الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل تتحول فرنسا الى بلد جديد "للبدون"؟

يوسف لهلالي: هل تتحول فرنسا الى بلد جديد "للبدون"؟

منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ضربت باريس، اشتعل النقاش والجدل حول اسقاط الجنسية عن المدانين بالإرهاب من أصحاب الجنسية المزدوجة وحتى ان ازدادوا فوق التراب الفرنسي. هذا الاقتراح الذي تقدم به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند امام المؤتمر، اي البرلمان بغرفتيه بقصر فرساي نال الاجماع في البداية. لكن مع مرور الوقت، بدأ النقاش حول هذا المشروع لتعديل الدستور والذي يستهدف الفرنسيين من أصول أجنبية المدانين بالإرهاب واستثناء الفرنسيين المدانين بنفس التهمة من ذلك. وهو ما اعتبره عدد كبير من قادة اليسار الفرنسي واليمين نوع من الميز بين الإرهابيين وذلك حسب اصولهم. هذا الضغط السياسي دفع الأغلبية الحاكمة الى فتح المجال لنقاش من اجل تجاوز وضعية الباب المسدود حول سحب الجنسية.

هذا الجدل التي تعاظم بسرعة ككرة من الثلج، بعد ان رفض عدد كبير من قادة الحزب الاشتراكي هذا المشروع الذي يعتبر تمييزيا تجاه الإرهابيين ويستهدف منهم على الخصوص دوي الأصول الأجنبية، وهو ما يتناقض مع مبدأ المساواة امام القانون الذي يقر به الدستور الفرنسي. هذا التردد والجدل انتقل الى المعارضة اليمينية نفسها حيث تساءل عدد من قادتها عن جدوى هذا القانون الذي ليس له اية فعالية في محاربة الإرهاب بل هو مجرد اجراء رمزي كما اعترف بذلك رئيس الوزراء الفرنسي مانييل فالس أحد أكبر المدافعين عن هذا المشروع.

في البداية تكون منحى بفرنسا تتزعمه وزيرة العدل كريستين توبيرا يتجه الى التخلي عن هذا المشروع الذي يخلق نوعا من الميز، وتمكنت من اقناع رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند.

وبعد التردد الذي ميز موقف الرئيس الفرنسي حول التعديل الدستوري، خصوصا الاجراء المتعلق بحرمان المدانين بالإرهاب من أصول اجنبية من دوي الجنسية المزدوجة، وافق مجلس الوزراء على تقديم هذا المقترح الى البرلمان إضافة الى دسترة حالة الاستثناء التي تعيشها فرنسا.

وانتصر في البداية رأي رئيس الحكومة الذي اعتبر ان "فرنسا في حاجة الى هذه العقوبة الثقيلة وان للبلد الشرعية ان يعاقب من خلالها من يقوم بخيانة كبرى". خاصة انه اجراء ينال تأييد أكثر من 70 في المائة من الفرنسيين.

لكن معارضي هذا التعديل خاصة وسط الأغلبية الحاكمة وداخل الحزب الاشتراكي اعتبرت هذا المقترح منافي لمبادئ الحزب والجمهورية حيث يعتبر قانونا يميز بين المدانين بالإرهاب بين الفرنسيين وغير الفرنسيين. وهو ما يعتبر ميزا حتى في التعامل مع الارهابيين.

هذا المشروع يستهدف مزدوجي الجنسية الذين يبلغ عددهم أكثر من 3 ملايين شخص، نسبة كبيرة منهم من أصول مغربية حسب الإحصاءات الفرنسية. والذين اعتبروا أنفسهم معنيين بهذا التعديل الدستوري على المستوى الرمزي.خاصة ان انه اثناء الحرب العالمية الثانية استعملته الحكومة الفرنسية الموالية لنازية ضد اليهود لسحب الجنسية منهم بل حتى الجنرال دوغول سحبت منه الجنسية بعد ان اختار المقاومة وعدم التعاون مع الاحتلال النازي.

امام هذا الضغط والانزلاق نحو دسترة أحد اقتراحات اليمين المتطرف والتي تستهدف الأجانب أكثر من استهدافها للإرهاب تجد الحكومة الفرنسية نفسها امام الباب المسدود. ويتجه النقاش اليوم الى اعتماد هذا المقترح لكن بصيغة جديدة، أي نزع الجنسية، بدون استثناء من كل الفرنسيين المدانين بالإرهاب بمن فيهم دووا الأصول الفرنسية.وذلك من اجل المساواة وعدم استهداف دوي الأصول الأجنبية. لكن هذا القانون الجديد في حالة التصويت عليه وتطبيقه سوف يؤدي الى خلق فرنسيين بدون جنسية وهو وضع يتناقض مع ميثاق حقوق الانسان الذي يعطي لكل انسان الحق في جنسية.فهل تخرق فرنسا هذا الميثاق الذي تتبناه مند نهاية الحرب؟ فهل ستصبح فرنسا بلدا جديدا من بلدان البدون؟ رئيس الوزراء مانييل فالس يقول ان ذلك غير ممكن وهل سيسايره البرلمان؟

ماذا تفعل فرنسا وطبقتها السياسية امام هذه المعضلة والجدل الفارغ وهذا الركض بدون تفكير وراء أفكار الفاشية، هل تتبنى قانونا يفرق بين الفرنسيين حسب اصولهم وتجعل من الميز بين الفرنسيين مبدأ دستوريا؟ هل تطبق القانون على الجميع وتخلق فرنسيين بدون جنسية؟ الجري وراء العواطف، ووراء الأصوات حتى وان كانت فاشية، سيحول فرنسا الى بلد بدون أنوار وبدون حريات، بلد يجعل من الميز مبدأ دستوريا.لتتحول فرنسا الى بلد البدون... لقد انتصر الارهابيون؟