الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مارية الشرقاوي: مشروع إصلاح أنظمة التقاعد.. ثالوث ملعون

مارية الشرقاوي: مشروع إصلاح أنظمة التقاعد.. ثالوث ملعون

ثالوث ملعون هو مشروع إصلاح أنظمة التقاعد.. هكذا نعته بعض المهتمين.. والمقصود من مصطلح الثالوث النقط الثلاثة  الواردة بالمشروع :

- الرفع من سن الإحالة على التقاعد تدريجيا بدءا من 61 سنة في فاتح يناير 2017 و62 سنة ابتداء من فاتح يناير 2018 وانتهاء ب 63 سنة ابتداء من 2019 .

- الرفع من مساهمة المنخرطين إلى 4 في المائة .

- تخفيض المعاش ودلك باعتماد الأجر المتوسط للثماني سنوات الأخيرة من الشغل ومن 1,5 في المائة إلى 2 في المائة كقاعدة نسبية لاحتساب  مقدار المعاش .

حقيقة لابد من قولها حتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع رئيس حكومتنا، أنه مند توليه رئاسة الحكومة كان جريئا في ملامسة ملفات ساخنة وحساسة، كالكشف عما تعانيه بعض الصناديق من عجز كالصندوق المغربي للتقاعد، الشيء الذي لم يتجرأ على القيام به سابقوه، بل تجاوز ذلك بالإعلان عن هذا العجز للرأي العام فيكون بذلك قد انتهج أسلوبا سياسيا جديدا، وهو إخراج مثل هاته الإشكاليات من دائرة وصالونات النخب السياسية إلى عموم الرأي العام.. فحينما صرح في إحدى خرجاته الإعلامية بالمعضلة التي يعرفها الصندوق المغربي للتقاعد، اعتبرناه تصريحا شجاعا كشف عن المستور المفهوم غير المنطوق والمسكوت عنه ردحا طويلا من الزمن. لكن حين اطلعنا على قراره في معالجة الإشكالية، اعترض الرأي العام عن بكرة أبيه على الحل الذي اختاره والمتمثل في رفع سن التقاعدوالزيادة في مبلغ الاشتراك، بل أيضا التخفيض من مقدار المعاش..

بحت أصوات النقابات والمواطنين المعنيين في مختلف المنابر ضدا على رفضه البات لقرار كهذا يحمل مسؤولية الإصلاح للمواطن الذي ظل طيلة فترة عمله يدفع اشتراكه. فهذه الاحتجاجات، ورغم اندلاع شرارات مآلاتها الغير المحمودة، فرئيس حكومتنا لا يزال مصرا على تنزيل مشروعه، وقد سبق وأن نبهنا رئيس الحكومة في العديد من المقالات بأن حل إشكالية الصندوق المغربي للتقاعد ليس هو الثالوث الملعون، بل استرجاع الأموال المختلسة عن طريق فتح تحقيق مع جل من توالوا على مسؤوليته لمعرفة مآل الأموال المنهوبة، التي التهمتها التماسيح والعفاريت المعفى عنها من قبله.

مشروع إصلاحي مشؤوم كهذا لن يحل المشكلة، بل سيعقدها وسيزيد في الطين بلة. فالمجال الاجتماعي في المغرب يعرف هشاشة، ومشروع كهذا سيجعل المغرب يسير بسرعتين قصوتين، يزداد معها البون الصارخ بين المستفيدين من ثمار المسار التنموي الكبير بالمملكة، وبين من لم تطلهم أية منفعة أو قيمة مضافة همت استقرار حياتهم الاقتصادية والاجتماعية وأمنهم الغذائي، ويؤجج فتيل احتقان جماهيري ذي أبعاد غير مضمونة العواقب.. فما يعتبره السيد عبد الإلاه بنكيران وحكومته إصلاحا نعتبره خرجة نشاز كونهم اختاروا أسهل الطرق للإصلاح، اختاروا الإجهاز على صحة وجيب المواطن المغلوب على أمره، لأنهم لا يملكون الشجاعة والجرأة للكشف عما يقع في صناديق التقاعد. وأستحضر هنا مقولة لرئيس الحكومة "الفساد يحاربني ولست من يحاربه، ومن الله باقي واقف هنا، ويعلم الله فين كنت غادي نكون؟" هكذا صرح رئيس حكومتنا بعد ثلاث سنوات من قيادته للحكومة، أمام مجلس النواب خلال الجلسة الشهرية حول السياسيات العامة. أجيبه مع كل احترام وتقدير: أين كنت ستكون؟ الإصلاح ومحاربة الفساد تلزمهما الجرأة والشجاعة والتضحية من أجل الوطن، مناضلون عديدون دفعوا دمهم وحريتهم من أجل الوطن تيتم أطفالهم وترملت نساؤهم، ولولا نضال هؤلاء سابقا ما كنت رئيسا لحكومتنا حاضرا.. اعلم سيدي رئيس الحكومة أن الشعب المغربي حينما منحك صوته، توسم نورا من مصباحكم يضيء مستقبله ومستقبل أطفاله وأحفاده، أرادك أن تكون معه لا عليه، أرادك أن تكون أبا له لا زوج أم.. فمشروعكم هذا يجعلكم حَمَلا وديعا أمام التماسيح والعفاريت، وأسدا مفترسا أمام المواطن البسيط والكادح. فالحل هو أن تتحلوا بالشجاعة وتنفذوا ما التزمتم به في برنامجكم، عليكم بمحاربة الفساد والمفسدين ومحاسبة ناهبي المال العام، فالفساد يحابي الأثرياء الذين يوجدون في مواقع القوة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي فقط ويزيد الفقير فقرا.. فالحل الوحيد والأمثل هو استرجاع الأموال المنهوبة. فالصندوق المغربي للتقاعد حسب بيان صدر عن المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد يعرف فوائض مالية مهمة تجاوزت 6 مليار درهم سنة 2014، في حين أن التبذير وسوء التسيير والخرق السافر للقانون تجاوز الحدود، في صمت مريب.. فوفاء لدستور 2011 الذي نص على الحق في المعلومة، عليكم الإعلان عن أجور وتعويضات المسؤولين في الصندوق كون بعض التعويضات تتجاوز 3,5 مليار سنتيم دون احتساب الأجور والتعويضات الأخرى. والإصلاح الحقيقي لهذا الصندوق ليس الثالوث الملعون، بل وضع حد للتسيب في تدبير أمواله واستثمار احتياطاته، خلق فرص الشغل، إصلاح الوعاء الضريبي وإلغاء معاشات الوزراء والبرلمانيين التي تكلف خزينة الدولة الملايير من الدراهم.

وأخيرا لا يسعني إلا أن أتموقف منددة ومستنكرة لهدا المشروع الذي نزل كالصاعقة على المواطن المغربي، فانفراد الحكومة بالقرار المطبوخ في كواليس إدارتها دون استشارة ديمقراطية للنقابات والأحزاب السياسية واللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، أمر عضال يوحي بأن هناك ارتجالا في تدبير الملفات الاجتماعية الكبرى للشأن العام الوطني، ونية مبيتة في إقصاء المعنيين بالأمر من بقية الشركاء من صناع القرار (بيان مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد)، وذلك عبر تجسير سبل الحوار المستدام مع ممثلي الشغيلة. عمل شنيع ضرب بالحوار حول موضوع إصلاح أنظمة التقاعد عرض الحائط بدم بارد، غير آبه ببراءة موظفي المغرب الذين لا يتحملون مسؤولية سوء تدبير صندوق التقاعد من طرف الدولة طيلة أربعين سنة.. فأزمة كهذه جعلت النقابات تمتعض من مثلها سلوكيات، وتعلنها حالة تصعيد لا تحمد عقباه، مستنفرة بردود فعل ساخنة لن تدع موضوعا يتعلق بخبز المواطن يمر مرور الكرام، أمر اعتبره منافسو بنكيران خطا أحمرا، فيما اعتبره شركاؤه مساسا بحقوقهم الدستورية في التشاور وإبداء الرأي.. نسأل الله أن تمر العاصفة بسلام...