الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: المغرب والاتحاد الأوروبي.. لا للتواطؤ على مغربية الصحراء من خلال القضاء

عبد القادر زاوي: المغرب والاتحاد الأوروبي.. لا للتواطؤ على مغربية الصحراء من خلال القضاء

ردا على طلب لمرتزقة البوليزاريو من خلال جهات أوروبية متعاطفة معهم، أصدرت محكمة الاتحاد الأوروبي يوم 8 دجنبر 2015 قرارا يدعو إلى إلغاء الاتفاقية الفلاحية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي من جهة والمملكة المغربية من جهة أخرى.

استندت المحكمة الأوروبية في حيثيات قرارها المجحف هذا، الذي ألبسته حلة قانونية درءا لأي شبهة، على عدد من المعطيات أهمها :

*تتيح الاتفاقية استيراد منتوجات مغربية قد يكون بعضها منتجا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي بالنسبة للاتحاد الأوروبي منطقة متنازع عليها ، إذ لا تحظى السيادة المغربية عليها بأي اعتراف لا من أجهزة الاتحاد كمنظمة دولية، ولا من أي دولة من الدول الأعضاء فيه.

*لا تتضمن الاتفاقية أي آلية تسمح للاتحاد الأوروبي بالتأكد ما إذا كانت عائدات المواد المستوردة من منطقة الصحراء المغربية تعود بالفائدة على ساكنة المنطقة.

من الطبيعي إزاء مثل هذا القرار أن يبادر المغرب سريعا إلى تفنيد حيثياته، سيما وأن المعطى الثاني منها لم يأخذ بعين الاعتبار ما أكده المغرب أكثر من مرة، وعلى أعلى مستوى في الدولة بأن ما يصرف على جهود التنمية في الأقاليم الجنوبية يمثل أضعاف أضعاف الناتج المحلي لها. ومن هذا المنطلق كان ضروريا الإشارة إلى الطابع السياسي للقرار رغم صدوره عن هيئة قضائية.

والحالة هذه، فإن التحرك لاستيضاح موقف المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد نفسها من القرار ، وتضمين التحرك الدبلوماسي تهديدا مبطنا بإعادة النظر في مجمل الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين كانا ضرورين سعيا إلى محاولة تفادي ما يحمله القرار من مضاعفات، وانعكاسات سلبية محتملة إذا ما دخل حيز التنفيذ.

ومع ذلك، فإن على المغرب ألا ينتظر من المفوضية الأوروبية ومن الدول الأعضاء نفسها أكثر من تأكيد التفهم لموقفه والتشديد مجددا على أهمية الشراكة معه، ومن الخطوة التي جرى إقرارها بين وزراء الخارجية، والداعية إلى استئناف هذا القرار الجائر، ومطالبة المحكمة الأوروبية بإعادة النظر في الموضوع كلية.

وانطلاقا مما سبق لا ينبغي الركون أبدا إلى التطمينات السياسية الأوروبية، بل يجب في الحد الأدنى الاطلاع مسبقا من الجانب الأوروبي على ماهية الدفوعات القانونية التي ستقدمها المفوضية الأوروبية للمحكمة من أجل إقناعها بتغيير قرارها. فالقضاء في الفضاء الأوروبي جهاز مستقل فعلا، ولا يمكن للقرار السياسي أن يؤثر فيه ما لم يدل بالحجج القانونية القوية والمفحمة.

إن تأكيد الالتزام السياسي الأوروبي بالاستمرار في الشراكة الوثيقة والبناءة مع المغرب يتطلب قطع دابر مثل هذه الممارسات المشوشة على عمق العلاقات بين الطرفين. و لن يتأتى وضع حد لأي استغلال للثغرات القانونية مستقبلا في مثل هذه الحالات إلا بشكل قانوني أيضا من خلال وثيقة تفسيريةMemorandum تضاف من طرف رئاسة المفوضية الأوروبية إلى ملحقات الاتفاقية الفلاحية وغيرها من الاتفاقيات مفادها أن المقصود بالمملكة المغربية هي الدولة الممتدة أراضيها من البحر الأبيض المتوسط إلى مدينة الكويرة عند الحدود المعترف بها دوليا للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

إن حصول هذا الأمر ليسا هينا على الإطلاق في ضوء اتحاد أوروبي يضم 28 دولة بعضها لا يخفي عداءه للوحدة الترابية المغربية وكلها لا تعترف وفق أصول القانون الدولي بتلك الوحدة، مختبئة وراء التكييف القانوني الذي تعطيه الأمم المتحدة للوجود المغربي في الصحراء رغم أصالته، ولكن من الممكن الضغط في اتجاه تعديل الموقف الأوروبي وتطويره.

إن التصرفات الأوروبية المتواترة ضد المغرب من هنا وهناك تارة في شكل سياسي، وطورا برداء برلماني ( السويد وهولندا) والآن في مسحة قضائية تبين أن أصحابها مطمئنون إلى رسوخ الاتفاقيات الحيوية المعقودة لدرجة يستحيل معها أن تتأثر هذه الاتفاقيات بتقلبات المواقف السياسية وأزماتها، وأن المغرب كمستفيد أكبر منها في نظر الأوروبيين لا قدرة له، وهو وحيد مقابل تكتل 28 دولة، على فرض مراجعتها أو إلغائها.

وإزاء مواقف كهذه على المغرب أن يثبت العكس لدفع الأوروبيين إلى تصحيح المفاهيم والمسارات والممارسات أيضا، سيما وأن هنالك نوايا مبيتة تظهر بين الفينة والأخرى تحاول عقد مقارنة بين الوضع في الصحراء المغربية والوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وإذا ما لم يتم وضع النقط على الحروف فلن نستغرب إذا ما سمعنا قريبا، تجاوزا للوضع الراهن، اقتراحات تحمل إساءات بالغة للمغرب ولسيادته على أراضيه من قبيل :

*مطالبة أوروبية بالتواجد في الأقاليم الجنوبية للتأكد من صرف عائدات صادرات المنطقة على ساكنتها في تشكيك صارخ لذمة الدولة المغربية وليس الحكومة فقط. وليس ضروريا أن تكون المطالبة رسمية من جهات حكومية أو من الاتحاد نفسه فقد يتم الإيعاز لمنظمات المجتمع المدني القيام بذلك. ولا شك أن أصحاب هذا الطرح سيحاولون إثارة سابقة تواجد المينورسو للضغط على المغرب.

*أو مطالبة بالإشارة إلى أقاليم الصحراء المغربية بالاسم كمصدر للمنتج، وعدم الاكتفاء بصيغةMade in Morocco على غرار المطالب المرفوعة الآن بالنسبة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية والجولان.

إن الإصرار على هذا النوع من التشبيه المشوه بين الوضع في الصحراء المغربية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة هو قرار سياسي مدروس ومتفق عليه، لأنه بدأ يطل علينا بشكل متواتر، ومن منابر متعددة، مرة من السويد، وأخرى من هولندا وثالثة من بريطانيا، والبقية قادمة ما لم يحسم في الأمر.

ويقتضي الوضع في هذا السياق توسيع دائرة المواجهة لمثل هذه التشبيهات من خلال إقحام البعد العربي عبر جامعة الدول العربية إن أمكن أو بالتأكيد على مغربية الصحراء في اتفاقيات قانونية ثنائية مع الدول العربية أو مع تجمعات جهوية عربية. وسيكون هذا الأمر فعالا إن جرى مع دول مجلس التعاون الخليجي. إن الخطوة التي اتخذت قبل مدة من الآن مع السلطة الوطنية الفلسطينية كانت جيدة ولكنها ليست كافية.

ومن البديهي في الختام، أمام تطورات مخيفة كهذه، ألا يظل هذا الملف حبيس أدراج البيروقراطيين، الذين تسببوا دون قصد في حدوث سوابق استثنت أقاليمنا الجنوبية من اعتبارها جزءا أصيلا من التراب الوطني في اتفاقيات شراكة وتجارة واقتصاد مماثلة، بشكل باتت معه هذه السوابق تثار في وجهنا عند أي رد فعل منا.

فالواجب الوطني يتطلب إشراك فعاليات المجتمع المغربي قاطبة وتعبئتها لدى مقاربة هذا الموضوع الحساس والحيوي لمستقبل البلاد في ضوء كثافة وتشابك العلاقات الإنسانية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية وغيرها مع القارة الأوروبية باعتبارها أكبر شريك للمغرب ، وستظل كذلك في الأمد البعيد أيضا. ولكن على أساس أن يتجاوز هذا الإشراك الطابع الموسمي والانفعالي، وأن يتم بخطوات ملموسة تجد صداها الإيجابي في دوائر القرار الأوروبي.