر لا تزال ترفض التعاون مع وكالة غوث اللاجئين لإجراء إحصاء لسكان مخيمات "تندوف".. فما هي صحة أعداد اللاجئين المذكورة في هذا المقال!؟

من المؤسف أن مثل هذه المغالطات شائعة في الإعلام السويدي، فلقد زعم المقال على سبيل المثال أن عدد الدول التي اعترفت بالصحراء الغربية  بلغ 80 دولة! وهذا أمر تنفيه الحقائق الدامغة، التي تؤكد أن أغلب الدول نزعت اعترافها بالصحراء ولم يتبق سوى 33 دولة! مع التأكيد على عدم وجود أي دولة أوروبية أو عربية سوى الجزائر تعترف بتلك الدولة، وأن الدول التي لا تزال تعترف بالصحراء معروفة  كدول دكتاتورية أو فاسدة.

زعمت الكاتبتان بأن "الصحراء الغربية لديها قيادتها الخاصة المنتخبة ديمقراطيا".. وبناء على ذلك، فإن "الصحراء لديها القدرة على العمل كدولة عاملة"! ومما يدحض هذه المزاعم أن رئيس جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز ما زال يحكم مخيمات "تندوف" منذ أكثر من 40 عاما! فأي ديمقراطية تتحدث عنها الكاتبتان!؟

من نافلة القول إن هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي عضوية الحزبين اللذان تنتمي كل من النائبتين لهما سواء الاشتراكي أو البيئة، وذلك لوجود عدة تيارات متباينة فيما بينها وتختلف مع وجهة نظر الكاتبتان.

(المصدر: "عرب نيهيتر")