الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

تحرر المرأة الصحراوية .. بضربة كرة!

تحرر المرأة الصحراوية .. بضربة كرة!

بين المحافظة والتحرر يترنح المجتمع الصحراوي بين الإبقاء على تقاليد راسخة في القدم، مقيدة للمرأة خاصة، وبين تحرر فرضه ما تتقلده اليوم المرأة الصحراوية من مهام وأشغال لم تعد تمنح للمجتمع وللسلطة الذكورية، حق الوصاية على المرأة.

وكوجه من أوجه التحرر التي برزت مؤخرا بشكل جلي، وأثارت ضجة على صفحة مياه المجتمع الصحراوي الراكضة، ظهرت كرة القدم النسائية مؤسسة لهذا التحرر الذي لم يعد المجتمع قادرا على إخفائه أو مداراته، خاصة في ظل وجود فريق نسائي بمدينة العيون لعلع اسمه واحتل المرتبة الأولى لمرات عدة، فقد توج لأربع مرات كبطل على المستوى الوطني. رغم هذا النجاح إلا أن صدى الرفض لا زال حاضرا في المجتمع، والذي أكده استطلاع رأي قمنا به بين صفوف شريحتي الرجال والكهول، إلا أن الشباب وخاصة الفتيات منهم، أبدوا تقبلا وتشجيعا للظاهرة ودعمها كمظهر لابد أن يكون أساسيا ضمن صورة مجتمع يطمح للتقدم والحداثة.

إيلا خديجة، شابة صحراوية عشقت كرة القدم منذ نعومة الأظافر، كابتن فريق النادي النسائي البلدي للعيون سابقا واليوم هي رئيسة المجموعة الوطنية بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومسيرة للفريق. تدرجت خديجة بالميدان الكروي الذي شغلها فتنته وخلب لبها الهوس به، عن أن تنتبه لمعيقاته ومطباته بمجتمع محافظ .. يفتر ثغرها عن ضحكة قصيرة ساخرة وهي تقول: "واجهنا كبنات صحراويات في بدء الأمر صعوبات كثيرة، من مجتمع رافض، وانعدام ملاعب خاصة بالنساء تحتضن هوايتنا، وسخرية لاذعة من بعض الرجال الذين كنا نقاسمهم ملاعب رياضية بالمدينة مفتوحة في وجه الجميع.. كنا صغيرات، أغلبنا يتيمات، تجلب كل واحدة منا القليل من المال الذي استطاعت بالكاد توفيره من أسرة فقيرة لا معيل لها، لنشتري كرة، أو حذاءا رياضيا.. حب كرة القدم وحدنا، حب لم يفهمه سوانا، فحرصنا عليه وأحطناه بإمكاناتنا القليلة. طرقنا كافة الأبواب، لكن ما من مجيب، تعاقب المدربون على تسييرنا بشكل تطوعي، لكن انسداد الأفق أمامنا جعلهم ينسحبون واحدا تلو الآخر .. من يعتقد حينها أن فريقا نسائيا من الصحراء سينجح في نحت إسمه والتقدم في ميدان لم يذكر إسمه إلا قرينا بالرجال!.

كل مبادرة فريدة ووحيدة من نوعها، تتحقق بالعزم والإصرار وأن تجد محتضنا لها ومؤمنا بها، صدفة اللقاء برئيس المجلس البلدي حمدي ولد الرشيد خلقت الحدث والفرق .. اليوم نحصد الجوائز الوطنية، بفضل مجهودنا وصبرنا وإصرارنا على التغيير. اليوم لنا جمهور يشجعنا، حين أنظر إلى النساء تجلب صغيراتها لمشاهدة مبارياتنا أو حصص تدريبنا، ينتابني مزيج من الرضى والسعادة".

"حياة خيرو" عميدة الفريق ولاعبة بالمنتخب الوطني، تتحدث وعيناها تبحثان في الأرض عن كلمات مناسبة لوصف صعوبات الولوج لهذا الميدان. تصف بدايتها أنها كانت شبه مستحيلة في ظل مجتمع صحراوي محافظ،. عدم تقبل الأسرة الصغيرة وثم المجتمع وقفا حاجزا أمام الحلم، لكن الموهبة كانت الحافز الأساسي للوقوف في وجه الرفض والإصرار على المضي قدما.

"تكبر لبيهي" هي لاعبة بالنادي، وإطار بالمنتخب الوطني، تضيف على حديث "حياة" أن ممارسة الرياضة أخلاق بالضرورة فتقول "سمو أخلاق اللاعبات و جديتهن في الاشتغال والتي انعكست على مستوى النتائج، فرض احترام النادي النسائي بالمجتمع الصحراوي، وأقنع المجتمع بأهمية ما نقوم به. اليوم نحظى بجمهور واسع يعلق علينا الآمال لنحصد جوائز أكثر، ونرفع إسم مدينة العيون عاليا".

للوقوف على قراءة اجتماعية لواقع حال المجتمع الصحراوي المتأرجح بين القبول والرفض، قابلنا المتخصص الإجتماعي السيد "كمال اكرديس" الذي أحالنا على المرجعية التاريخية للمجتمع الصحراوي المنبني على النظام القبلي والذي طبعته المحافظة والإنغلاق شيئا ما.

ومع مرور الزمن والتطبع بطابع المدينة وانتشار العولمة، أصبح لزاما على المجتمع الصحراوي الإنفتاح على الثقافات الأخرى والتجاوب معها، لكن في خفر وحذر وخوف على الخصوصية والتقاليد التي لازال يرفض الإنعتاق منها، والتي يرضخ لها أحيانا كثيرة إرضاءا للآخر وليس اقتناعا بجدواها، إلا حين تواتيه الفرصة للتخلص منها وتحديها لا يتوانى عن ذلك (حسب قول المتخصص الإجتماعي).