مشهدان في غاية من المفارقة والغرابة يوضحان انحطاط درجة القيم التي تدافع عنها الحكومة الملتحية. مشهدان لن ينساهما المغاربة الذين سيضعانهما على ميزان حكومة بنكيران، هذا الرجل الذي دخل رئاسة الحكومة بلحية وعباءة ومسبحة ورصيد من الخطب البتراء ضد مهرجان "موازين" وضيوفه أمثال جنيفر لوبيز وإلتون جون والآخرين. لكن يبدو أن بنكيران الذي عفا عن لحيته وتخلص من مسبحته وسكت لسانه عن تغيير "المنكر" يحاول اليوم أن يطبع مع "الفن الرخيص" و"الهابط"، ولا يستقوي إلا على المغلوبين على أمرهم والكادحين والطلبة الأطباء الذين يسومهم سوء العذاب.
المشهد الأول: هيفاء وهبي تستقبل بمطار محمد الخامس بالعمارية استقبال الكبار.. ضيفة المغرب التي جاءت لتغني "بوس الواوا" بأحد كباريهات عين الذياب مقابل 60 مليون في ليلة واحدة.. قدومها للدار البيضاء سبقه لغط وجدل ودلال من هيفاء وهبي التي حجز زبناؤها الطاولات الأمامية بالملايين، ليس ليستمتعوا بغنائها لإحدى روائع كوكب الشرق أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو وردة الجزائرية أو عزيزة جلال، ولكن لمشاهدة تضاريس جسد هيفاء وهبي وهي تتلوى بخصرها وتتلاعب بأردافها وكيف ترنح مؤخرتها... دفعوا الملايين لحضور مشهد من "الأيروبيك" الغنائي عن قرب وفي بث حي. ونتحدى بنكيران أن يكون جمهور "القرطاسة" هيفاء وهبي يدفع كل هاته الملايين لتذوق رخامة صوتها... مغناطيس هيفاء وهبي ليست آهات صوتها، بل جسدها الملولب وصدرها النافر ومؤخرتها "السامية" التي تنطق حتى الحجر الصامت والأجرد من العواطف والأحاسيس. جمهور هيفاء وهبي هو من يتفوه بالآهات والتنهيدات لحركة رمش عين أو التواء خصر أو رعشة صدر لفنانة "بوس الواوا"... هل يعرف عبد الإله بنكيران ما هو "الواوا"؟
المشهد الثاني: زرواطة بنكيران تطارد الطلبة الأساتذة بطنجة والقنيطرة وما جاورهما.. الزرواطة نفسها مازالت تنكل تنكيلا بأطباء الغد. هذه هي الحكومة التي تأكل أبناءها. هؤلاء الأساتذة هم الذين يستحقون أن يحملوا على الأكتاف وتعلق على صدورهم النياشين وترفع فوق رؤوسهم التيجان، لا أن ترفع الهراوات في وجوههم.
شعرة من الراحلة الباحثة والمفكرة فاطمة المرنيسي، التي تعد لوحدها مختبرا سوسيولوجيا في العالم العربي، لا تساوي كل هذا الجسد المحمول على "عمارية" عرق المغاربة.. جسد مثخن بالعمليات التجميلية ومشارط الجراحين.
فارق واسع بين جنازة الشرف التي لم يحضرها وزير لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة لامرأة عظيمة كفاطمة المرنيسي التي كان ينبغي أن تودع وداع "الفدائيين" و"الأبطال"، واستقبال هيفاء وهبي التي حطت بها الطائرة في المطار واستقبلها موكب من السيارات الفخمة بالزغاريد والكلاكسونات والطبالة والغياطة، في انتظار أن يسدل الليل سدوله بعين الذئاب لتفتح بوابة الكاباريه لهيفاء وهبي لتؤدي "وصلة" من الفن الهابط والرخيص، لكنه رغم أنه فن رخيص بكل مقاييس علماء ومدارس النقد الفني، ففاتورته تؤدى بالعملة الصعبة.
عين الذئاب الذي يستضيف هذه "الملحمة" وهذه الفنانة "اللاحمة" و"الملتحمة" بعشاق الفن "اللاحم"، لم تصرف فيه كل أموال دافعي الضرائب، لتُهرّب فيه الملايين وتفتح خزائنه لتسمين رصيد هيفاء وهبي التي بلا رصيد غنائي وبلا صوت تدفع من أجله كل هذه الملايين.
صورتان تفضحان سلوك حكومة بنكيران الملتحية: هيفاء وهبي في العمارية وطالبتان أستاذتان مغمى عايهما من شدة "زرواطة الحكومة