الخميس 25 إبريل 2024
في الصميم

بنكيران وعباءة أردوغان الإستبدادية!

بنكيران وعباءة أردوغان الإستبدادية! عبد الرحيم أريري

كشف منهج الاستخفاف والاستهجان الذي تعامل به رئيس الحكومة مع حدث المسيرة الوطنية الاحتجاجية التي احتضنتها الدار البيضاء، يوم الأحد 29 نونبر 2015، واحدا من مظاهر أعطاب المشهد السياسي الراهن. فعوض أن يجلس عبد الإله بنكيران إلى الأرض، ويقرأ دلالات الغضب التي عبر عنها المحتجون ذلك اليوم وصيغ التفاعل معها، بادر إلى السخرية من المنظمين، وإلى الاستهتار بالحدث، وبنسبة المشاركة، معتبرا أن لا أحد يمكن أن يهزمه في الميدان مادام قد وصل إلى الجهاز التنفيذي بواسطة صناديق الاقتراع، علما أننا أظهرنا في مناسبة سابقة أن الحزب الحاكم لم يحصل إلا على 3 في المائة من أصوات الناخبين. وبالتالي فكل انتفاضة ضد الحكومة، في نظر بنكيران، هي انتفاضة ضد «الشرعية» ومزايدة سياسية مقيتة، حتى ولو مورست ضمن الشروط القانونية بدعوة من أربع مركزيات نقابية. مقاربة الغرور والاستخفاف هاته لا تعبر فقط عن خفة رجل السياسة في مغربنا الحالي، لكنها تعبر كذلك عن الطريقة الاستبدادية التي يقرأ بها بنكيران نتوءات وضعنا الاجتماعي، الذي لا تخفى ملامحه على المراقب العادي بالنظر إلى أن «الموس وصل للعظم». إنه المنهج الأردوغاني المتسلط في أقصى حالاته حيث أقصى الرئيس التركي، باسم الشرعية الانتخابية، كل مطالب الأتراك الاجتماعية والسياسية وضمنها إقرار حق التعدد والاختلاف داخل المجتمع التركي الفسيفسائي. إن هذا الاستخفاف المبخس لمسيرة البيضاء، وللظاهرة الاحتجاجية بشكل عام ليعبر، في مستوى آخر، عن إبطال مقتضيات الدستور الجديد الذي منح دورا جديدا للمعارضة، وفي صدارتها الهيئات النقابية، بالاعتماد على مبدإ الشراكة في تدبير الشأن العام، كما منح المجتمع المدني سلطة تقديم العرائض والتداول الشرعي في كل قضايا الشأن العام، بما يجسد مبدأ المواطنة. الأخطر من ذلك استخفاف رئيس الحكومة بالبعد العميق لممارسة السياسة الذي يقتضي الأخذ بعين الاعتبار وضعية بلادنا في المحيط الإقليمي والدولي، ما يستوجب حرص النخب السياسية على تقوية الجهة الداخلية عبر الإنصات إلى نبضها العام، والتفاعل مع مطالبها الحيوية، لا سيما إذا ما استحضرنا مختلف ما يحيق بنا من تهديدات إرهابية، ومن السموم التي ينفثها الجار الجزائري، ومن رواسب الجهل والتخلف وكل ما من شأنه التشويش على نهوضنا الذاتي. إن هذا الواقع هو ما يدفعنا إلى تأكيد حاجة بلادنا إلى عقلاء يلعبون في حلبة السياسة بجد ونبل واستشراف، وبالوفاء لمبدأ التناوب الذي تقضي قواعد اللعب فيه أن الحاكم اليوم قد يكون المعارض غدا، وبالتالي فمن مصلحة الجميع أن تحافظ السياسة على نقائها، وأن تمارس باحترام المواطن، وباحترام قواعد اللعب. فإذا كان الماء لا ينسى مجراه رغم تعاقب السنين ورغم نصب الحواجز العشوائية، فكذلك الشأن بالنسبة للذاكرة الاحتجاجية للشعب. إذ بقدر ما يستبد الغرور بالحكومة ويستبد الطيش بالمعارضة حتى يتم تفريخ الشروط المناسبة للبيئة العدمية التي تقود المواطن إلى التمرد على كل الأطر والوسائط والهيآت. ولنا في انتفاضات يونيو 1981 ويناير 1984 ودجنبر 1990 خير دليل وأنصع برهان ليتدخل العقلاء لتطهير القاموس السياسي المغربي من الممارسات الصبيانية.