يقول الملك محمد السادسفي خطاب سام أمام أعضاء مجلسي البرلمان، لدى افتتاح جلالته، يوم الجمعة 14 أكتوبر 2011، الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة "... وإيمانا منا بأن النظام الديمقراطي، يقوم على حكم الأغلبية وسيادة القانون، بقدر ما يتأسس على المشاركة الإيجابية للمعارضة البرلمانية؛ فإن من شأن تفعيل النظام الخاص بها، تمكينها من أن تشكل سلطة رقابية مسؤولة، وقوة اقتراحية بناءة. بيد أن المصداقية السياسية للمؤسسات، ستظل صورية، ما لم تكن رافعة قوية للتقدم الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، والتحديث الثقافي. وهنا يتجلى تميز النموذج المغربي، القائم دوما على تلازم الديمقراطية والتنمية، وعلى نهج متطور في الحكم، مؤسس على التفاعل الإيجابي مع الدينامية البناءة للمجتمع المغربي، ومع التحولات الجهوية والدولية؛ وذلك بإرادة سيادية خالصة، وعمل تشاركي وجماعي متواصل، وانفتاح على المستجدات العالمية. وهو ما مكن المغرب من تحقيق إنجازات وإصلاحات كبرى، ومن تدبير تداعيات ظرفية عالمية اقتصادية ومالية صعبة، يقتضي توالي أزماتها المزيد من اليقظة والحزم والعقلنة. إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون مبعث ارتياح ذاتي، بقدر ما يجب أن يشكل حافزا على مضاعفة الجهود، لتوطيد نموذجنا الديمقراطي التنموي، الذي لا يستمد قوته من العمل على تعزيز المكاسب، ومواصلة إنجاز الأوراش التنموية الهيكلية فحسب؛ وإنما بالأساس من الانكباب الجاد على إزاحة ما يعترضه من عوائق، والتقويم المستمر لما قد يشوبه من اختلالات؛ والإقدام على ما تقتضيه التحولات من إصلاحات جريئة وعميقة. . .".
وهكذا،أضحت الديمقراطية في بلادنا اختيارا مجتمعيالا رجعة فيهوأداةأساسية لبلوغ دولة القانون، ورافعة قوية للتقدم الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، ووسيلة فعالة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك في إطار نموذج مغربي، قائم على تلازم الديمقراطية والتنمية، والإصلاحات الجريئة والعميقة،فيشتىالميادين، الدستورية والسياسيةوالاجتماعية والقانونية والمؤسساتية..على أساس التشاركية والتعددية والحكامة الجيدة والانفتاح على المستجدات العالمية؛ وهو ما نص عليه دستور المملكة المغربية صراحة ومنذ التصدير "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية،ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".
لقد ركزت العديد من الأدبيات الاقتصادية والدراسات الأكاديمية والعلمية على العلاقةالمباشرة بين الديمقراطية والتنمية،كما تضمنتالعديد من المواثيق الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسانوكذا المعاهدات الدولية لحماية الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى مبدأي عدم التمييز والمساواة أمام القانون، مقتضيات أخرىهامة، تتعلق على الخصوص بإجراءات التقاضيومعاملة المعتقلين، والحق في محاكمة عادلة، من قبل محكمة مستقلة ومحايدة، باعتبار ذلك سيساهم، من دون شك، في تحقيق التنمية المنشودة والانتقال السلسإلى اقتصاد حر،يتميزبسيادة السوق والمنافسةالشريفة وتكافئ الفرص بين جميع الفاعلين.
إن الديمقراطية هي الوسيلة الكفيلة بتحقيق دولة القانون، باعتبارها مبدأ كونيا، بل ومنهجا ونظاما سياسيا للحكم، يقوم على أساس مبادئ، تنبثق عنها مؤسسات تحول دون الحكم المطلق لفرد أو لجماعة، وتشرك أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب بشكل مباشر في تسيير دواليب الحكم، أولامن خلال الانتخابات، بإعطاء حق الانتخاب والترشح للمواطنين، ترسيخالمبدأ المساواة الحقيقية، والتي تعد أحد أهم ركائز دولة القانون، والتي تدل على السلطة المهمةللرأي العام، وهو ما أكدت عليهالوثيقة الدستورية"لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال فيولوجالوظائفالانتخابية. التصويتحقشخصيوواجبوطني")الفصل30 ( وثانيا من خلال وجود مؤسسات تكفل حماية الحريات العامة وتهدف إلىتأكيدهابواسطةالرقابةالإدارية والرقابة القضائية على دستورية القوانين. هذا، ويعد وجود هذين المؤسستين داخل الدولة الديمقراطية ضروريا للحد من السلطات؛ فإذا كانت مؤسسة الانتخابات تعمل على الحد من السلطة عن طريق إقصاء الحكام غير المقتدرين من مناصبهم، فإن المؤسسة الثانية تقوم بنفس الدور، إذ تحول دون قيام بعض الحكام ببعض الممارسات،حتى وهم في السلطة. وبهذا يكون هدف الدولة الديمقراطية مشترك مع دولة القانون، ويتمثل في الحد من السلطة وتقييد ممارساتها. وبذلك، فدولة القانون، القائمة على أساس الديمقراطيةوحماية حقوق الإنسان والحريات العامة، سوف تؤدي لا محالة إلى ديمقراطية حقيقية، تهدف بالإضافة إلىاحترام التعددية، إلى إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في اتخاذ القرارات الجماعية والمتوافقعليها.
كل هذه المفاهيم؛ الديمقراطية،حقوق الإنسان، دولة القانونوكذاالتنمية، لها هدف واحد في النهاية؛ هو تقييد السلطة وتحديدهاوجعلها في خدمة الإنسان؛ فالديمقراطية تقيد السلطة من خلال مؤسسات تنفيذية، في حين مفهوم حقوق الإنسان يهدف إلى الحد من تدخل هذه السلطة في حياة أفراد والتقليص من حرياتهم، أما دولة القانون، فتعمل على الحد من إطلاقيتها، بواسطة إخضاعها للقانون وخلق أجهزة وآليات ومؤسساتتضمن ذلك. أماالتنمية، فهي المحصلة النهائية وهي غاية كلالغايات؛ وهي تختلف، من حيث المضمون، عن النموالاقتصادي، ولقدتمت في البداية مساواة التنمية الاقتصادية بالنمو الاقتصادي) الذي هو الإنتاج العام لأي بلد من السلع والخدمات، خلال سنة معينة(. هذه المعادلة البسيطة )التنمية الاقتصادية= النمو الاقتصادي ( تتجاهل قضية توزيع الدخل القومي أو الناتج الوطني بين المواطنين؛ فالزيادة في متوسط نصيب الفرد من الناتج ليست بالضرورة هي التحسن الفعلي في معيشته وتلبية مختلف حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية. .
لكن، ومنذ ستينات القرن الماضي، تم التخلي تدريجيا عن هذا التعريف؛ فبينما ينصرف مفهوم النمو إلى التركيز على زيادة حجم الإنتاج، وبالتالي نصيب الفرد من هذا الإنتاج، دون النظر إلى الكيفية التي زاد بها. على العكسمن ذلك، فإن مفهوم التنمية، بالرغم من تأكيده على أهمية النمو الاقتصادي (أي زيادة حجم الناتج)، يهتم أكثر بما كان قد ينتج عن هذا النمو من تغيرات أساسية في البنيات الاقتصادية؛ بمعنى تغيير المساهمة النسبية للقطاعات الاقتصادية في خلق الناتج؛ فليست كل زيادة في الناتج والدخل تعني تلقائيا تحقق التنمية؛ لأن هذه الأخيرة تكون نتيجةتدخلإرادي من الدولة لإجراء تغييرات جذرية في هيكل الاقتصاد ودفع المتغيرات الاقتصادية المختلفةنحو النمو بنسب أسرع وأنسب، وهي تؤدي بذلك إلى تحسين كفاءة الاقتصاد وزيادة الناتج.
وفي السبعينات، أصبح المسار العام لدى الاقتصاديينهو تعريف التنمية، على ضوء التقدم نحو تحقيق تناسق أهداف الرفاهيةوخلق ظروفملائمة لتحقيق التنمية البشرية، من خلالتحقيق الديمقراطية وتكريس دولة القانونوالتقليل من الفقر والبطالة وعدم المساواة والتمتع بالحرية وضمان الحقوق، في ظل مناخ سليم ديمقراطيا وبيئيا. .
وهكذا،وحسب مؤتمر الأمم المتحدة للعلوم والتكنولوجيا من أجل التنمية، فإنالتنمية ليست مرادفة لمجرد النمو، ولكنها تتضمن اعتبارات أخرى عديدة، نوعية و غير كمية، تتعلق أساساً برفاهية الإنسان. ومن هذه الاعتبارات ماهو ثقافي وماهو روحي وماهو سياسي وما هو ديمقراطي. أما النمو الاقتصادي، فهو نمو تلقائي للاقتصاد، يؤدي إلى زيادة الناتج القومي دون تغيير إرادي في عمل وأداء الاقتصاد. وبذلك، يتلخص مفهوم التنمية في العمل على استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع استخداماً أمثل، عن طريق إحداث تغيرات جذرية في البنياتالاقتصادية والاجتماعيةوالثقافيةوالسياسية وفي تنظيمات تكنولوجيا الإنتاج وفي توزيع عناصر الإنتاج بين القطاعات المختلفة.
رغم الاتفاق العام، بين معظم منظري اقتصاد التنمية، على المفهوم الواسع لهذه الأخيرة، إلا أن هناك خلافات جوهرية بين المدارس والنظريات، في ما يتعلق بالمحتوى والمضمون وكذا معايير ومكونات التنمية، إذ نجد مدارس ونظريات متعددة، مثل المدرسة النيوكلاسيكية والمدرسة الكينزية والهيكلية والمؤسسية ونظرية الحلقة المفرغة للفقر ومدرسة التبعية الاقتصادية والمدرسة الليبرالية. واختلاف هذه النظريات، من حيث توصيف طبيعة التخلف وأسبابه، يؤدي بالضرورة إلىالاختلاف في اقتراح سبل الخروج من مشكلة التخلف وتحقيق التنمية أو ما يسمى بالإستراتيجية التنموية الملائمة.
ويتفق معظممنظري المدرسةالتقليدية على كافة التفاصيل الخاصة بعملية التنمية، وعلى رأسهم آدم سميث وديفيد ريكاردو، وروبرت مالتوس وجون ستيوارت مل. ولازالت نظرياتهم تجد قبولاكبيرا في كثير من المدارس الحديثة التي تبحث في طبيعة وأسباب النمو الاقتصادي. وقد تبنى هؤلاء الاقتصاديون التقليديون مبدأ الحرية الاقتصادية ونظام المنافسة المبني على المبادلات الفردية وعدم تدخل الدولة إلا بغرض فرض بعض الضرائب لتمويل نفقاتها في الدفاع والقضاء والأمن. ومن أهم النظريات التي نالت شهرة واستخداما واسع النطاق، في الدول النامية والمتقدمةعلى السواء، نظرية كينز عام 1946،ولقدعاصرت هذه النظرية فترة الكساد الكبيرفي الدول الصناعية.
ويتجلى تلازم الديمقراطية بالتنمية من خلالخلق جهاز قضائي كفئ ومحايد ونزيه ومستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية؛ وهو بالفعل ما نصت عليه الوثيقة الدستورية"السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية" (الفصل107 ) ومن خلالإصلاح البنية المؤسساتية للدولة والبنية القانونية والدستورية التي تحكم المجتمع، خاصة ما يتعلق بسلطة القضاء، وهناذهب المشرع الدستوري المغربي بعيدا، حيث "يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة" (الفصل 109) "لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها"(الفصل 110) "يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به" (الفصل 119) "لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم" (الفصل 120) "يحق لكل من تضرر من خطإ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة" (الفصل 122)"تكون الجلسات علنية ماعدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك" (الفصل 123) "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون" (الفصل 124)" تكون الأحكام معللة وتصدر في جلسة علنية، وفق الشروط المنصوص عليها في القانون" (الفصل 125)"يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام" (الفصل 126)"تحدث المحاكم العادية والمتخصصة بمقتضى القانون. لا يمكن إحداث محاكم استثنائية" (الفصل 127) .
إنالديمقراطية هيالطريق المستقيم لإنجاح التنمية، من خلالتطوير اقتصاد الدولة في اتجاه تكريس الاقتصاد الحر الذي يتميز بالشفافية والتنافس النزيه الذي يضمن حقوق الملكية والمبادرة والمقاولة ويساهم في تحسين معيشة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم. وفي المغرب "يضمن القانون حق الملكية. ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون. تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة. تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا" (الفصل 35) .كما "يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي.على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. تحدث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها" (الفصل 36) .
إن القواعد القانونية الشكلية التي تنظم السوق، وُتطبق من قبل الهيئات القضائية المستقلة والمحايدة، داخل دول القانون، تمكن من خلق جو تسوده النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص بين الجميع، كما أن الثقة تشجع على ممارسة النشاط الاقتصادي بكل أمان، من خلال وجود محاكم مستقلة ومحايدة، تفصل في النزاعات الاقتصادية؛ فيصبح المتنافسون متساوين أمام القضاء، رغم اختلافثقافاتهم ودياناتهم وجنسياتهم وتباين مراكزهم السياسية والاجتماعية والمالية. من خلال تشريع قوانين وخلق مؤسسات قوية وفاعلة، تسمح بتشجيع اقتصاد السوق، وتنظيم الملكية الخاصة وتوفير مناخ سليم للمقاولة والإنتاج، وتقنين النشاط التنافسي والمعاملات المالية والمداخيل الضريبية وخوصصة المؤسسات العمومية، لخلق المنافسة الحرة والنزيهة وتشجيع الاستثمارات الداخلية والأجنبية، وبالتالي تحقيق التنمية المنشودة، التي من شأنها تقليص هامش الفقر، هذا الأخير الذي بدوره تساهم الديمقراطية ودولة القانونفي محاربته والقضاء عليه؛ فمنذ تقرير الألفية للأمم المتحدة سنة 2000، أصبحت محاربة الفقر وتحسين وضعية الفقراء بالدول النامية، أحد الأهداف الأساسية للاستراتجيات والبرامج التنموية الدولية والوطنية.
ويمكن للديمقراطية أن تكون وسيلة فعالة لتضييق دائرة الفقر، من خلال تكريسها لمبدأ المساواة؛ فهذا المبدأ يعطي للمواطنين الحق في الاستفادة بشكل متساو من جميع الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، مثل التطبيبالمتاح والتعليم النافع والسكن اللائق والشغل الكريم والكهرباء والماء الصالح للشرب. .وفي المغرب"تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية؛الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛ التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛ السكن اللائق؛ الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛ الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛ التنمية المستدامة" (الفصل 31) .
كذلكمبدأ المساواة في تطبيق القوانين على كل أفراد المجتمع بدون تمييز بينهم، سواء كانوا من أصحاب السلطة والجاه، أو أفرادا عاديين، يمكن من حماية الفئات الهشة بالمجتمع، من التجاوزات التي قد يرتكبها في حقهم أصاب السلطة والنفوذ. هذا، ويعد النظام القضائي داخل دولة القانون الضمانة الأساسية الكفيلة بحماية حقوق هذه الفئة الاجتماعية، خاصة إذا تيسر أمر اللجوء إليه، من خلال تسهيل المساطر، وتوفير المساندة القانونية والمساعدة القضائية، وجعلها مجانية لهذه الفئة المعسرة؛ وفي هذا الصدد، اعتبر المشرع الدستوري"حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة"(الفصل 118) و"يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون"(الفصل117) و"يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي"(الفصل 121).
إن دولة القانون هي تلك التي تكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتولي الوظائف العمومية والمناصبالإدارية، لما لذلك من أثر بالغ وأكيد على النمو وعلى التنمية؛ فالإصلاحات القانونية والقضائية لبناء دولة القانون، يجب أن تقوم على أساس المساواة بين الجنسين، فلا يكفي النص على ذلك في القوانين الداخليةوفي الأحكام الدستورية، بل يجب تكريس هذه المساواة بشكل فعلي وعملي في كل مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والمدنية.
إن إعادة بناء الدولة، يجب أن لا يقتصر على إصلاح المجال العام وبعض المقتضيات الشكلية للدولة، بل يجب أن يكرس دولة القانون، من خلال إصلاح النظام القانوني والجهاز القضائي، ومن خلال كذلك تفعيل دور التحكيم والوساطة، لأجل حل الخلافات والنزاعات بشكل ودي وسلمي وقبل اللجوء إلى سلطة القضاء.هذه بعض العناصر التي ورد الربط بينها وبين مفهومي الديمقراطية والتنمية، في الدستور المغربي وفي حقل التعاون الدولي للتنمية، والتي على الجميع التفكير فيها والالتفاف حولها، والعمل بشتى الطرق لأجل دعمها وتكريسها، من خلال توفير المؤسسات الإدارية والقضائية القادرة على تحقيقها، لبلوغ الديمقراطية والتنمية والحكامة الجيدة وترسيخ حقوق الإنسان وإقرار السلم والأمن ومحاربة الفقر، خاصة في الدول التيتعرف مرحلة انتقالية، كالمغرب وتحتاج لإصلاحاتسياسية وقانونية ومؤسساتية مواكبة، تعجز عن تحقيقها منفردة.