بنظرة العارف المدرك لما يقول، رسم محمد برادة، الأستاذ الجامعي والوزير السابق ورجل الأعمال الإطار الذي يشتغل فيه المقاول المغربي، وهو إطار يتميز ببيئة قاسية مثقلة بالأعطاب والتحديات. ورغم ذلك، فإن المقاول المغربي إذا تخطى الصعاب ونجح في ربح الرهان تكون نظرة المجتمع نحوه مجحفة، وينظر إليه بأنه "شفار" (Voleur)، وإذا فشل فهو "عاجز" (Incappable).

وبقدر ما تأسف محمد برادة على هذه النظرة للمقاول بالمغرب، بقدر ما ابتهج وانتشى لوجود نظرة سامية وطاهرة بالولايات المتحدة الأمريكية للمقاول، بل وللنجاح بشكل عام. بالنظر إلى أن المجتمع الأمريكي يقدس النجاح، ويحترم المرء الذي يتفوق في حياته المهنية.

ولم يعدم الوزير برادة الأدلة ليشكف عن قساوة البيئة التي يعمل فيها المقاولون الصناعيون ببلادنا، إذ استشهد بالحالة المزرية والكارثية للأحياء الصناعية بالمغرب (طرق محفرة + إنارة منعدمة + افتقادها للمناطق الخضراء والتشجير + أزبال متراكمة)، بينما الأحياء التجارية تلتهم كل الموارد العمومية في التهيئة، علما أن حصة الأحياء الصناعية في الناتج الداخلي الخام هي أعلى بكثير من مساهمة القطاع التجاري.

ليس هذا فحسب ما عانى منه المقاولون في المجال الصناعي ببلادنا، بل هناك المناخ السياسي الذي ميز حقبة ما بعد حصول المغرب على الاستقلال، إذ استحضر محمد برادة أجواء الجامعة المغربية التي كانت تحت وصاية التيار الماركسي. وبحكم هيمنة هذه المدرسة كانت معظم النخب المغربية تنظر للمقاول نظرة دونية وتصفه بأنه "ريعي" (Rentier)، لدرجة أن برادة لم يفته القول أن مجرد التلفظ بكلمة ليبرالية في المدرج (ويا للغرابة، ونحن في شعبة الاقتصاد، يقول برادة) حتى ينتفض الطلبة بالصفير والضجيج. وذلك بفعل تأثير سحر نموذج الإتحاد السوفياتي كنموذج ناجح يبهر الدول الحديثة العهد بالاستقلال.

وللإشارة، فمحمد برادة كان تدخله في إطار حفل نظمته مؤسسة "التجاري وفا بنك"، مساء يوم الخميس 10 دجنبر 2015، بمناسبة صدور كتاب شيق لبرادة تحت عنوان "المقاولون بالمغرب في سنوات الستينات: نخبة الانتقال"، وهو كتاب يرصد بروفيل المقاولين المغاربة في البدايات الأولى لعهد الإستقلال.

 محمد الكتاني، الرئيس المدير العام لـ"التجاري وفا بنك" يلقي كلمة تقديم الكتاب