الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
مجتمع

رشيد رزقي: الإمكانيات التي وفرتها المبادرة الوطنية جعلت الجمعيات التاريخية يتراجع عطاؤها لفائدة الجمعيات التنموية

رشيد رزقي: الإمكانيات التي وفرتها المبادرة الوطنية جعلت الجمعيات التاريخية يتراجع عطاؤها لفائدة الجمعيات التنموية

يرى رشيد رزقي، عضو المكتب التنفيذي لجمعية المواهب للتربية الاجتماعية، أن الجمعية بعد مرور50  سنة على تأسيسها راكمت تجربة متميزة في تأطير فئات عريضة من المجتمع المغربي، وساهمة في وضع الإرهاصات الأولى لحركة جمعوية مدنية، وأن مسيرة خمسين سنة كانت حافلة بالإنجازات ومليئة بالأنشطة الجادة والهادفة. وشدد الإطار الجمعوي أن جمعية المواهب لم تتخلى عن القيام بدورها في التأطير الجمعوي وظلت عبر تاريخ تأسيسها محافظة على خطها الإشعاعي. وكشف محاورنا على أن القطاع الوصي على الطفولة والشباب أهمل مؤسسات دور الشباب التي كانت مشتلا خصبا لتكوين الأطر التي تسير دواليب الدولة اليوم.

+ تحتفل جمعية المواهب للتربية الاجتماعية بالذكرى الخمسين لتأسيسها ماتقييمك لخمسين سنة من عمل الجمعية؟

- لقد شكل ميلاد جمعية المواهب للتربية الاجتماعية بتاريخ 15 دجنبر 1965، كإطار مدني لحظة هامة في تاريخ الممارسة الجمعوية ببلادنا، استطعنا من خلالها طيلة خمسين سنة أن نراكم تجربة متميزة في تأطير فئات عريضة من المجتمع المغربي، كما ساهمنا إلى جانب حلفائنا في وضع الإرهاصات الأولى لحركة جمعوية مدنية هدفها التعريف بالعديد من القضايا خاصة تلك التي تعنى بالطفولة والشباب المغربي ومستقبلهم، حيث أن ولادتنا لم تكن من عدم بل جاءت نتيجة إفرازات إيجابية لخط وطني قائم على تأسيس مؤسسات الطفولة والشباب ببلادنا. فلقد كنا طيلة خمسين سنة ومازلنا وسنبقى أوفياء لمجموعة من المبادئ والقيم التي تأسسنا عليها ، والتي شكلت جوهر وجودنا وهويتنا، أول هذه المبادئ مبدأ التطوعية الذي يتعرض اليوم بفعل التحولات المتسارعة وبفعل بروز قيم مجتمعية جديدة إلى التراجع والنكوص، فلقد آمنا بالتطوع كقيمة حضارية وإنسانية نبيلة في ظل وضع همش قيمة الرأسمال غير المادي. ومما يؤكد هذا التوجه هو أننا اخترنا للاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيسنا شعار "خمسون سنة من العمل التطوعي في خدمة الطفولة والشباب المغربي".. اختيارنا لهذا الشعار لم يكن اعتباطيا بل كان مبنيا على دلالة رمزية وتاريخية مهمة.  وثاني هذه المبادئ هو مبدأ الاستقلالية حيث استطعنا طيلة خمسين سنة أن نثبت للجميع اعتدال فكرنا وتشبثنا بالعمل الجمعوي الجاد المنفصل تماما عن العمل السياسي وتوجهاته. كما شكلنا إطارا للمرافعة ولوبيا للضغط من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية، والمساهمة في بناء مجتمع مغربي قوي، فكنا السباقين لطرح ملف حقوق الطفل منذ ثمانينات القرن الماضي، وترافعنا لدى الأجهزة الحكومية حول ملف تفويت مؤسسات الطفولة والشباب لفائدة لوبيات العقار من خلال نداء المهدية ، كما أننا اتخذنا من قضايا التحرر في الوطن العربي موضوعا لأنشطتنا وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق . كما ترافعنا من أجل بلورة سياسة واضحة اتجاه الجمعيات خاصة في باب التمويل والشراكة حيث كنا دائما ولازلنا نتعامل مع الشراكات بكثير من الحذر والحكمة بدليل أننا طيلة نصف قرن من الزمن أبرمنا اتفاقية شراكة وحيدة مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان في موضوع إعمال الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بمبلغ ضعيف جدا قدره 200 ألف درهم. كما ساهمنا من خلال صياغة مجموعة من المذكرات بتنسيق مع حلفائنا وشركائنا لإدخال تعديلات على قانون الحريات العامة الصادر 1958 وكل القضايا التي تدخل في مجال اختصاصنا. فطيلة خمسين سنة كنا حريصين على بلورة مجموعة من المواقف الواضحة فيما يخص مختلف القضايا المطروحة على الساحة الجمعوية الوطنية، فكان موقفنا واضحا من الحوار الوطني حول المجتمع المدني من خلال التوقيع على نداء الرباط، وعبرنا عن موقفنا من الضبابية السائدة لدى الحكومة حول المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. وفي المقابل ساهمنا إلى جانب وزارة الشباب والرياضة في  الانخراط في مجموعة من البرامج المتعلقة بالطفولة والشباب خاصة في قطاع التخييم حيث سخرنا كل إمكانياتنا المادية والبشرية لإنجاح برنامج عطلة للجميع. كما آمنا طيلة نصف قرن من الزمن بأهمية العمل الوحدوي والتشبيك حيث ساهمنا في تأسيس إتحاد المنظمات التربوية المغربية، الجامعة الوطنية للتخييم والمجلس الفيدرالي للطفولة والشباب.. فعلى العموم مسيرة خمسين سنة كانت حافلة بالإنجازات ومليئة بالأنشطة الجادة والهادفة.

+ يرى المتتبعون لجمعية المواهب للتربية الاجتماعية أن هذه الأخيرة بدأت تعرف تراجعا كبيرا، ولم تعد تقوم بالدور الإشعاعي الذي كانت تقوم به في الثمانينات والتسعينات، ما السبب في ذلك؟

- إن السياقات الدولية الإقليمية والوطنية التي مست المغرب بشكل متسارع ، كان لابد أن تصل رياحها إلى جمعيتنا على اعتبار أننا جزء من هذا الوطن ولا نشتغل بمعزل عنه، وبالتالي فآليات التنشيط السوسيو-ثقافي خلال الستينات والسبعينات والثمانينات تختلف تماما عن آليات التنشيط السوسيو-ثقافي الموجودة حاليا خاصة مع وفرة الفرص وكثرة الإمكانيات . فهنا لا يمكن أن نتكلم عن التراجع بقدر ما يمكن أن نتكلم على حاجيات الفئة المستهدفة فخلال القرن الماضي كانت متطلبات الطفولة والشباب المغربي بسيطة ومتواضعة حيث أن وسائل التسلية قليلة والبنيات الداعمة للعمل الجمعوي تكاد تكون منعدمة بخلال اليوم حيث أصبحت المتطلبات كبيرة وطموحة خاصة مع الثورة التكنولوجية والرقمية التي غزت بيوتنا دون استئذان واستطاعت أن تقلب الموازين فيكفيك أن تضغط على الزر لتحصل على المعلومة. ففي خضم كل هذا فجمعية المواهب للتربية الاجتماعية ظلت عبر تاريخ تأسيسها محافظة على خطها الإشعاعي وبذلك سعت الجمعية إلى التأسيس لمجموعة من المبادرات الجديدة تتماشى والاستراتيجيات الخاصة بمجالات العمل المصادق عليها خلال أول مجلس وطني بفاس بعد المؤتمر الوطني 14، حيث تم تنفيذ ما يقارب 70 في المائة من هذه الاستراتيجيات، كما أننا نشير في هذا الصدد بأن الإعلام العمومي خاصة المرئي كان مقصرا في حقنا حيث أنه لم يتح لنا الفرصة للاستفادة من هذه الخدمة العمومية ولم يساهم في تغطية أبرز المحطات الكبرى في تاريخ جمعيتنا. وبالمناسبة لابد أن نحيي من خلال هذا المنبر مجموعة من الجرائد الوطنية المكتوبة ومجموعة من الجرائد الإلكترونية والمنابر الإعلامية المسموعة التي كانت إلى جانبنا في مراكبة مختلف أنشطتنا عبر ربوع الوطن. فكل ما يمكن أن نؤكد عليه هو أننا كجمعية فاعلة في الحقل الجمعوي نسعى في ظل كل هذه المتغيرات للحفاظ على هويتنا وموقعنا الريادي بين مكونات الحركة الجمعوية ببلادنا .

+ هناك من يقول أن جمعية المواهب للتربية الاجتماعية، لم تحاول تطوير آليات اشتغالها في الساحة الجمعوية، الأمر الذي أدى إلى خفوت توهجها وشلل العديد من فروعها؟

- إن السياق العام للبلاد المبني على أساسا على مبادئ الحكامة في التدبير والتسيير والمناصفة يفرض علينا كجمعية أن نحدث ونطور آليات اشتغالنا في المشهد الجمعوي ببلادنا، خاصة مع الثورة العلمية وما تفرضه التكنولوجيا الرقمية، كل هذا يلزمنا التسلح بمفاهيم وتوجهات جديدة واضعين نصب أعيننا تحويل عملنا من التأسيس والاستمرارية نحو المأسسة للعب أدوار طلائعية في المجتمع وذلك عبر رهانين: الأول داخلي، يتوقف على تطوير الأدوات التنظيمية وتقوية العلاقة بين أجهزة الجمعية عموديا وأفقيا، وتطوير الإدارة الداخلية لنصل إلى الهدف المنشود هو تطوير آليات الاشتغال. والثاني داخلي، يتمثل في انخراطنا بشكل جدي وملموس في كل القضايا المجتمعية خاصة تلك المتعلقة بالطفولة والشباب ودعم كل المبادرات الهادفة إلى تحديث المجتمع وقطاعاته مع الحفاظ على الهوية التطوعية للجمعية. أما عن شلل الفروع فكل ما هناك هو أنه مجموعة من الفروع المتواجدة خاصة في المدن الكبرى أصابها نوع من الفتور والسبب موضوعي حيث أن طغيان الجمعيات التنموية التي رأت النور مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومع ما وفرته لها من إمكانيات جعلت الجمعيات التاريخية يتراجع عطاؤها لفائدة الجمعيات التي تشتغل على أنشطة مذرة للدخل وذات البعد التنموي، كما أن القطاع الوصي أهمل مؤسسات دور الشباب التي كانت مشتلا خصبا لتكوين الأطر التي تسير دواليب الدولة اليوم، وحتى إن وجدت هذه المؤسسات فإن أغلبها لازال كسيحا عن أداء المهام المنوطة بها، وهذه المؤسسات تحتاج إلى إعادة التأهيل والبناء. حيث تحول الاهتمام نحو مؤسسات جديدة كدور المواطن والمركبات السوسيو ثقافية ...

+ هل تعتقد أن الدماء الجديدة التي ضخت في هياكل الجمعية منذ المؤتمر الأخير قادرة على حمل المشعل؟

- في هذا الصدد لابد أن أشير إلى أننا الجمعية الوحيدة التي مازال يتواجد بأجهزتها كل الأجيال منذ التأسيس إلى اليوم، فنحن جمعية نسير بعجلة جيل المؤسسين وجيل السبعينات والثمانينات والتسعينات وصولا إلى جيل هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم، وهذا يشكل لحظة مهمة لتلاقح الأفكار حيث أننا نساهم في تراكم التجارب ويستحيل على أي جيل أن يتنكر للجيل الأخر وأن يبدا في الاشتغال من الصفر. فالشباب الذي يسير الجمعية اليوم هو نتاج تأطير الأجيال السابقة حيث شرب من تجربتهم وهو الآن موفق في حمل المشعل حيث أن هذا الجيل هو دائما في استشارة مع المؤسسين والقدماء، وهو اليوم حريص على المضي قدما لاستكمال مسيرة العطاء والاستمرارية والالتزام، كما أن هناك أجيال أخرى لم تتح لها الفرصة للتسيير وهي تشتغل داخل مختلف الفروع والجهات والأقاليم بأنفاس وطنية عالية لتؤكد للجميع بأن جمعية المواهب للتربية الاجتماعية صرح جمعوي ولاد ومعطاء.