السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد غاني: التصوف والسلفية.. تكامل لا تنافر.. استحضار لقصة المستقبل

محمد غاني: التصوف والسلفية.. تكامل لا تنافر.. استحضار لقصة المستقبل

عجبا لمن يهاجم التصوف من السلفية، وعجب أشد لمن يرد من الصوفية على السلفية، إذ التصوف باطن التسلف عند أهل التحقيق والتسلف جبة التصوف عند ذوي التدقيق.

من عجيب عظمة الإسلام أن من تذوق ظاهره اشتد عجبه به، لدرجة الظن أن لا إسلام إلا إسلام الشرائع من سنن وقوانين.. ومن لطيف رقائق الإسلام أن من تذوق لذيذ حلاوة باطنه عظم تبجيله له حتى قد أيقن أن الإسلام مجرد ترق في الشعور من إسلام فإيمان ثم إحسان، من مجرد مراقب من علو فائق الى نازل بأرضه فإلى خبير بدروبه.

إن كلا الأمرين صحيح فكل من الصوفي والسلفي ينظر إلى الإسلام من وجهة نظره، وكل منهما يكمل الآخر.

قد يظهر هذا الأمر غريبا بعض الشيء، لكن من استحضر معنا قصة المستقبل، وبالضبط عندما سيستفيق رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم غدا يوم القيامة، بعد النفخة في الصور وبعد تحقيق الآية الكريمة "كل شيء هالك إلا وجهه" (القصص 88)، كأول مخلوق يأذن الله له بأن يستفيق، وحين سيرفع رأسه سيجد أخاه في النبوة موسى معلقا بالعرش الإلهي.. جاء في صحيح مسلم صحيح مسلم: باب الفضائل "أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور".

حلل معنا أيها السلفي ودقق معنا أيها الصوفي، فحالكما أشد غرابة من قصة المستقبل هاته، "لانفرق بين أحد من رسله" البقرة 285، فكل له مقامه وكل له أفضليته فكذلك ذرات الجسد الاسلامي سواء كانت تعيش بجبة الاسلام وقشره أو كانت مؤثثة لباطن الإسلام ولبه، فكلاهما يشكل الجسد الإسلامي الذي ينبغي على ذراته أن تتلاحم، وعلى كل أن يعمل عمله في سير صحي سليم حتى يستمر عيش هذا الجسم في تحقيق رضوان الله ومقصوده، أما إن عيرت كراته البيضاء لون كراته الحمراء وقذفت بعضها بعضا بأشد أنواع السب والشتم لا لشيء إلا لأن كرات الإسلام البيضاء لونها أبيض ورأت أن الحمراء مخالفة تماما للونها فذلك لجهل كل ذرة بدور أختها الأخرى.

ليث المسلمون اليوم ينظرون بنظرة الكمال لبعضهم البعض، بمعنى أن كلاهما يخدم الإسلام من منظوره واجتهاده منطلقا من الكتاب والسنة الذي يجمع سائر المسلمين، حيث أن الصوفي له نصوصه التي يقنع بها السلفي، وهذا الأخير له نصوص يحاجج بها الصوفي.. وهذا من كمال الاسلام، حيث أن هذا الأخير جاء ليسقي مختلف الأواني، فكل يشرب حسب مقدار آنيته ولا يمكن للكأس أن ينكر على الدلو لم هو أكبر وأعمق، ولا للبركة أن تنكر حال النهر أو العكس.

وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم.